رمضان هذا العام.. بدون الشيخ رائد صلاح
صباح يوم الأحد 25/7/2010 انطلق موكب جماهيري مهيب.. مئات من عشاق مسرى الحبيب صلى الله عليه وسلم خرجوا لوداع أسد الأقصى، مزلزلين قيعان ظلام الاحتلال بهتافاتهم: «بالروح بالدم نفديك يا أقصى».
في سجن الرملة حكم الاحتلال الجائر بأن يقضي الشيخ رائد صلاح خمسة أشهر من الأسر على خلفيّة ملف باب المغاربة عام 2007، تلك الجريمة التي شاهدها العالم الإسلامي في بث حيّ ومباشر على شاشات الأخبار، عندما قامت جرافات الاحتلال بهدم طريق باب المغاربة، وهي جزء من المسجد الأقصى المبارك. ولأن الشيخ رائد صلاح رجل من زمن صلاح الدين، أبى إلا أن يخرج قبالة باب المغاربة لمناهضة هذا الفعل الإجرامي الفاضح الذي يفجّر في كل مسلم حرّ حرقة الغيرة على مقدسات المسلمين وطُهر منابرهم..
على خلفيّة هذا الموقف كان القرار الصهيوني المتعسف بأسر شيخ الأقصى، وبعزة هامةٍ تسمو حتى يتيه بها السحاب، يُعلّق الشيخ رائد صلاح على قرار سجنه قائلاً: «السجن دفاعاً عن القدس شرف».
ولا تعجب، فهذا القليل من الكثير في عقيدة حارس المسرى من حكايات الصمود والمواجهة التي تتجدّد في كل موقف يمحّص الله فيه عباده المؤمنين، وعلى باب سجن الرملة أوصى الشيخ رائد صلاح: «أوصي الجميع بضرورة الحفاظ على واجب نصرة القدس والمسجد الأقصي المحتلَّين لأنهما أمانة في أعناقنا، وهذه الأمانة عظيمة في السموات والأرض، وسنُسأل عنها أمام الله يوم القيامة، ولذلك علينا أن نخلص لها بكل ثمن لأنها قضية كبيرة، وكل ثمن من أجلها هو ثمن رخيص». صدقت شيخنا، فمنك تعلمنا أن مَهر القدس غالٍ يبتدئ بالدم، وعلى أعتاب الأقصى يطيب للنفس أن تودّع روحها رخيصة تستجدي من ربها القبول.
ولأن فلسطين (كل فلسطين) واحدة لا فرق بين غزة والقدس، فالحصار واحد والعدوّ واحد، ورغم مرارة ما ينتظره في الأسر لم تختف غزة الحبيبة من وصيّته، فأوصى بها مذكراً: «لا شك أن الاحتلال الاسرائيلي يواصل تنفيذ مخططاته الشريرة على صعيد محلي وأوسع من ذلك، وهذا يتجسد بمواصلته تهويد القدس المحتلة وتضييق خناقه على المسجد الأقصى طامعاً لبناء هيكل مزعوم على حساب المسجد الأقصى، في نفس الوقت سعيه المحموم لتهويد الضفة الغربية ومواصلة فرض الخناق حتى الموت على مليون ونصف مليون من أهلنا في قطاع غزة».
وبصرخة اختص شيخ الأقصى علماء الأمة بالوصية قائلاً: «يا علماء أمتنا الإسلامية والعربية، يا شعبنا الفلسطيني وقيادة الشعب.. لا تنسوا أن هذا العام مصيري.. لا نستبعد فيه أن يرتكب الاحتلال حماقة فرض تقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود وارتكاب بناء هيكل أسطوري على حساب المسجد الأقصى المبارك.. حرام أن تناموا أو أن تغفلوا أو تتكاسلوا عن صرخة القدس والأقصى. وما زلت احذر وقد يستبعدها الناس بأن هذا عام مصيري»، فاستجيبوا يا علماء الأمة لنداء شيخ الأقصى، فهذا يومكم لأخذ موقعكم في الدفاع عن القدس، فقد تركتم هذا الموقع عقوداً خالياً.. أما آن الأوان لتعتلوه من جديد!
وما زالت كلماتك شيخنا ترنّ في مسامعنا، ضجيج طلق الرصاص في صمت التخاذل المحبط حولنا عندما عبّرت عن نظرتك لقرار أسرك قائلاً: «وفي نظري هو حكم تافه لن يخيف أحداً، وسنبقى منتصرين للقدسِ والأقصى المُحتَلّين قبل السجن وخلال السجن وبعد السجن حتى زوال الاحتلال الإسرائيلي قريباً باذن الله تعالى»، فهذا والله عهدنا بك، فالشيخ رائد صلاح قبل الأسر شيخ الأقصى، وكذلك سيبقى بعد الأسر، فمنك نستمد بيارق صلاح أمتنا، ومن خلال زمجرات رفضك للظلم والاحتلال نستعيد ثقتنا بلمحات النصر وإن بعُدت، يا من ألفت زنازين الصهاينة وعربدة لصوص الحواجز لترتقي أنموذجاً للمؤمن الصادق الثائر، فمنك يرتجف المحقق الإسرائيلي ويتجنب نيران شرر عينك سجّانو الحرية ومغتالوها الأقزام، وإن على حبال الأباتشي ترنّحوا فهم الصغار وتبقى الكبير فارس العمر وخيّال الوطن المغوار.
في حفظ الله ورعايته شيخنا نستودعك الله، يا من عهدناك حرّاً لا تلين ثبّتك الله، لكم ستفتقد المنابر في رمضان واعظ الأقصى، وسيحنّ إلى تكبيراتك مسجد عرفتك به الأمة يوم أن نُسبت إليه شيخاً، ألا لكل زمن رجال، وفي مسرى الحبيب المصطفى سجل الرجولة يُصاغ.




Aucun commentaire