Home»International»من قال هلك الناس فهو أَهْلَكُهُمْ

من قال هلك الناس فهو أَهْلَكُهُمْ

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

من قال هلك الناس فهو أَهْلَكُهُمْ

سوف لن أكون بدْعا من الناس إذا قلت بأن دور وسائل التواصل الاجتماعي يتأرجح بين البِناء والهدم، بالقدر الذي يكون مستعملوها على بينة من الأهداف المتوخاة منها، فهي كالسِّكّين يمكن أن تستعمل لأغراض نافعة كما يمكن أن تستعمل للقتل. ومما لا شك فيه أن للمرسِل الأصلي لرسالة ما، هدفا يتغياه من خلالها، سواء أكانت الرسالة نصا مكتوبا أو شريطا أو صورة أو شيئا آخر، مما تعج به هذه الوسائل. ومن المعلوم أن عددا من المستهلكين يتعاملون معها حسب موافقة أو مخالفة أهدافها لقناعاتهم، ليكون ذلك عامِلَ حسمٍ في تعميمها أو جعلها تقف عندهم ويَحْذَرون ويُحذِّرون من تعميمها. ومما لا شك فيه أيضا أن مجموعة من هذه الرسائل تكون ملغومة ولا يَكتشِف ألغامها إلا القلة الذين يقرؤون ما بين السطور، ولا يَقْدِمون على تمرير مضامينها إلا إذا توافقت مع مرجعيتهم ومعتقداتهم وقناعاتهم، وتبقى فئة تُعمِّم كل ما تتوصل به غضا كان أم سمينا دون أخذ أي احتياط، علما أن عددا من الرسائل التي يمررونها لا تُركِّز إلا على السلبيات التي تَضرب في العمق المعتقدات الدينية وكل العناصر الإيجابية للثقافة الوطنية. وفي هذا الصدد تَوصَّلتُ مؤخرا بفيديو من أحد الأصدقاء لِمُقدم برنامج « بكل جرأة » تحت عنوان « سافر دون تردد » ضِمن فقرة « استوقفتني كثيرا » (انظر الرابط في آخر المقال)، حيث يقول في بداية الفيديو « سافر وسترى شعوبا غَيْرَنا، وسترى معْنى الإنسانية والحياة، سافر وسترى أننا لسنا أحسن شعوب العالم ولا أعرقهم… » إلى أن يقول « ستعلم أننا لسنا خير أمة أخرجت للناس، نحن فقط عبء على البشرية، على الحضارة الإنسانية وحتى على أنفسنا، ستتأكد أن لا وقت ولا طاقة ولا رغبة للغرب في التآمر علينا » ثم يواصل بتعداد حسنات المجتمعات الغربية التي يتمثلها الكل، بمن فيهم سائق التاكسي والشرطي وعامل المطار وموظفة ختم الجوازات ورجال المطافئ…

إن ما استوقفني بالأخص في هذا الفيديو هو قوله  » ستعلم أننا لسنا خير أمة أخرجت للناس » لِأَتساءل عن قصده باستعمال نون الجماعة، فعلى الرغم من أن ظاهر كلامه يوحي بأنه يقصد المسلمين، إلا أنني متأكد بأنه لو قال نحن العرب، أو نحن العلمانيون أو أي شيء آخر غير المسلمين لكان كلامه أقرب إلى الحقيقة، اللهم إذا كان يعني أولائك الذين خاطبهم الله في الآية 14 من سورة الحجرات حيث قال جل جلاله:  » قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ » ذلك لأن الإسلام قول، والإيمان قول وعمل كما يشير إلى ذلك عدد من المفسرين، وهو ما يتبين من الآية 110 من سورة آل عمران التي لمَّح إليها، حيث قال جل جلاله: « كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ » والسياق الذي وردت فيه هذه الآية يؤكد مرة أخرى أن الأمر يتعلق بالذين  آمنوا حيث يقول عزمن قائل في الآية 102  » يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، ليتم بعد ذلك تحديد المطلوب منهم في الآية 104 حيث يقول الله جل جلاله: « وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » والمتدبر في هذه الآيات الكريمات، يعلم أن الدخول ضمن الفئة المستهدفة من الخطاب الوارد في الآية 110 مشروط بالإيمان بالله وبالعمل المرتبط بالدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالإضافة إلى مجموعة من الصفات المبثوثة في آي القرآن الكريم، كتلك الواردة في أوائل سورة المؤمنون.

من الواضح جدا أن صاحب الفيديو وأمثاله لا ينتمون إلى خير أمة أخرجت للناس حتى مع استعمالهم لنون الجماعة، وهم يعلمون ذلك جيدا، إنما هدفهم تصوير المسلمين على أنهم على الشكل الذي وصفهم به، وما إدخال نفسه ضمنهم باستعمال نون الجماعة إلا لإضفاء المصداقية على كلامه، ومن ثم تتبين خطورة هذا النوع من الخطاب، الذي يعمل على إدراج فئة من الناس ضمن مجال معين دون أن تتوفر فيهم الشروط التي يتطلبها، ليفسح المجال أمام المغالطة التي تساوي بين ممارسات هذه الفئة، وبين المبادئ التي تُؤطر المجال، ليخلُص بأن هذه المبادئ غير صالحة ما دامت غير متوفرة في المنتمين للمجال. وهو ما ينطبق على صاحبنا الذي يريد أن يبطل قول الله عز وجل، لأنه هو و »المسلمين » الذين أراد أن يدرج نفسه ضمنهم باستعمال نون الجماعة لا تتوفر فيهم شروط من وصفهم الله بخير أمة أخرجت للناس.

وعلى الرغم من وضوح الهدف المتوخى من الفيديو، يبقى السؤال مطروحا حول البلدان التي ينصحنا بالسفر إليها لنرى معنى الإنسانية والحياة التي اختزلها في إنقاذ فرقة المطافئ لِقِطَّة عالقة في أحد الطوابق العالية، وفي الشرطي الذي أوقف مسير السيارات لتعبر وَزَّةٌ مع صغارها… أهي الولايات المتحدة؟ التي يُقتل فيها الأبرياء كل يوم لأتفه الأسباب، وما قتْل الشرطي لجورج فلويد خنقا، ولا مجزرة تكساس التي ذهب ضحيتها 19 تلميذا وجُرح عدد كبير منهم، إلا غيض من فيض كما يقال، ثم أليست الولايات المتحدة هي من دمرت العراق وأفغانستان، أليست هي صاحبة سجن أبو غريب، وسجن غوانتنامو أليس…أهي بريطانيا؟ وهي التي وطَّنت إسرائيل في فلسطين، وشاركت في كل الحروب التي شُنت على أفغانستان وعلى العراق وعلى ليبيا، أهي فرنسا؟ التي استعمرت جل الدول الإفريقية وقتلت أهلها ونهبت خيراتها ولا زالت، وقتلت القذافي وقتلت الأبرياء في مالي وكانت وراء الإبادة الجماعية بإشعال الحرب الأهلية في رواندا ….

هل لا زلنا مع كل هذا في حاجة إلى السفر لهذه البلدان لنسعد بضحكة صفراء يتم تدريسها ضمن ما يسمى الماركوتينغ، ونتبادل الأقداح مع غرباء في مطعم أو مقهى، أو نتبادل الابتسامات مع امرأة حسناء في الشارع، في الوقت الذي لا ُيقبل من امرأة مسلمة أن تضع قطعة قماش على رأسها، لا يا من « تستوقفه كثيرا » هذه الأمور التي لا تُعبِّر عن حقيقة من تريد أن نرى فيهم معنى الإنسانية والحياة، سنبقى على علاتنا أنظف وأنقى وأكثر تحضرا من هؤلاء الذين تريد أن تصورهم لنا كملائكة يتعين الاقتداء بهم، وأنت تعلم أنهم لا يردوننا إلا عبيدا لهم. لنا حضارة وتاريخ أحببت أم كرهت، وحضارة العراق التي نهبها الذين يعرفون معنى « الإنسانية والحياة » دليل على ما أقول، وأنت عراقي يا حسرتاه. لنا حضارة ولا تزال وستبقى حتى في البلاد التي تعتبرها أنت وأمثالك أكثر تخلفا، وما إعلان صوفي بترونين إسلامها وتغيير اسمها إلى « مريم » بعد أن احتجزت لأكثر من 3 سنوات و9 أشهر في دولة مالي، وإقرارها بأن المعاملة التي لقيتها كانت من المستوى الراقي على الرغم من ضعف الإمكانات المادية، إلا دليل على سمو هذه الحضارة الذي لولاه لما تشبث بالعودة إلى مالي وإزعاج الرئيس ماكرون الذي انسحب بعد وصولها إلى المطار عندما تحقق من اعتناقها للإسلام.

في الأخير أقول لصاحب فقرة « استوقفتني كثيرا « أن قول الله حق مطلق، وأن الذين خاطبهم الله بقوله »كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ » لا زالوا موجودين مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم « لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك »، ولكنك لست منهم. وكل ما أتمناه منك ومن المنبهرين بصوتك الرنان دون الانتباه إلى السم المبثوث في رسائلك، أن تتوقفوا عن نشر هذا النوع من المغالطات التي تتوخى هلاك الأمة، الذي لو حصل لا قدر الله ستكونون أول الهالكين، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم « إذا قال الرَّجُل: هَلَكَ الناس، فهو أَهْلَكُهُم » وآنذاك لن ينفعكم انتماؤكم إلى الإسلام حتى لو كان على سبيل الحقيقة لا المجاز.

فيما يلي رابط الفيديو: https://www.youtube.com/watch?v=TIwlK_ltrpk

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *