Home»International»قالها من نادى ربه أفرجها على عبادك الصالحين

قالها من نادى ربه أفرجها على عبادك الصالحين

0
Shares
PinterestGoogle+

قالها
من نادى ربه أفرجها على عبادك الصالحين

لا أدري من حملني إلى هذا المكان المتعفن بهذه الأجساد العارية المتفسخة في سراديب ممراته المتشققة؟ ومتى جيء بي إلى هنا؟ كل ما أتذكره؛ أن أحدهم أخرجني من نومي العميق، وأفسد علي أحلامي الجميلة حين رفع يده الغليظة، ونزل بقبضتها الثقيلة على رأسي، فجرى حينها مني النوم مجرى المخدر للمريض، وعدت إلى أحلامي ثانية، حيث رأيت سيارة سواء اللون قادمة من الجهة المقابلة للجهة التي كنت واقفا فيها أخطب في حشد من المتسكعين مثلي، فقد عرفوا أني مخبول أتبول في الشارع رغم لعنات المارة لي، وبصاقهم علي، لأني لا أملك حسا اجتماعيا مثلهم، فهم لم يتعودوا في شارعهم سوى على عناق المحبين، وقبلات المتغامزين، وميوعة الساقطين، الذين يمرحون في هذا الشارع، وهم يقطعونه جيئة وذهابا، حتى اشتهر بشارع العشاق في زمن العطل والتعطل الدائم.. لم يتعودوا على مخبول يخطب في جمع احتشد لسماع خطبة نسي متى كتبها، ولماذا؛ وإنما قالها وهو يشتم القوم الذين جلبوا له كل قمامات العالم ليأكل منها، وهو يرفع القلم يكتب خطبته، التي اعترف فيها أنه لا يعرف القراءة ولا الكتابة؛ لأنه أمي منذ طرد من المدرسة لأول وطأة قدم صغيرة تخطت عتبتها؛ فعتبتها أقوى من كل عتبات حتى يلجها من أتاها حافيا جائعا!؟ وهو يعيش في تلك المحطة المهجورة من القطار، الذي حولوا اتجاهه نحو الغرب بقرار من الجهة الساكنة في الطابق العشرين من العمارة العشرين، التي تقدمت بشكوى ضد ضجيج القطار، ونسيت التشكي بي، لأني كنت أريحهم من نفاياتهم التي ترمى من طوابق عمارتهم الشاهقة، والتي كثيرا ما حلمت بركوب مصعدها الكهربائي في سفر إلى الأعلى؛ لأطل على القوم من فوق ولو مرة واحدة من هذا الزمن الممتد أزمانا، لكن مع الأسف الشديد لم أسافر منذ ذلك الحلم لحد الساعة، وما زلت أنتظر وصول التذكرة ليومنا هذا. فهي لم ترقن بعد في مطابع بلادهم الجميلة، الرابضة فيها الجيوب الثقيلة، والعقول الخفيفة، والأجساد الرقيقة.. الحشد بدأت أصواته ترتفع بشدة، مطالبة بإنهاء الخطبة التي لم تبدأ بعد، ومل سماع صوتي المتعب أصلا من البداية، حين نطقت أول كلمة في الخطبة: السادة النبلاء الكرام، من سجدت لهم أطراف القمر، وحروف الشموس في الليالي الحمراء، من سكبوا مياه البحار في مجاري البلاد، وفرخوا صغار العصافير وأحواض الأسماك، وأنبتوا الأشواك في أغصان الورود الذابلة، المتساقطة أوراقها الخضراء.. السادة الشرفاء المبجلون برياحين العطور المستوردة من بلاد القوقاز، وبراري رومبو، من سكنوا شواطئ البلاد وملاهي العباد.. كفى أيها المتسكع الأحمق، فهل نحن نبلاء وشرفاء، ونحن من فصيلتك تجمهرنا لسماع حكاياك المثيرة، ومغامراتك العجيبة، التي رأيتها في أحلامك.. آه نسيت أنكم مثلي، وجدكم من جدي، من قلت لهم ذات يوم، أني رأيت سيارة سوداء اللون قادمة حيث كنت أسير من منزلي إلى مدرج الجامعة، التي تعلمت فيها أن النضال سنة من أراد العلا في بلاد الفقر والقهر؛ ناضل حتى تحتل كرسيا في محفل المناضلين، المتشبعين برؤى المبعدين والمهجرين والمسجونين والمطرودين والمغضوب عليهم في كل حين، والمقبورين؛ من تسمت المخافر بأسمائهم، والقلاع حفظت سيرهم وعذابات أيامهم.. ناضل حتى يأتيك طارق الليل يحمل لسانه سؤالا، ويده قبضة، ومكتبه قبرا، أنت الذي تقول لخلق الله: نريد الحرية، نريد الديمقراطية، نريد.. ألا تريد أن تصمت؟! ألا تريد أن تعيش بين القطيع سالما غانما؟ لماذا فمك يلتهب نارا؟ أهذه هي إيديولوجياتك المستوردة من الخارج أم هذه هي منابت هويتك المتعصبة المتشددة؟ ماذا تقول في هذه الحرية التي تتمتع بها؟ ألست حرا تذهب أين تشاء ومتى تشاء؟ ألا تذهب إلى صناديق الانتخاب وتنتخب؟ ألا.. فأللاءات عديدة؛ لكن لا تحمد الله عليها؟! لهذا خذ مني حصتك من العصا حتى لا تعصى. العويل قررت اتخاذه سبيلا للتلذذ منذ وقفت تلك السيارة السوداء، والتقطتني من الرصيف مغمض العينين، مكبل اليدين حين خرجت هذا اليوم إلى الجامعة بعد صلاة الفجر، ودعاء الاستخارة بالنجاح في الامتحان.. عرفت حينها قبل أن أصل إلى دارهم العامرة بالعذابات والآلام والمحن، أني عدت رقما من أرقام ملفاتهم، ومحوت اسمي من بين الأسماء المتداولة في دفاتر الحالة المدنية، أدركت اليوم أني مناضل من الدرجة الممتازة وإلا لم يلق القبض علي، وعرفت أن لي لسانا يسحق الهامات بخطبه النارية، التي كانت تلهب مشاعر جماهير الجامعة، حيث كنت المسؤول عن الطلبة في مجلس الجامعة، أجادل كثيرا حول الحياة ونظمها وقوانينها وأجهزتها، ولا أرتاح حتى تكون أمور الطلبة على ما يرام؛ غير أن الخطبة الأخيرة التي طلبت فيها بحق العمل لجميع الطلبة خريجي الجامعات، وشددت عليه بالمواثيق الربانية والدولية والوطنية، لم يرق لهم؛ وحملوا خطبتي على غير وجه سياقها، واتهموني بالتحريض والدعوة إلى الفتنة، وتعريض أمن البلاد والعباد إلى الخطر، وكأنني عنترة بن شداد عاد يحمل السيف والحيل، فقانونهم واسع يسع كل شيء أرادوه هم، ولا يسع إلا حقوقهم دون حقوقنا!؟ ومن ثم سألني الضابط، وهو شاب وسيم، ذو بنية جسمية قوية، لكن قسمات وجهه لا تريحك بل تخيفك، لقد علموه فن أخذ الاعترافات الصادقة والكاذبة على حد سواء بطرق شتى، حيث أخذ من لساني مأخذ المحاور، وفاجأني بالسؤال: إلى أي اتجاه تنتمي، ما رأيتك اشتراكيا ولا رأسماليا ولا ملتحيا، أجبته بكل ثقة: محايد غير منتمي، لكن بعدما أنجح في الانتخابات أنتمي للذي جعلني لا منتميا. كيف؟
ثم ضربني بلكمة حتى حضر ما بي من الجن، فأوحى لي بأن الضابط جاد لا هازل، وأنك إن لم تقل له شيئا حقيقة أم كذبا لن تخرج من مخفره إلى المحكمة معفى على الأقل! لقد قلت لك انتمائي، انتمائي لبلدي، ولتقدم بلدي، ولرفعة بلدي، ولسمعة بلدي، أنتمي حيث تنتمي أنت؛ لكن أنت شاءت ظروفك فاشتغلت، لكن آلاف مني لم يشتغلوا رغم ما حصلوا من علم ومعرفة وحرفة؟ أليست هذه قسمة غير عادلة؟! أن يشتغل البعض ويتعطل البعض؟ أبهذا ستتقدم البلاد والعباد؟ فكيف تحكمون؟.. نحن غيرتنا على هذا البلد الأمين ليست أقل من غيرتكم عليه، وما تريدونه أنتم له نريده نحن له كذلك، ولكن الأسلوب والطريقة والاتجاه يختلف فقط، لا تقولونا ما لا نقول!.. اسكت أتعطيني درسا في الوطنية، أتظن أنك في ساحة الجامعة أو في بهوها، إنك كلب من كلاب المتربصين بالوطن، فنحن حماته، أم أنتم فمرتزقة خونة، تتربصون به الدوائر، ثم أعاد الضرب ثانية، وأنا أحاول الحفاظ على وجهي سالما بوضع كفي عليه؛ حسنا كبلوا يديه وراء ظهره وأجلسوه على هذا الكرسي، ثم ألهموه سياطا حتى يعترف بانتمائه، هنا أدركت أني معترف لا محالة ولا داعي للمراوغة، فهو ضابط يعرف أداء دوره على الوجه الأكمل، حينئذ أغمي علي حتى أفقت على ماء بارد، دخل سطله رأسي ولفه برائحة كريهة تمنيت على الله احتسابها لي لا لهم يوم لقاء وجهه الكريم، وقلت انتمائي بكل صراحة للذي لا يرضى بالظلم والجور والطغيان على العباد باسم العباد، لا يرضى لأمته الذل من أبنائها قبل غيرهم، ولا يرضى التأخر والتخلف لها، ولا الهوان لها بين الأمم، بل يريدها كبيرة عظيمة عظمة دينها وهويتها، تعلو ولا يعلى عليها. كل أبنائها نحل في خلية نحل عاملون منتجون، بناؤون معمرون للكون والحياة، متضامنون متكافلون، متحدون صامدون في وجه الكوارث والأعداء. هذا انتمائي؛ أفيه خروجا عن قوانينكم؟ أم ضربا لمصالحكم؟ ما بكم لا تفقهون ما قلنا في خطبتنا من تكافؤ فرص، واحتكام للأمة في مناصب أجهزتها المنتخبة، واعتراف بنا بعدما اعترفنا بكم، ولم نشهر سلاحا في وجهكم، بل كلمة حق مع دعاء لكم بالهداية والتوبة!.. هذا انتمائي أيها الضابط المسكين، كم ستتحمل طاقتك من بيعك دنياك من أجل دنياهم؟ لا تظن أنك تخدم وطنا بل سيدا، غدا سيتركك كما ترك غيرك، يطلب العفو من الغفور الرحيم من ذنوب عظام، ثقيلة ثقل الجبال.. كفاك أيها المتمرد من هذه العظة، وكأنك في مسجد تريد لف عقلي بكلمات رقاق تنزل على قلبي شفقة ورحمة بجسمك النحيف؟! كفاك غدرا لهذا الوطن بخطبك النارية، التي أججت جماهير الجامعة وأخرجتها إلى الشارع مطالبة بحق العمل! فأنت أكبر محرض مر من هذا المخفر، فلك مني ضيافة غير عادية، ثم صفعني على وجهي حتى أغمي علي ثالثة، وحلمت ببلاد سكنتها ناطحات سحاب، واخترقتها شبكة طرقات وطنية وسيارة، واستوطنتها المعامل والمقاولات والبنوك والمتاجر الكبرى والصغرى، وخرج أهلها وكأنهم النمل في الطرقات يطلبون القوت في تعاون شامل، وتكافل وتضامن جامع، ورأيت فيها سياحا قادمين من كل الجهات، معجبين بهذه البلاد الفريدة التي يحكمها القانون ولا غير القانون، كل خاضع له، مطبق له، ممتثل له. كل له مكانه في هذه البلاد، نشط مرح يحلو له العيش فيها دون مخابرات وقواد، يحميها من قلبه وبعقله.. عاود صب الماء البارد علي دون جدوى؛ فمازلت هذه المرة غارقا في حلمي الذي لم ينته بعد، لكن استيقظت على وغز إبرة أعادت حقنتها وعيي من جديد في المستشفى، حيث يحرسني شرطي هذه المرة بلباسه الرسمي، مع مسدس وهراوة اعتدت على ضرباتها الموجعة، وعلى دمغتها الرسمية على جسدي، هذا سجين رأي، بل هذا خائن للبلاد والعباد، صحح أيها السجين!؟.. اترك أنفاسه هذا اليوم تعود لجثته الذابلة، استعدادا للدورة الثانية من الاستجواب، واحرسه حتى في المرحاض وإياك أن يهرب؟ لا تخف أيها الضابط، فمثلي لا يهرب، بل يموت واقفا لتحيى أنت؛ فلن أهرب منك إلا إليك، مهما ارتكبت من جرائم في حقي. فإني أنتمي لعقيدة، الميت فيها على الحق شهيد حي عند ربه يرزق! فكيف أهرب؟ وإن أردت الهروب لسكت مثلك على هذا الوضع المثقوب في هذا البلد الأمين؟.. ولما رفعت الصوت بالتغيير، وإنما لدخلت في القطيع، أتفهم أيها الضابط المسكين؟.. إذا إلى غد، فأجده على المروحة يطوف العالم بكل برودة؛ سوف تعلم كيف تعترف بمن هم معك في الخلية، أولئك الذين وراء الستار، من يحركونك كالكراكيز في المسرح. قف سأقول لك من يحركني، هو من بعث رسولا إلى الأمة، وصنع أجيالا عظاما لا شبه عظماء، يحركني من جاءني قارئا وعاملا ومجاهدا، من قال لي الدنيا جناح بعوضة لا تساوي شيئا، وقيمتها في قيمة أعمال الخير والتعمير التي أنجزها للناس، وفي ما أعطيه لا آخذه منها. يحركني من حرك جنوب لبنان فنصره نصرا عزيزا، من حرك شعوبا فتحررت، وحرك طبقات فانتصرت.. فلا تتعب نفسك فأمري ظاهر، وصفتي صفة من قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله ثم استقام على العروة الوثقى. إذن أنت إرهابي قاتل، وما الإرهابي إن سلب حقه، واضطهد في بلاده؟! نعم الصفة تلك حين أدافع عن حقي، وعن وجودي، نعم النعت حين أدافع عن نفسي حين يستباح عرضي، نعم الوجود حين أجد نفسي في ديني..! ألا تعلم أني لا أظلم وإنما أرد الظلم عن نفسي، فأنا في موطن الدفاع لا الهجوم؟ حين قلت في الخطبة الظلم ظلمات لم ترق لجهاتك الخارجية، فحرضوك علي واستقووا بك علي، لكن لو كانوا هم مكانك لكان لي فعل آخر لا قول، ولكن هداك الله وغفر لك، ارجع عن غيك وجبروتك، فأنت لا تساوي جناح بعوضة في ملكوت ا

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

  1. التهامي الشامي
    08/07/2006 at 08:28

    … مازال الحرف البراق متوهجا, لمتضع حدته في هدا الوقت الحرج المركون في عتمة التميع,مازال يحمل أوصافا وكنايات تدهشنا مع اطلالة كل يوم جديد,مازال الحرف الملتهب متأججا يترك أخاديد على الأجساد و الأرواح . لأنه لايخادع ولايداهن, وغير مهندم و لامنمق.مازال يسكن وجوه المتعبين, ليشد عضدهم وليخلصهم من سطوة الأنصال , وليزيح كفن الحروف المحنطة في قصائد الهرولة والانبطاح ,وليثور على الموروث الباطل (تبت جحافله وتب)مزيدا من التوهج في هدا الزمن الأعتم

  2. عبد العزيز قريش
    08/07/2006 at 16:28

    ما أروعك أخي العزيز التهامي الشامي، أحييت الوجود من جديد بالوجود بعدما ظننته راح من الوجود. دمت حيا معافى بسر كلماتك هذه التي تنضاف إلى سرب الكلمات، فتحفر أخدود الانبعاث من رقاد ورفات. شكرا ما أعظمك والله.

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *