قمة عربية بضم القاف
من خصائص لغتنا العربية أن حركاتها التي تصاحب حروفها تغير من دلالة ألفاظها . ومعلوم الفرق بين كسر قاف لفظة قمة وضمها . ولقد تحدث الناس عن قمة عربية في مدينة سرت الليبية بكسر القاف ، والحقيقة أن ما حدث في سرت هو قمة بضم القاف ، وذلك لنتائجها المخيبة لآمال الشعوب العربية . فالشعوب العربية تريد أفعالا ولا تريد أقوالا لأنها ملت الأقوال . لقد قال نتنياهو كلمته العدوانية أمام مؤتمر اليهود في أمريكا، وفي البيت الأبيض ، واعتبر موضوع القدس محسوما . وكان من المفروض أن يأتي الرد العربي حاسما ، ولكن القمة ـ بضم القاف ـ فاحت برائحة زبالة زكمت الأنوف ، هي عبارة عن أفكار وقرارات لا تختلف عما ألفناه من زبالة المؤتمرات العربية . لقد بلغت قممنا ـ بضم القاف ـ ثلاثا وثلاثين قمة عادية وطارئة والزبالة هي هي لم يطرأ عليها تغيير . كل ما نسمعه في كل قمة الخلافات في الكواليس بين المؤتمرين والغضب والسخط من هذا الجانب أو ذاك ، وتعمد الغياب من هذا الطرف أو ذاك بسبب حضور هذا الطرف أو ذاك وبسبب أمور تافهة مخجلة . لقد حسبت قمة سرت ـ بكسر القاف ـ على قضية القدس المهددة بالتهويد أكثر من أي وقت مضى ، ولكنها في الحقيقة قمة الخلافات ـ بضم القاف ـ فكالعادة راجت أخبار عن غضب الوفد المصري والسعودي والسوري والفلسطيني ، وعن عدم المصافحة بين زعماء وفود وعن غياب برتوكولات بالنسبة للبعض والمبالغة فيها بالنسبة للبعض الآخر إلى غير ذلك من الزبالات التي طفحت بها القمة .
ألا يستطيع الزعماء العرب مجرد ضبط برنامج لقاء يتناول قضية القدس وحدها دون أن يثيروا معها زبالات خلافاتهم وفضائحهم . كان المطلوب أن يكون مؤتمر سرت جوابا صريحا على تصريح نتنياهو وذلك من خلال طرح الخيار الذي يجعل نتنياهو في خضم الحيرة والتوجس والخوف . أما أن يتقرر مصير المؤتمر في واشنطن وتل أبيب ، وينطلق الفلكلور في أرض حولها سوء التدبير البهلواني إلى ركح للتمثيل الساخر والهزلي بخيام وإبل ودفوف ورقص وتهريج في وقت يتطلب الصرامة مع الصهاينة فالأمر في منتهى السخافة .
كان من المفروض أن تكون مظاهر الحداد والحزن بادية في مدينة سرت بأعلام سوداء لأن القدس تحتضر بالتهويد ، ولكن السفاهة أحاطت القمة ـ بضم القاف ـ بمظاهر الاحتفال لأنها لا تجيد إلا ذلك ، وبذلك تثير انتباه السخرية العالمية نظرا لافتقارها للحكمة والقرار الصائب . وإنه لمن السخف أن تحاول السفاهة بعبثها المعهود التظاهر بالوقوف إلى جانب الشعوب العربية الساخطة والناقمة .فالشعوب العربية مجمعة في سخطها على كل القيادات العربية فيما يخص التقاعس في موضوع القدس ، ولكن السفاهة تريد أن توجه سخط الأمة العربية إلى أنظمة بعينها لتجعل نفسها بمنأى عن هذا السخط الذي يبدأ في الحقيقة من أرض حولتها السفاهة إلى مقر المسرح الهزلي الذي يغري العدو بالكرامة العربية التي أبخستها السفاهة المبذرة لثروة البترول في الترهات من أجل إشباع نوازع الغرور في نفس مريضة مرضا مزمنا لا يرجى له شفاء .
ومن بلادة السفاهة اعتقادها أن كلامها الذي رددته لعقود والذي كتب ليصير منافسا للوحي وهو مجرد هراء من شأنه أن يضلل الحس العربي الغضب والناقم . ولعل تحرير القدس يبدأ من القطيعة مع السفاهة حيثما وجدت ومهما كان شكلها . فتحرير القدس يتطلب من لا يخطب ولا يتكلم بل يعمل و يجاهد كما حصل في التاريخ مع صلاح الدين . و نحن في انتظار صلاح دين جديد ، يحول القمة ـ بضم القاف ـ إلى قمة ـ بكسر القاف ـ بتحرير القدس الشريف .
Aucun commentaire