Home»International»ماذا تقول الذاكرة للذكرى؟ ذكرى مجزرو صبرة وشاتيلا

ماذا تقول الذاكرة للذكرى؟ ذكرى مجزرو صبرة وشاتيلا

0
Shares
PinterestGoogle+

منذ ستة وعشرين عاما، ارتكب الجيش الاسرائيلي بالاشتراك مع عملائه اللبنانيين مجزرة صبرا وشاتيلا. تسلل السفاحون حاملين رعب الموت، الى المخيمين الصغيرين. وخلال ثلاثة ايام من شهر ايلول- سبتمبر1982، ارتكبت واحدة من ابشع المذابح في التاريخ. يومها، وامام الجثث المنتفخة والمبقورة اقسمنا اننا لن ننسى. مزيج من مشاعر الأسى والحقد اجتاحت صدورنا. اختنقنا بموتنا المعلن، وفهمنا ان هذه الحرب التي شُنت على فلسطين لن تنتهي.
بعد عام على المجزرة، صار للشهداء قبرهم الجماعي، قلنا اننا سنبني نصبا لذاكرة الألم امام المقبرة. لكن بدلا من النصب، بدأت حرب المخيمات الاجرامية، دمر مخيم صبرا بأسره، وتقلص حجم مخيم شاتيلا. صارت المقبرة خارج المخيم، بحيث اضطر الفدائيون المدافعون عن المخيم الى تحويل الجامع الى مقبرة. في الجامع- المقبرة دفن عشرات الشهداء، ومن بينهم قائد المخيم، الشهيد علي ابو طوق.
نسينا نصب الذاكرة، لأن رحلة سكان شاتيلا مع الموت لم تنته. وحين توقفت الحرب الأهلية اللبنانية، بدأ حصار جديد للمخيمات الفلسطينية، الى درجة ان فلسطينيي لبنان كانوا ممنوعين من ادخال حجارة الباطون الى مخيماتهم، من اجل بناء قبور لموتاهم!
صارت المقبرة الجماعية خارج المخيم، وصار الشارع الذي اطلق عليه سكان شاتيلا اسم شارع المجزرة، شارعا ‘تجاريا’، تتكدس فيه البضائع الرخيصة، ويعلو فيه اصوات الباعة اللبنانيين والسوريين، ويكتظ بزمامير السيارات، اما المقبرة فقد تحولت مكباً للنفايات.
بدل الذاكرة جاءت المزبلة. وبدل تكريم الضحايا تمت اهانة ذكراهم. فالموت الفلسطيني لا ينتهي بالموت، لأنه يلاحق الأموات بعد موتهم. وعندما اقمنا في مسرح بيروت الذكرى الخمسين للنكبة، بدأنا بالنضال من اجل استعادة المقبرة. تم تنظيف المقبرة بجرافة، وبني سور من حولها. لكننا لم نستطع ان نبني نصبا لذاكرة الألم. وعام 1999، عندما جاء محمود درويش الى بيروت، من اجل احياء امسيته الشعرية الأولى في المدينة، بعد الخروج الفلسطيني عام 1982، ذهبنا كالمتسللين، مارسيل خليفة وسمير قصير وليلى شهيد وانا، مع شاعر فلسطين الكبير، وقفزنا من فوق السور، كي يضع الشاعر باقة من الورد الأبيض على ضريح لم يبن بعد، وهو في طريقه الى مطار بيروت.
قلنا بعد مجزرة شاتيلا وصبرا عام 1982، ان فلسطين في حاجة الى متحف للذاكرة المأسوية التي بدأت بالنكبة. لكن الذاكرة ترفض ان تدخل في مدونة الماضي، او لا يسمح لها بذلك، لأن جيش الاحتلال الاسرائيلي حوّل النكبة جزءا من الحياة اليومية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
عندما اندلعت الانتفاضة الثانية، انتفاضة الأقصى، عام 2000 قال سفاّح صبرا وشاتيلا ارييل شارون، في حديث الى صحيفة هآرتس الاسرائيلية، ان اسرائيل، في مواجهتها الراهنة مع الفلسطينيين، تتابع ‘حرب الاستقلال’. يومها ضحكنا مما اعتقدناه سذاجة وعقلية ماضوية. لكننا اكتشفنا مع جريمة محيم جنين، ان الفاشية تستطيع ان تجعل من الحاضر صدى للماضي وتكرارا له، وان جنرال اسرائيل العجوز اراد في سحقه العسكري للانتفاضة متابعة حرب النكبة الفلسطينية.
النكبة ليست ماضيا يجب تذكره، بل حاضر يعيشه الفلسطينيون، ومستقبل يرون نذره في كل يوم. من الجدار الى الحواجز او المحاسيم، الى الاستيطان، الى تعثر مفاوضات السلام وسقوطها في ما يشبه الدائرة المفرغة.
عام 1998، عندما اقمنا ذكرى النكبة قررنا ان نبدأ بمسيرة شموع الى المقبرة الجماعية في شاتيلا. واخترنا تاريخ 9 نيسان- ابريل، اي يوم ذكرى مذبحة دير ياسين التي جرت في ذلك اليوم من عام 1948. يومها وضعنا الورد على ارض المقبرة وغنينا مع مارسيل خليفة للموتى كي يعودوا. رأينا في مجزرة شاتيلا وصبرا تكرارا لمجزرة دير ياسين، مثلما سوف نرى في جنين تكرارا لشاتيلا. صار للابناء والاحفاد ذاكرة الآباء والاجداد. كأن لا مسافة بين الماضي والحاضر، بحيث اصبح الانسان الفلسطيني هو نصب ذاكرته التي تتكرر.
لا ادري على ماذا يراهن الاسرائيليون من اجل دفع الفلسطينيين الى النسيان. اعتقدنا في الماضي انهم يراهنون على الزمن، فالزمن يطوي الألم، ويمحو الذكريات، لكننا كنا على خطأ. فالذي يراهن على الزمن لا يكرره جاعلا منه حاضرا يوميا. اعتقد ان رهانهم الوحيد هو على قوة قلعتهم المسيجة بالحراب. هذا ما اراده مؤسس التيار التصحيحي جابوتنسكي منذ البداية. وهذا ما توصل اليه كبير المؤرخين الاسرائيليين الجدد بني موريس متأخرا، حين دعا الى وضع الفلسطينيين في اقفاص، مضيفا الى كشفه التاريخي عن الطرد عام 1948 نقدا لبن غوريون الذي كان عليه ان يكمل ما بدأه في النكبة، ويطرد جميع سكان الضفة الغربية وغزة.
الرهان الاسرائيلي لن يقود الا الى الكوارث والحروب، والى الاستمرار في مسلسل الدم. وهذا يعني انه لا يحق للفلسطينيين ان ينسوا حاضرهم. نسيان الحاضر والدخول في اتون الحرب الأهلية الفلسطينية هو النكبة الكبرى، التي يجرؤ على ارتكابها اليوم قادة الصف الثاني والثالث الذين ادخلوا فلسطين في دوامة صراع على السلطة، يهدد باضاعة ما تبقى من المعنى. الطرفان، اي السلطة وحماس يتحملان مسؤولية ما يجري. لأن الحرب الأهلية في ظل الاحتلال ليست اعتداء على الذاكرة فقط، بل هي تدمير للحاضر.
ماذا سنقول لضحايا شاتيلا وصبرا لو سألوا المحتفلين بذكراهم اليوم؟ هل نقول اننا نسينا الحاضر، ام نقول ان هذا الحاضر يهدد بتحويل بلادنا الى مقبرة جماعية شاسعة؟

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *