هل سيُحوِّل النظام الجزائري ساكنة تندوف إلى مجموعات من « الغجر » و »البدون » الصحراويين؟
عبدالقادر كتــرة
« يرى باحثون أن الغجر مجموعة عسكرية متنوعة تجمّعت خلال القرون الماضية في منطقة البنجاب شمال الهند لقتال المسلمين، ومع مرور الوقت جنحت هذه المجموعة إلى الشمال الغربي من إيران، وأرمينيا، ومن ثم انتقلت إلى شبه جزيرة البلقان، حيث دخلت الكلمات الرومانية والصربية إلى لغتهم.
وفي النهاية تفرّقت هذه المجموعة إلى مجموعات صغيرة وانتشرت في أوروبا وشمال أفريقيا، حيث تأسست مجموعات فرعية في بريطانيا، وألمانيا، ورومانيا، وأوروبا الشرقية، وكذلك المجر، والاتحاد السوفييتي سابقًا. واليوم ينتشر الغجر في جميع أنحاء العالم.
لا يفضِّل الغجر تعليم أولادهم اللغة الأجنبية، أو أسلوب الحياة غير الغجري، أو حتى الاتصال مع غير الغجريين. فهم لا يسمحون إلا للغجريين برعاية الأطفال، ويذهب أطفالهم للمدارس حتى سن 10 أو 11 عامًا، وباقي التعليم يحصلون عليه من المنزل والمجتمع. »
انقسم الغجر في دياناتهم، حيث أصبح جزء منهم مسلمين كما في البوسنة والهرسك، بينما جزء آخر تبعوا مذهب الأرثوذكس في صربيا والجبل الأسود، أما غجر أوروبا الغربية فتحولوا إلى الرومانية الكاثوليكية.
من جهة أخرى، هناك شريحة من السكان يطلق عليها في دول الخليج « البدون » وهم أحد الشّرائح من السُّكان الذين يتواجدون على أراضي بعض دول الخليج، ويتم تعريفهم أيضًا باسم القبائل النّازحة، وهم مجموعة من الأشخاص الذين يتجمّعون ضمن قبيلة للعيش في البَوادي في أراضي الخليج، ولا يحملون جنسيّة ولا حتّى أيّ من الجنسيات الأخرى على الغَالب، وهم من البدون وتتلخّص حياتهم في العيش في البوادي والتّرحال والرّعي ويتوزّعون على مناطق محدّدة في دول الخليج.
مناسبة هذا التقديم هو الحديث عن مستقبل ساكنة « جمهورية تندوف » التي خلقها النظام العسكري الجزائري للمقبور « بوخروبة » الملقب بهواري بومدين ديكتاتور الجزائر، منذ أكثر من 50 سنة، بتواطؤ مع الحكومة الاسبانية الفرنكاوية الديكتاتورية والمقبور العقيد معمر القذافي وبعض بلدان المعسكر الشيوعي والاشتراكي، بهدف إضعاف المغرب وتفتيته وعرقلة تطوره بل حتى محاولة قلب نظامه، خدمة لمعسكر الاتحاد السوفياتي الشيوعي السابق المُّدمَّر والمُشتَّت.
بعد اعتراف دول العالم ومختلف منظمات ومؤسسات الأمم المتحدة وإفريقيا والجامعة العربية ودول الخليج والاتحاد الأوروبي والدول العظمى على رأسها الولايات المتحدة والدول المستعمِرة فرنسا وإسبانيا وألمانيا أقوى دولة في أوروبا بمغربية الصحراء وسيادته عليها وشرعية استرجاعها وانخراط سكانها في مغربهم وفي تنمية أقاليهم، لا بدّ لهؤلاء الصحراويين المغرَّر بهم وهم قِلَّة قليلة أن يتساءلوا « هل لا زالوا يثقون في نظام عسكري استبدادي ديكتاتوري، يستغلهم ويوظفهم في مصالحه القذرة والخسيسة؟ وماذا سيكون مآلهم بعد أن طُوِيَ ملف قضية الصحراء المغربية بصفة نهائية، (مع التذكير أن معظم الصحراويين ويفوق عددهم 8000 صحراوي)، إن هم اختاروا البقاء في مخيمات الذل والعار بتندوف تحت سلطة جنرالات ثكنة بن عكنون وخُدَّامه « ابن بطوش » وعصابته؟، هل فكروا أن مصيرهم سيكون التيه والتشرُّد في صحراء الساحل الأفريقي لا حدود لها موبوءة بالأشعة النووية، بدون هوية ولا جنسية؟…
بلا شكّ أن وضعيتهم، إن هم أصروا على البقاء في مخيمات تندوف، لن تختلف عن وضعية هؤلاء « الغجر » في أوروبا أو « البدون » في الخليج، ولن يقبل أي بلد باحتضانهم لأن لا هوية لهم ولا جنسية وهم مجهولو النسب والانتساب (عدا الصحراويين المنحدرين من الصحراء المغربية إن ثبت نسبهم لدى أبناء عمومتهم الذين سيكون بإمكانهم العودة إلى ديارهم في الوقت المناسب)، كما لن يرضى عنهم النظام العسكري الجزائري وسيجولهم إلى « غجر » أو « بدون » صحراويين تائهين في محيط من الرمال، وسيوظفهم حطبا في جبهات القتال لدى الجماعات الإرهابية التي تنمو مثل الفطر في الساحل تحت رعاية الحكام الجزائريين…
انطلاقا من مجموعة من المعطيات، فكل التقارير الدولية « ومنها تقرير المركز الأوروبي للدراسات الإستراتيجية والأمنية » توحي بأن المواجهة القادمة مع البوليساريو، ستكون مواجهة للإرهاب، بالدرجة الأولى بعدما تحولت مخيماتها إلى مكان لتجنيد المحتجزين الصحراويين ومرتزقة أفارقة من مختلف البلدان المجاورة من طرف البوليساريو، وتحويلهم إلى مهربي مخدرات و متشددين إسلاميين وارهابيين…
وحسب نفس التقارير الدولية المهتمة بشؤون الإرهاب الدولي، فان جبهة البوليساريو، ليست حركة تحرر وطني، كما يروج الإعلام المأجور الجزائري، وإنما هي عبارة عصابة من المرتزقة، تحقيق الاستمرارية لتنفيذ مخططات « عصابة السوء » بأي ثمن كان… وانطلاقا من هذه المعطيات، يرى مراقبون، أنه بإمكان عصابة « البوليساريو » تحويل الإمكانيات التي توفرها لها « مخابرات الكابرانات » في اتجاه العمليات الإرهابية، ليس فقط على مستوى المنطقة المغاربية والإفريقية فحسب، ولكن سيمتد خطر هؤلاء الارهابيين المرتزقة إلى الدول الاوروبية…
لقد سبق أن أكد حمادة البيهي، وهو مواطن مغربي تم احتجازه طوال 40 سنة داخل مخيمات العار بتندوف قبل عودته إلى الوطن الأم، أن أقل من 20 في المائة من سكان هذه المخيمات، الواقعة جنوب الجزائر، هم من أصل صحراوي.
وأوضح في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن « أقل من 20 في المائة من سكان مخيمات تندوف هم من العيون، السمارة أو بوجدور. أما البقية فهم من الطوارق ومواطني الدول المجاورة مثل موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد ».
وأشار البيهي، الذي يرأس الرابطة الصحراوية للديمقراطية وحقوق الإنسان التي تتخذ من العيون مقرا لها، إلى أن (البوليساريو) ضخم، منذ بداية النزاع، عدد سكان هذه المخيمات قصد إدامة هذا النزاع والحصول على مزيد من المساعدة من الدول المانحة والمنظمات الدولية.
وأضاف أنه لهذا السبب ترفض (البوليساريو) وحاضنتها الجزائر، إحصاء سكان هذه المخيمات رغم النداءات الملحة من عدة منظمات دولية، مسجلا أن الرجال والنساء والأطفال المحتجزين قسرا في هذه المخيمات يتم استغلالهم من قبل عصابة الانفصاليين التي حولتهم إلى “أصل تجاري” حقيقي.
وتابع هذا المواطن المغربي من أصل صحراوي، العائد إلى المملكة سنة 2014 بعد أربعة عقود من الجحيم في تندوف، أنه إزاء المشروع « الجاد وذي مصداقية » المتمثل في مبادرة للحكم الذاتي، يعمل قادة (البوليساريو)، بأوامر من الجنرالات الجزائريين، على « بيع الوهم والأكاذيب » لسكان لحمادة قصد إدامة النزاع وتحقيق أقصى استفادة منه.
وسجل أن هذين الطرفين لا يرغبان إطلاقا في حل قضية الصحراء لأنه ليس لديهما أية مصلحة في ذلك، على عكس المغرب الذي أعرب عن طموح جاد لطي هذا النزاع بشكل نهائي.
وأكد البيهي، الذي أرسلته (البوليساريو) لمتابعة الدراسة في كل من كوبا وفنزويلا وليبيا، أن الصحراء المغربية تغيرت ملامحها « بشكل جذري » في العقود الأخيرة وشهدت “قفزة نوعية” و”دينامية غير مسبوقة” في رأي حتى كافة الوفود الأجنبية التي تزورها، مشيرا إلى أن الصحراء في السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي « لا علاقة لها بالصحراء اليوم”.
وفي هذا الصدد، أبرز المشاريع “الضخمة” التي أطلقها المغرب في الأقاليم الجنوبية تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، مستشهدا بمشروع الطريق السريع بين أكادير والداخلة، والمشروع “العملاق” لميناء الداخلة الأطلسي، ومطاري العيون والداخلة، ومحطات تحلية مياه البحر، والمركبات الرياضية، والمستشفيات، وكلية الطب بالعيون، وغيرها من المشاريع.
وأضاف أن تدبير الأزمة الصحية المرتبطة بجائحة فيروس كورونا المستجد أثبت أن المغرب بلد “قوي” يصدر ملايين الكمامات إلى بلدان أوروبية، ودولة مستقرة نجحت في التخفيف من وطأة هذه الأزمة.
من جهة أخرى، ندد رئيس الرابطة الصحراوية للديمقراطية وحقوق الإنسان بمناخ الإرهاب الذي يفرضه « الحرس القديم » لـ(البوليساريو) في مخيمات تندوف، من خلال حرمان المحتجزين من حقوقهم في التعبير والتنقل واختيار حكامهم بكل حرية.
وأضاف « قضيت 40 سنة بتندوف ولم أتمتع قط بالحق في التصويت أو الترشح في أية انتخابات”، منددا بموجة حالات الاختفاء القسري والاعتقالات التعسفية التي استهدفت معارضين وناشطين في مجال حقوق الإنسان بالمخيمات، وآخرها إدانة شيخ سبعيني بريء بخمس سنوات سجنا نافذا دون أي أساس قانوني ودون أخذ سنه في الاعتبار.
وتابع أنه فور توقيفهم، يقع هؤلاء الأشخاص ضحايا لمحاكمات جائرة أمام محاكم عسكرية في انتهاك صارخ للقانون والاتفاقيات الدولية، منددا بصمت المنظمات الدولية إزاء مناخ الخوف والقمع الذي يفرضه الانفصاليون.
ودعا البيهي، الذي أدلى بشهادته في عدة مناسبات أمام اللجنة الرابعة للأمم المتحدة ضد انتهاكات حقوق الإنسان بتندوف، الدولة الجزائرية إلى تحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية لحماية المحتجزين، بالنظر إلى أن محاكماتهم العسكرية وانتهاكاتهم الجسيمة لحقوق الإنسان تحدث على أراضيها، وإلى الانخراط في البحث عن حل لهذا النزاع على أساس الحكم الذاتي المقترح من قبل المغرب كمشروع « بلا غالب أو مغلوب « .
كما دعا المواطنين المغاربة المحتجزين قسرا بتندوف إلى « التمرد » على القيادة « الفاسدة » لـ(البوليساريو) والعودة إلى الوطن الأم، ووسائل الإعلام المغربية إلى مواجهة حملة دعاية (البوليساريو) التي تديرها وتمولها أجهزة المخابرات الجزائرية ».
Aucun commentaire