Home»International»الأشياء والكلمات

الأشياء والكلمات

0
Shares
PinterestGoogle+

الأشياء والكلمات
قد تحدث أشياء في واقعنا الديني أو الاجتماعي أو التربوي تستوجب الرد والتعليق فتثير فينا كلمات ناصحة أو ناقدة أو مبررة أو كاشفة لمعنى المعنى وقد نرى أشياء ونسمع عن أشياء تؤثر فينا فتجود قرائحنا بكلمات تشكل أساس خطابات تنوير وتغيير ورسائل حق وخير… من هذه الأشياء التي استشرت في صفوف شبابنا ظاهرة العزوف عن القراءة المنتجة وتشغيل مصادر البحث الورقية بشكل يوازي ويتناغم مع المصادر الالكترونية إذ دلت الأبحاث الواردة في التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية الصادر عن مؤسسة الفكر العربي أن معدل القراءة في العالم العربي بلغ 4 في المائة وأن نسبة استخدام الأنترنيت في أكبر دولة عربية وأعرقها حضارة/ مصر ساكنتها تقدر ب70 مليون نسمة/ وصلت إلى 7 في المائة وهي أرقام هزيلة إذا مااستعرضنا حجم المقروء والزمن المخصص للقراءة ففي حين قدر حجم المقروء عند الانسان العربي بربع صفحة وعند الانجليزي ب7 كتب وعند الأمريكي ب11 كتابا وعند الصيني 40 كتابا وصلت مدة القراءة عند العربي نصف ساعة وعند الأوربي 36 وساعة سنويا .

أما على مستوى النشر فقد بلغ عدد الكتب المنشورة سنة 2007 27809 من الكتب منها 15 في المائة مخصصة للمجال العلمي و65 في المائة تعالج قضايا الدين أوالأدب أو الإنسانيات أي بمعدل كتاب واحد ل 12 الألف عربي بينما كيان وهمي كالدولة العبرية يصدر 30 ألف كتاب في السنة وفي مجال الترجمة وهي نافذة للمواكبة والاطلاع على الجديد وصلت مترجمات مصر 400 كتاب بينما قدرت مترجمات إسرائيل 4 آلاف كتاب…
إنها أرقام مهولة تشي بوضعية قرائية كارثية في غياب تربية قرائية تغرس منذ الصغر لترسيخ عادات قرائية واستضمار قواعد القراءة المنهجية وفي ظل تقهقر نسب استحداث المزيد من المكتبات العمومية الثابتة والمتحركة وتسارع وتيرة إقفال الموجود أو تحويله عن وظيفته وفي غياب دعم حقيقي للكتاب والكتبيين على مستوى الانتاج والتداول وتدفق الكتب الوظيفية المعدة للامتحانات والمباريات…. ولعل مؤشر التنمية البشرية لسنة 2008 الوارد في برنامج الأمم المتحدة يعكس خيبة أمل المتتبعين للشأن الثقافي على ارتكاس أمة اقرأ وتراجعها عن القراءة في أمور الدين والدنيا إذ بلغت رتبة المغرب البلد الاسلامي والعربي 171 من 192 دولة أي بنسبة54.7 ممن يعرفون القراءة والكتابة في مجتمع دولي لامكانة فيه إلا لمجتمع المعرفة وللثقافة الرقمية وفي عالم تغير فيه مفهوم الأمية…

فلايعقل لبلد يتخذ القرآن منهجه في الحياة ولايستجيب لأمر القراءة الوارد في كتاب الله العزيز باعتباره واجبا شرعيا وفرض عين على كل مسلم ومسلمة…فأول فعل نزل من السماء ليخصب العلاقة مع الأرض هو فعل اقرأ ولنا في رسول الله/ص/ معلم الأمة الأول أسوة حسنة فهو النبي الأمي أفصح العرب ومتحديهم في لسنهم وبلاغتهم وحيازتهم لأسباب التمكن كما لنا في صنيعه/ص/ عند افتداء الأسرى لأنفسهم مقابل تعليم نفر من المسلمين خير قدوة… وتمثل أم المؤمنين عائشة الصديقية خير نموذج نسائي في التاريخ يقتفى أثره رغم حداثة سنها فقد كانت رضي الله عنها مرجعا من مراجع العلم والفتوى والإحاطة بالعلوم الشرعية ألم يقل في حقها الكثير من العلماء »إن ربع الأحكام الشرعية علم منها » و » مارأوا أحدا أعلم بمعاني القرآن وأحكام الحلال والحرام من السيدة عائشة » وأنصفها عطاء بن أبي رباح بشهادته »كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأيا في العامة ».

كما يشكل الإمام علي كرم الله وجهه مثالا ناصعا وضاء للشباب المسلم التواق للعلم والتفقه وامتلاك ناصية العلوم فقد كان رضي الله بطلا مغوارا في معارك التحرير والتغيير وحجة دامغة في الاسلام وعلامة فارقة في نهائج البلاغة واللسن إذ قال في حقه عبد الله بن عباس » والله لقد أعطي علي بن أبي طالب عليه السلام تسعة أشعار العلم »… فسلفنا الصالح لم يعرف أبدا مشكلة تدبير الوقت فقد كانت أيامهم كلها موهوبة لطلب العلم ولوكانت مراكزه بعيدة ووصلت بلدا بعيدا أنذاك كالصين أما نحن فمصادر البحث الورقية والالكترونية دخلت بيوتنا ومدارسنا ومرافقنا لكننا آثرنا المصور والسمعي على الملفوظ وقدمنا الجاهز والسريع من أكليشيهات ومستنسخات على البحوث والدراسات الرصينة وفضلنا الدردشات على الابحار في مواقع المعرفة الجادة… واقتطعت كرة القدم والأفلام والأشرطة السمعية والمهرجانات… معظم وقتنا فلم يعد هناك متسع من الزمن للتهيؤ للامتحان فأصبح الغش قيمة العصر وتعاونا يثاب عليه وفقدت الشهادة العلمية قيمتها وأصبحت المادة هي كل شيء…كما لم يكن المكان ملهى لسلفنا الصالح ومنتدى للنميمة والتجريح وقتل الوقت ولا وكرا للفساد والجهر بالمعصية فلا حانة ولا مزمارا ولكن مسجدا ودارا للندوة وسوقا للتباري… بالله عليكم كيف لم نستحضر أن أديبا كالجاحظ كان يكتري مكتبات بعينها يقضي فيها معظم الليل في القراءة والبحث على الشمع والقليل من الزاد وفي النهار يعيدها لأصحابها… بالله عليكم كيف لم نعتبر بموت الجاحظ الذي قتلته الكتب المتساقطة عليه فمات شهيدا للقراءة…

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *