Home»International»الإعلام العربي والإسلامي بين الحياد والانحياز

الإعلام العربي والإسلامي بين الحياد والانحياز

0
Shares
PinterestGoogle+

نتفهم جيدا أن ينحاز الإعلام العربي إلى قضايا البلدان التي يكون منتميا لها ، أو إلى القضايا القومية ، وجميعها ثوابت لا تقبل المساومة ، ولكننا لا نفهم بعض المواقف الإعلامية العربية عندما لا يتعلق الأمر بهذه الثوابت ، بل قد يتحول الانحياز لبعض قضايا هذه الثوابت إلى نقيضه. فإذا ما تابعنا الأخبار على سبيل المثال لا الحصر من قناة الجزيرة القطرية التي تدعي عدم التبعية للإعلام الغربي |، وتعتبر نفسها محطة مستقلة وحيادية وموضوعية نجد أسلوبها الإعلامي يناقض دعواها. فعندما تستعمل الجزيرة على سبيل المثال عبارة :  » القوات الدولية في أفغانستان أو في العراق  » أو عبارة :  » قوات الناتو  » ، أو عبارة :  » مقتل جندي أمريكي  » أو عبارة :  » فجر انتحاري نفسه في العراق أو في أفغانستان  » أو عبارة :  » الإرهاب « …. إلى غير ذلك من العبارات المستعملة يوميا في قناة الجزيرة فلا علاقة لمثل هذه العبارات بالحياد بل هي عبارات منحازة بامتياز لأنها تنفي صفة الاحتلال عن قوات الناتو ، وتضفي عليها صفة الشرعية من خلال وصفها بالقوات الدولية ، وتصف موت الجندي من هذه القوات بالمقتل مما يوحي بتجريم الجهة التي صدر منها القتل ، وتصف موت من يقاوم الاحتلال بالانتحار ، علما بأن الانتحار عمل جبان يلجأ إليه الفاشلون من الناس عكس حقيقة الذين يقاومون المحتل لبلدهم ، وتصف عمل المقاومة بالإرهاب دون وصف عمل الاحتلال بذلك .

إن درجة حياد أو انحياز الإعلام العربي والإسلامي تحكمها وتحددها العبارات التي يستعملها هذا الإعلام. ومن خلال العبارات المستعملة يمكننا أن نصف هذا الإعلام العربي أو الإسلامي بإعلام الخضوع للإعلام الغربي المهيمن على الساحة الإعلامية العالمية بواسطة قوة التهديد. فلو أن الجزيرة مثلا استعملت عبارة مقاومة عراقية أو أفغانية ، وعبارة جهاد عراقي وأفغاني ، وعبارة شهيد عراقي وأفغاني وباكستاني أو على الأقل عبارة مستشهد عوض انتحاري ، وعبارة محتل أمريكي وغربي ، وعبارة غارات جوية وحشية وبريرية وهمجية أمريكية وأطلسية لكان مصيرها الإدانة والاتهام بعلاقتها مع الإرهاب وتنظيم القاعدة وطالبان والبعث وهلم جرا من التهم المقدودة سلفا على مقاس من يرفض الاحتلال الغربي ويعارضه . لقد قدمت قناة الجزيرة المواطن الأردني الذي قام بعملية خوست في أفغانستان على أنه انتحاري ، ولكنها في نفس الوقت قدمت كلمته المسجلة التي يصف عمله بالجهاد كما قدمت كلمة والده في الأردن يصف ابنه بالشهيد وظنت أنها في قلب الحياد وعدم الانحياز ناسية أو متناسية أن عبارة انتحاري التي استعملتها نتسف القيم الأخرى التي قدمتها لأنها نفس النعت الذي استعمله الإعلام الغربي. وكان من المفروض لو أن هذه القناة كانت حرفية وموضوعية ومحايدة أن يكون تعبيرها كالآتي :  » فجر انتحاري نفسه ـ حسب التعبير الأمريكي ـ والاستشهادي ـ حسب تعبير طالبان ـ في أفغانستان. وقام المحتل الأمريكي أو الغربي ـ حسب تعبير طالبان ـ أو قوات الناتو والقوات الدولية ـ حسب التعبير الغربي ـ والإرهاب ـ حسب التعبير الغربي ـ والجهاد ـ حسب طلبان وتنظيم القاعدة والمقاومة العراقية ـ أما أن تتكرر عبارات الإعلام الغربي في الإعلام العربي فلا مبرر للحديث عن الحياد . وأين الحياد في عبارة :  » الحكومة المقالة  » وفي عبارة  » الحكومة المعينة  » ؟ علما بأن الجهة التي مارست الإقالة في هذه الجهة تعتبر غير شرعية ومنتهية الصلاحية في الجهة الأخرى ، والمفروض أن يكون الوصف الإعلامي حرفيا وموضوعيا ومحايدا لا ينحاز إلى أي طرف .

ولا نجد التوصيف القريب من الموضوعية أو الحيادية إلا عندما يتعلق الأمر بالعبارات المقبولة غربيا من قبيل عبارات إصلاحيين مقابل الحكومة الإيرانية ، وقوات يمنية مقابل الحوثيين ، وجيش جنوب السودان و حركة التمرد في دارفور مقابل الحكومة السودانية ، وجبهة البوليساريو مقابل الحكومة المغربية … إلى غير ذلك من العبارات المنقولة حرفيا عن الإعلام الغربي دون تنصيص على مرجعيتها الغربية ، ودون التزام الحياد بذكر العبارة وما يقابلها عوض الاكتفاء بعبارة واحدة توقع الجهة الإعلامية في الانحياز بشكل واضح و فاضح.إن تجربة الإعلام على طريقة قناة الجزيرة لا يعدو مجرد نفاق إعلامي يحرص أصحابه على التظاهر بالحياد والموضوعية من خلال طرح يحاول إرضاء أطراف الصراع بعبارات أعدت بدقة لتكون لها شحنات يفترض أن تؤثر في الشعوب العربية والإسلامية وتكسب ثقتهم إن لم نقل تذر الغبار في عيونهم دون أن تغضب الطرف الغربي الذي خط لها خطوطا حمراء لا يمكن أن تجاوزها. هذا شأن قناة الجزيرة التي تدعي الحياد ، أما باقي القنوات والمحطات العربية فهي مالكية أكثر من مالك كما يقال أي غربية أكثر من الغرب عندما تنقل الخبر، ويجدر بها أن تنقل الخبر من المصدر الغربي المنقول عنه عوض تبني الخبر ونسبته لنفسها بطريقة مخجلة ، ومثيرة للسخرية .

إن حال الإعلام العربي والإسلامي يعكس الوضعية السياسية للوطن العربي والإسلامي التابع مكرها لا بطلا للغرب المهيمن على الساحة العالمية. وإلى أن يوجد الإعلام العربي والإسلامي المستقل سيكون من المفروض على المتلقي العربي والمسلم أن يقوم بعملية الترجمة الفورية التصحيحية للعبارات الغربية التي يجترها إعلامنا العربي والإسلامي ليتمكن من استيعاب الخبر الذي يتلقاه المتلقي الغربي واضحا وبسهولة ودون حاجة إلى ترجمة فورية .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

3 Comments

  1. بلحرمة طه
    11/01/2010 at 19:34

    موضوع متميز و في الصميم للأستاذ شركي , مشكور عليه , لكني أختلف معك كثيرا حول نظرتك للإعلام العربي و كيف يجب أن يكون , أول شيء يجب أن يتم إستيعابه هو أن الإستقلالية و الإنحياز شيئان متضاذان , فإذا كنت تتحدث عن ضرورة وجود الإستقلالية فعليك أن تكون منصفا , فإذا كنت ترغب أن تكون الإعلام العربية و الإسلامية مستقلة فلا يجب أن تطلب منها أن تدرج مثل تلك التعابير التي قلتها مثل : مجاهد , شهيد , قوات الإحتلال … , في علمك أن هذه التعابير أفضح إنحياز , و إذا كنت تقول بأن الإعلام الغربي يدرج كلمات مثل : قتيل عوض شهيد , أو قوات الناتو عوض قوات الناتو المحتلة … , فهذه قمة الإستقلالية في نظري , فهي لا تتحدث لا بإسم المسلمين و لا المسيحيين , بل قد تجد أن الساهرين على هذه القنوات الإعلامية  » الغربية  » لهم مواقف أخرى عكس ما يقدمونه في قنواتهم , على عكس الإعلام العربي المتأثر بالخطاب القومي و الديني , يكفي مثلا أن نقارن خطاب قناة  » بي بي سي  » الإنجليزية و ما تبثه مع خطاب قناة  » الجزيرة » العربية و ما تبثه هي الأخرى , الفرق واسع جدا .
    أمر آخر أريد معرفة رأي الأستاذ شركي فيه هو , بماذا نصف تهديد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بإعدام رهينة فرنسي , هل يجوز أن نقول مثلا : هدد تنظيم القاعدة .. الإرهابي بإعدام رهينة فرنسي , مع أنه هذا العمل بشع و غير قانوني و هذا واضح , فهل يجوز وصف التنظيم بالإرهابي في وسائل الإعلام أم لا ؟ و هذا الأمر ينطبق على الوصف السابق  » قوات الناتو المحتلة » هل يجوز وصف هذه القوات بهذا الوصف مع أنه فعلا محتلة ؟
    أما فيما يخص ما ذكرته حول تحفضك على وصف الحكومة بالمقالة , هذا منطقي جدا لأنها مقالة فعلا , فوسيلة الإعلام لا تهمها إن كانت إقالتها أمرا شرعيا و قانونيا أم لا , هناك ربما بديل واحد لهذا الوصف و هو حكومة غزة , بمقابل حكومة رام الله , و لا أدري إن كنت تفضل هذا الوصف أم لا .
    في الأخير , أقول أنه لا وجود لأي قناة عربية مستقلة بمن فيها قناة الجزيرة الفضائية , هذه القناة التي توجه سهامها إلى دولة مصر , لماذا لم توجه سهامها من قبل إلى الدولة التي تحتضنها و التي كانت لها علاقات تجارية مع إسرائيل , و مع ذلك لم تثر هذه المسألة على قناتها .

  2. عمري
    13/01/2010 at 00:09

    كم كان السي بلحرمة دقيقا و عميقا في ملاحظاته و ليته حولها إلى مقال لتكون أفيد و أكثر علمية مما ينشر في مقالات اخرى في الموضوع ذاته
    لكنني أضيف إليها بعدا آخر و هو البعد التاريخي المعرفي و مفاده: هل الإنسان العربي عامة و الصحفي بخاصة يجوز ان يقارن عندنا بإنسان غربي قطع أشواطا من التقدم العلمي و المعرفي حتى أضحت نظرته إلى العالم خاضعة لمنطق التطور بينماالإنسان المسلم والعربي لا يزال و إن كان يحيا في القرن الواحد و العشرين يفكر و يتامل و يحلل و يناقش بعقلية القرون الوسطى؟ فمثلا صحفي في قناة الجزيرة يسير حوارا بين متعارضين هل يكفي أن يصيح و يلمح و يجرح في المغرب و مصر و غيرها ليكون على صواب
    هل مثلا يكفي أن يدغدغ الصحفي عواطفنا الدينية و القومية و الجنسية أحيانا لنعجب به و نصفق له اما حان لنا ان نعترف بأن التاريخ يركض بملئ ساقيه و نحن كالصخر الأصم ثابتون في مواقعنا
    لكم كل الشكر

  3. بلحرمة طه
    16/01/2010 at 21:07

    شكرا لك أستاذ عمري على إطرائك لتعليقي حول هذا الموضوع , سيدي , كنت أرغب كذلك في الكتابة في هذا الموضوع,و سأكتب فيه مستقبلا حين تسنح الفرصة , أما بخصوص الإضافة التي طرحتها , فأنا أتفق معك تماما , و هذا ما لمحت إليه فعلا في تعليقي عندما ذكرت أن الإعلام العربي و الإسلامي يعتمد على الخطاب القومي و الديني لمحاولة جذب ذلك المواطن العربي و المسلم المغلوب على أمره و الذي ما إن يلمح ما يدغدغ مشاعره الدينية و القومية إلا و يسارع إلى الإعجاب بها , متجاهلا عن قصد أو دون قصد الأهداف الحقيقية لوسيلة الإعلام و المتمثلة في طرح القضايا و الأحداث بموضوعية و إستقلالية دون إنحياز لأي طرف أو توجه إيديولوجي معين
    فلو لاحظت وسائل الإعلام العربية و الإسلامية اليوم ستخلص إلى نتيجة حتمية ألا وهي أن هذا الإعلام مازال يسير في دائرة مفرغة في مضمونه على الرغم من تغييره لشكله
    هناك العديد و العديد من المشاكل التي يعاني منها الإعلام العربي و الإسلامي لا يسعني ذكرها في هذا التعليق القصير
    و أتمنى من الأستاذ عمري أن لا يبخل علينا هو الآخر بموضوع في هذا المجال
    مع التحيات

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *