ياأهل أسطول الحرية، لن تذهب دماؤكم سدى
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين
يا أهل أسطول الحرية: لن تذهب دماؤكم سدى
بقلم: عبد المجيد بنمسعود
يا أيها الذين أبحرتم في اتجاه النجم الساطع وسط سديم الظلام في هذا العالم الظالم الكئيب: غزة المحاصرة بالحديد والنار من الجو والبر والبحر، من شرذمة الصهاينة حثالة الأرض، وبجدار الصمت والخيانة، والجدار الفولاذي المهين، من تحت الأرض من عبيدهم المأمورين، يملأكم إيمان صادق بأحقية شعب غزة الأبي بأن يعيش حرا على أرضه دون وصاية أو إكراه، ودون قبول بأدنى تزوير لإرادته، أو تشويه لحقيقته، وانتزاعه من جذوره وتجريده من أصالته،أبحرتم إلى هناك، يحدوكم شوق عارم وأمل عريض، لمعانقة إخوة لكم في الله وفي الآدمية، ولتعبروا لهم بكل صدق وحرارة، ومن خلال الموقف العملي الصريح، بأن نفوسكم الحرة وضمائركم الحية الأبية، لن تهدأ أبدا، ولن يقر لها قرار، وغزة تتلظى تحت لهيب الحصار،برجالها ونسائها وأطفالها وشيوخها،الذين يعضون على الجمر، ويغالبون اللأواء، صابرين محتسبين، أبحرتم ياأيها الأحرار الرحماء، لتقولوا للناس بكل شموخ واعتزاز، بأن خلية ستظل تنضح بالحياة، وبالشموخ والإباء، وبالطهر والنقاء، وسط جسم البشرية الذي أصيبت معظم أطرافه بالتورم ، فبات يفرز سمومه وعفوناته في كل اتجاه، وبأنها لن تستسلم أبدا لعوامل الداء، وعوادي الفناء.
وقفتم في ذلك المشهد المهيب على أرض تتعهد مشاتل الفتح والشهادة، وتحرس منصة الشهود على مر التاريخ، وملء قلوبكم الكبيرة فيض من الحب والحنان، ورعود من الغضب والإصرار، وفي أحداق عيونكم ترتسم صور الغد الباسم المشرق الوضاء، صور الأشجار الباسقة المثقلة بالثمار الطيبة المذاق، والأنهار الجارية التي سيغتسل بمياهها الأحرار، ويتخففون فيها من طبقات العذاب وأكوام العناء، ثم ينهضون خلقا آخر في غاية الجمال والبهاء، يشرئبون بأعناقهم إلى السماء، يلهجون بالحمد والثناء، ويحفرون خندقا كبيرا يوارون فيه الجيف النتنة لأولي الغدر والإجرام، آكلي لحوم البشر ومصاصي الدماء، ثم انطلقتم في إبحاركم التاريخي المشهود، وملء أرواحكم يقين راسخ، بأنكم واصلون لا محالة إلى المرفأ المقصود، مهما تكن المحن والأعاصير، فالبحر في جميع الأحوال، ورغم هوج الرياح وعظيم الأهوال، أعطى عهده لخلص الرجال، الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وهو لا ينكث عهده أبدا.
لا أحد غير الله يا قافلة الأبطال كان يعلم على وجه الدقة والتفصيل، حقيقة الخواطر والأفكار التي كانت تجول بعقولكم وأرواحكم، ولكن الأكيد الذي لا يكاد يساورنا فيه شك ولا ارتياب، أن حلما جميلا كان يرتسم على جدار مخيلاتكم التي بلغت قمة الصفاء، وأنتم تبللون أجسامكم الشفافة بمياه البحر المطهرة من أدران الطغاة، وتوقعون بداية إبحاركم » باسم الله مجراها ومرساها »، لأنه لولا الأحلام الجميلة التي تطابق اليقين في ثباته وتمكنه، ما برح واحد من الشرفاء مكانه أبدا، وهل يعني ذلك أنه لم تمازج أحلامكم الجميلة منغصات أو خدوش تنال من جمالها، وتنقص من نشوتها ولذاتها ؟ لا أبدا، فليس ذلك مما ينسجم وروح الأحلام التي تنجب المواليد الشرعيين في عالم عج بأحلام الخرق والمهووسين، لقد وضعتم نصب أعينكم، وأنتم تشرئبون إلى تجسيد الحلم الجميل، حماقات الصهاينة الأنذال، وسيرتهم النكدة الحالكة السواد الزاخرة بالشر والإجرام، المطبوعة بالبغي والعناد، ففك الحصار اقتحام للعقبة، بما يستدعيه من باهض التضحيات وشديد المجالدة والمجاهدة، ف « لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ، حتى يراق على جوانبه الدم »، كما قال المتنبي، لكن، لربما ساوركم خاطر عابر، مفاده أن أسطول الحرية المتجه قدما إلى غزة الصابرة الصامدة، يملك نوعا من الحصانة الكفيلة بأن تدفع عنه غوائل العصابة الإجرامية، غير أنه سرعان ما كان ينبغي لهذا الخاطر أن يتبخر ويتوارى أمام الحقيقة المرة التي ستظل تعكر صفو الحياة البشرية، إلى أن يشاء الله، ما لم تنضبط الموازين، وتصحح الوجهة، إنها الحقيقة القائلة بأن عصابة بني صهيون، ما كان لها أبدا أن ترقب في الحق وأهله إلا ولا ذمة، وهي لا تملك فكاكا عن جاذبية الإجرام الراسخة في كيانها المريض المهووس بالقتل وسفك دماء الأبرياء، والسطو على حقوق الناس، وذلك ما صدقته مجريات أحداث أسطول الحرية الذي ما أن توسط لجة البحر حتى انهالت عليه قذائف غربان اليهود من الجو والبحر، فكان أن امتزجت المياه بلون الحمرة القانية التي تحمل في نسيجها أسرار التحرير والانعتاق، وتختزن في خلاياها المشتعلة بالنار والنور، ميثاق الخلاص والانبثاق. وكان على كثير من البلداء والمغفلين، أن ينزعوا أيديهم من قبضة الأخطبوط الماكر الخبيث إلى الأبد، ولكن » ما لجرح بميت إيلام »، فسحر اليهود من شأنه أن يمسك بخناق المغشوشة نفوسهم المهزوزة أرواحهم من ذوي الأحلام الزائفة، والأعناق الخائفة الواجفة، لأنها مرتع وخيم لجراثيم الشر والفساد.
ارتقت أرواح شهداء أسطول الحرية الخالد إلى ربها، وارتدت سفنه المنيفة حلتها القشيبة الزاهية الحمراء، واخترق صوت الحرية جدار الصمت، وسيظل يطرق أبواب المحاصرين، إلى أن يتم الفتح المبين، ولو بعد حين، حين يبلغ الدم نصابه، عندها يعانق النصر أحبابه وأصحابه، وتزهر شجرة الحرية، وتثمر في غزة وسائر تراب فلسطين الحبيبة، وسائر بلاد المستضعفين، وتتدلى أغصانها اليانعة الفيحاء في كل اتجاه، تروي العطاش وتطعم الجياع، وتدفع عنهم لفح الهجير، ويومها يخسأ المبطلون ويخسر المجرمون، ويفرح المؤمنون بنصر الله، يومها تكشف الحجب وترفع الأستار، ويمضي أسطول الحرية يمخر عباب البحار،باسم الإله العزيز القهار.
وجدة في 3 يونيو 2010
Aucun commentaire