مجزرة بيت حانون رسالة واضحة المضمون لمن يريد السلام مع الصهيون

عبر تاريخ جهاد شعبنا الباسل في فلسطين كنا نسمع دائما أصواتا تنعق بعبارات الاستسلام في أشكال مختلفة ؛ مرة تسخر من المقاومة وتعتبرها وهما لأن هزيمة إسرائيل في حكم المستحيل ؛ ومرة تعتبرها سبب المأساة الفلسطينية ؛ وسبب الهزائم العربية المتتالية ؛ ومرة ثالثة تدينها إدانة لا تقل عن إدانة العدو لها ….. المواقف مختلفة والهدف واحد وهو استئصال فكرة الجهاد والمقاومة من عقول الفلسطينيين.
وأما الوسائل المعتمدة لشطب مصطلح أو مفهوم المقاومة من القاموس الفلسطيني فعديدة متعددة بتعدد الأطراف المتدخلة في القضية.
لقد استغل نضال الشعب الفلسطيني أبشع استغلال من طرف الأصدقاء قبل الأعداء ؛ فالأنظمة العربية على اختلاف مشاربها السياسية والتي كانت شعوبها تهتز للمجازر في فلسطين كانت تعمد إلى أسلوب امتصاص غضب شعوبها عن طريق حروب وهمية لا تتجاوز أيامها عدد أصابع اليد تبدأ بالأناشيد الحماسية والموسيقات العسكرية من المحيط إلى الخليج ؛ والبلاغات العسكرية عن عدد الطائرات التي أسقطت والدبابات التي دمرت ؛ والشعوب تمسك ريقها وأنفاسها وتتحرق لسماع خبر النصر ؛ لكن سرعان ما تنكشف الحقيقة ويشيع خبر هزيمة العرب في خمسة أو ستة أيام ؛ ويبدأ النحيب والعويل ؛ وقد تتناقض البلاغات والأخبار فتنقل إذاعة عربية خبر الهزيمة مبطنا بينما تتغنى أخرى بنصر ساحق مزعوم.
ويظهر حكماء الحكام المهزومين باللجوء إلى أروقة الأمم المتحدة طالبين راغبين في ود إسرائيل ؛ ويقصدون البيت الأبيض والعواصم الغربية يقدمون الاعتذار ويبررون ما كان منهم من تهور ضد السيدة الفاضلة إسرائيل التي كلما هزمتهم زاد محيطها الجغرافي ؛ وزادت سطوتها ؛ وزاد الاعتراف بها دوليا
ولم يعرف التاريخ مثلها إذ بدأت عصابات مهاجرة تحترف الإجرام وأصبحت أعظم دولة حازت لقب الدولة الديمقراطية الحرة الحضارية ؛ وشطب من سجلها الإجرام والسطو والاعتداء والبطش وكل ما سجله التاريخ.
ومع استمرار تداعيات الهزائم العربية المتتالية وجدت فكرة الاستسلام من يكرسها ويجعل منها قدرا محتوما لا مفر منه حتى تملصت كل الأنظمة العربية من واجب استرجاع فلسطين ؛ وتحول هذا الواجب بالنسبة لدول الطوق كما سميت إلى مشروع لاسترجاع ما ضاع بعد هزيمة 1967 ؛ وكأن القضية بدأت من البداية بهزيمة في حكم القدر الذي لا راد له ؛ أما بالنسبة لباقي الدول العربية فقد تحول الواجب إلى خبر مسبوق بفعل الكينونة في الزمن الماضي . وسرعان ما بدأت أصوات الاستسلام تتحدث عن التعقل والموضوعية ؛ وبدأت المفاوضات السرية مع العدو هنا وهنا ؛ وهي مفاوضات لم تتوقف حتى في زمن ما يسمى بحروب العزة والكرامة كما سجل الخبراء ذلك وأصبح مدونا في دفاتر الأيام . وتطورت فكرة الاستسلام كما تكبر كرة الثلج المزحلقة فتحولت فجأة إلى سلام الشجعان بموجبه يتحول المنهزم المستسلم إلى شجاع يدوس على كرامة وإرادة أمته فيوقع المعاهدات في المنتجعات شاهدا على قصور أمته التي لا تستشار في أمر التوقيع ؛ وبموجب هذه المعاهدات انفرط عقد البلاد العربية فأفرغت أرض الكنانة من سهامها ؛ وتتابع مشوار الاستسلام المتربص إذ التحقت باستسلام الكنانة باقي المسميات من قبيل الصمود والتصدي حتى دخل الاستسلام البيت الفلسطيني بعدما ظلت مقاومته تطرد من قطر إلى قطر في دول الطوق وتحول المقاومون إلى شتات استفرد به العدو على أرض لبنان في مذابح سجلت أرقاما قياسية لن تنساها الذاكرة مهما تراخى الزمن . وتوالت معاهدات المنتجعات والعواصم الغربية يوقعها أصحاب السلام الشجاع والشعب الفلسطيني يدفع فواتير التضحية الباهضة التي لا مثيل لها في التاريخ .
ومع توقيع هذه المعاهدات استفحل أمر الاستهزاء بالجهاد والمقاومة واعتبرا من معيقات السلام حتى أن كل فشل يصيب سلام الشجعان كان يتخذ من المقاومة والجهاد شماعة تعلق عليها التهم وتحمل كل التبعات.
ومع مرور الزمن ثبت بما لا يحتمل شكا أن السلام مجرد استسلام ؛ فكان ذلك بمثابة نفس إنعاش للمقاومة الشريفة التي صنعها الصغار بالحجارة بعدما صاروا أيتاما في ساحة عريبة نفضت الأنظمة فيها يدها من واجب الجهاد واسترجاع ما ضاع شرعا وعرفا بل تهافتت هذه الأنظمة على الاعتراف بالعدو من خلال صيغ اللف والدوران المسمى بالتطبيع وربط التطبيع بما سمي مسلسلات السلام وهو تطبيع كان في الخفاء حتى في زمن ما سمي بحروب العزة والكرامة كما كشف عن ذلك فيما بعد. وهكذا استغل جهاد الفلسطينيين كأبشع ما يكون الاستغلال ففتحت السفارات اليهودية هنا وهناك وأبرمت الصفقات التجارية الهادفة إلى ملء جيوب إسرائيل وتمتع سواحها بجمال طبيعة البلاد العربية من المحيط إلى الخليج في وقت كان مسلسل ما سمي بالسلام ما زال حصرما لم يزبب . وفازت بعض الأنظمة بمرتبة الصداقة مع إسرائيل وأصبحت منتجعاتها وعواصمها مقر سلام الشجعان وازدادت السخرية ممن يحمل فكرة المقاومة والجهاد واستهجن فعله وتحول مصطلح جهاد بفعل فاعل إلى مصطلح إرهاب شماعة العصر التي أصبحت مبررا لكل جرائم العدو في كل مكان . وانتقلت السخرية من المقاومة من الأنظمة إلى داخل البيت الفلسطيني الذي أفرز الحكماء على النمط العربي الراكع ؛ واستمر مسلسل الاستسلام في شكل خرائط كل ذلك وإسرائيل تقتل وتذبح وتدمر وتحاصر وتجوع وتفعل ما تريد بمن تريد متى تريد لأن فعل إسرائيل عبارة عن دفاع عن النفس في كل الأحوال ؛ كيف لا يكون ذلك وهي التي تفضلت مشكورة بتوقيع معاهدات السلام على الورق وهي معاهدات لا تساوي ثمن الورق في حين واصلت جرائمها ؛ وهي جرائم لا تحوجها إلى ذرائع فكل سلوك مقاوم هو ذريعة للبطش ما دام العرب قد شطبوا من قاموسهم مصطلح مقاومة وجهاد واستبدلوه مكرهين بمصطلح إرهاب.
عشرات القرارات الأممية كمشها ممثل إسرائيل ورمى بها في سلة المهملات أمام عيون ممثلي شعوب العالم ؛ وإسرائيل هي الدولة الوحيدة الخارجة عن حكم القانون لا تحاسب ولا يقوى أحد على ذلك ومن حدثته نفسه بذلك فالويل لأمه وأبيه وصاحبته وبنيه وعشيرته التي تؤويه .
وعندما ترتكب المجازر تظهر في مجلس الأمن والعواصم الغربية الداعمة لإسرائيل دعما بلا حدود عبارات من قبيل الدفاع عن النفس ؛ ضبط النفس ؛ تجنب القسوة في الرد ؛ الأسف على موت الأطفال العودة إلى مائدة المفاوضات وهي مائدة بلا أطباق ؛ وتنتعش انتهازية الأنظمة العربية فتتحرك الطائرات هنا وهناك تنقل هذا الزعيم أوذاك ليقدم نفسه مسيحا مخلصا للفلسطينيين وإسرائيل لا تبالي بأحد وتستمر في عدوانها وهي تمسك بالفيتو الأمريكي بيدها تستخدمه متى تشاء عندما تطبخ مسرحية إدانة محتملة لفعلها الشنيع .ويتكرر المشهد كل مرة ودار العرب كدار لقمان ؛ والمؤسف أن تتحول القضية إلى قضية فلسطينية بحتة تهم الفلسطينيين وحدهم ؛ وتسقط فريضة الجهاد عن الأنظمة العربية ؛ بل وتسقط حتى عن فئات فلسطينية وتتحول القضية إلى صراع حول الاعتراف بإسرائيل من أجل أمل سلام كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء حتى إذا جاءه وجد مجزرة كمجزرة بيت حانون فوقف مذهولا لا يدري ما يقول لأن التبريرات قد نفدت والذرائع لم تعد تغني والسخرية من المقاومة والجهاد لم تجد نفعا لمن اختار طريق معاهدات المنتجعات علما بأن المنتجعات لا يمكن أن تعيد أرضا ؛ فالأرض تعيدها الدماء والتضحيات لا مسلسلات الاستسلام في حلل السلام . فمتى تحين ساعة عودة الجهاد والمقاومة إلى قاموسنا ويشطب منه مصطلح إرهاب بالمعنى المبتذل ليصير ( ترهبون به عدو الله وعدوكم ) ؟؟ كما أراد الله عز وجل.
ننتظر جوابا عن مجزرة بيت حانون من أصحاب سلام الشجعان ؛ ومن المرتزقة بقضية الأمة ؛ ولا نريد شماعة ولا ذرائع نريد جوابا مقنعا في زمن أصبح الشعب الأمريكي يمثله الصهاينة الحقيقيون عوض المسيحيون اليمينيون المتطرفون المتصهينون ؛ وليس الصهيوني كالمتصهين لو كنتم تعلمون فالمتصهينون بلغوا أقصى درجات إهانة الأمة العربية والإسلامية وقال لهم الصهاينة هذا قليل في حق اسرائيل؛ فجاءت مجزرة بيت حانون كاحتفال بنجاح الصهاينة الحقيقيين في الإمساك بزمام الأمور ليبدأ مسلسل جديد من ابادة شعب فلسطين الذي لا وجود له إلا بالجهاد والمقاومة كما يخبر بذلك الوحي قرآنا وسنة ولله الأمر من قبل ومن بعد.





Aucun commentaire
جازاك الله خيرا الأخ محمد شركي على هذا المقال وعلى جرأتك وشجاعتك في تناول المواضيع ، وهي جرأة وشجاعة اصبحت عملة نادرة في زماننا زمان الأنتهازية ، والأنتهازيين ، … زمن الوصولية والصوليين الذين اصبح لا هم لهم الآن الا التخطيط للفوز بالأنتخابات ولو على حساب المباديء والقيم والمقدسات الدينية ……فأف له من زمان ، وأف لهم من انتهازيين ووصوليين في زمن الذي والأذلال والعار ….
كما اشكر هذا المنبر » وجدة سيتي » الذي بالفعل اصبح متنفسا لنا ، ليس في الجهة الشرقية فحسب بل الحديث على هذا المنبر في العديد من مدن المغرب بل في الخارج ايضا خصوصا في فرنسا …فجازى الله خيرا المشرفين عليه … ونحن رهن اشارتهم لدعمهم حتى يستمر هذا المنبر منبرا …..لمن لا منبر له ……
بسم الله الرحمن الرحيم
انا ما يقال هنا، وما يتم استنكاره هو اقل اقل الايمان الذي يمكن المطالبة به، فهناك في بيت حانون وفي مخيم جباليا الايادي ملقاة يمنة ويسارا، والارجل تبتر في ثوان، وهناك يمكنك ان ترى عيون تتألم وقلوب تنفطر، امهات يثكلن، وزوجات يترمل واطفال ييتمون، هناك وفي بيت حانون حيث سمية العثامنة التي فقدت رجلها اليسرى وهي تبتسم للموت حين اتاها وتتألم حين تعرف ان الموت استغنى عنها واخذ معه خمسة عشر رفيقا من افراد اسرتها…
كل التحية لكاتب الموضوع
والله احس بالقهر وانا اتابع ما يحدت في فلسطين. وحكامنا في سبات عميق. والعدو كل مرة هو في شان وكان العالم تحت سلطته.عندما أرى الأطفال الأبرياء والنساء والمجتمع المدني عامة عرضة للقتل والعنف الصهيوني أسف لحال العرب.أعان الله المقاومين وساعدهم للتغلب على العدو.