Home»International»النقابة التقليدية : هل هي بداية الأندحار ؟

النقابة التقليدية : هل هي بداية الأندحار ؟

0
Shares
PinterestGoogle+

النقابة التقليدية، هل هي بداية الاندحار؟
من بين التحولات التي عرفها المشهد السياسي والنقابي في السنوات الأخيرة ببلادنا، بروز نقابات جديدة، مستقلة عن الأحزاب السياسية، وعن مجال تأثيرها، و المواجهة العنيفة التي قوبلت بها هذه النقابات الفتية بشكل مباشر عبر صدور بيانات تشكك في مصداقيتها، أو بشكل غير مباشر داخل الكواليس، بتحريض المسؤولين الحكوميين، على عدم الاعتراف بها والتحاور معها مباشرة. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح على المتتبعين للشأن النقابي والسياسي: الأسباب الكامنة وراء بروز هذه النقابات للوجود، هل هي بداية عهد جديد، ومرحلة في سيرورة تطور العمل النقابي، وحركة تسير في اتجاه تصحيح الأخطاء التي تراكمت عبر عدة عقود، تستهدف إيجاد بديل نقابي، ونضالي يختلف شكلا ومضمونا، عن التوجهات التقليدية للعمل النقابي، وعملية دينامية، تسير نحو تفتيت العمل النقابي، وتفكيك بنيتة التقليدية، لتعيد تشكيلها من جديد، وفق قواعد صلبة، إسمنتها الديمقراطية الداخلية، والمشاركة الواسعة في صناعة القرار؛ أم هي ظاهرة عابرة لن يكتب لها البقاء، وستتوقف حين زوال أسباب ظهورها، وتدارك النقابات التقليدية لأخطائها.
الجواب عن هذا السؤال صعب، نظرا لصعوبة الفصل بين الذاتي والموضوعي في مقاربته، ولكن هذا لايمنع من المحاولة، وطرح أفكار، وتحاليل، قد تكون صائبة، وقد تكون غير ذلك. وعلى أي حال، فإن الموضوع يستحق بذل جهد فكري، في محاولة فهمه واستيعابه. وأرى، أن التحليل يقتضي إطلالة على أهم المراحل، والمحطات التاريخية، التي قطعها العمل النقابي بالمغرب.
لقد تميز العمل النقابي خلال مرحلة الاستعمار، بعدم الفصل بين المطالب النقابية، ومطلب الاستقلال، و كانت النقابة تمارس الضغط، وتقود الطبقة العاملة، وتوجه نضالاتها من أجل هدف واحد، هو الاستقلال. و كان مفروضا على العمل النقابي، أن يمزج في مطالبه ونضالاته، بين العمل النقابي، والعمل السياسي، ولايفرق بينهما، تماشيا مع طبيعة المرحلة، التي كانت تتطلب تغليب السياسي، على النقابي.
وبعد الاستقلال، أي خلال الستينات و السبعينات، لم تحدث تغييرات كبيرة، وبقي العمل النقابي مرتبطا أشد الارتباط بالعمل السياسي، رافعا شعار "جدلية النقابي والسياسي"، وقد استخدمت النقابة، وسيلة للنضال السياسي لمختلف الأحزاب، والحركات الراديكالية، واتخذت وسيلة لممارسة الضغط في إطار الصراع الذي كان قائما آنذاك بين الحكم والمعارضة.
وبعد الركود الذي أصاب العمل النقابي، خلال الثمانينات، نتيجة القمع، والهجمة الشرسة التي تعرض لها العمل النقابي، من قبل الحكم أواخر السبعينات، وبداية الثمانينات، تمثلت في الاضطرابات الاجتماعية، والاعتقالات، والطرد من الوظيفة العمومية، أثرت بشكل سلبي على النشاط النقابي وفرضت على المناضلين النقابيين الحد من حركتهم، وتجميدها مؤقتا، قصد استرجاع الأنفاس، ولملمة الجروح، ولم الصفوف.
ومع بداية التسعينات وبالضبط يوم 14 دجنبر 1990، ونتيجة للاحتقان السياسي والتدهور في الأوضاع الاجتماعية، تم الإعلان عن إضراب وطني شامل شل جميع القطاعات، وقد أتاح للفئات المهمشة والفقيرة الفرصة للاحتجاج على الأوضاع المعيشة، الشيء الذي أدى إلى أحداث عنف دامية في بعض المناطق المغربية. لقد كان الإضراب العام إضرابا سياسيا جسد قمة الصراع واستعراض القوة بين النظام والمعارضة، و اتخذ وسيلة الضغط الوازنة على نظام الحكم قصد التنازل وإحداث الإصلاحات المنشودة؛ وفعلا، فبفضل قوة الإضراب وكذا الضغوط الخارجية، التي مورست على نظام الحكم في تلك الفترة، حدث انفراج سياسي، وفتح المجال لحرية التعبير، وإطلاق الحريات العامة، وبدأ الحديث عن التداول الديمقراطي للحكم، وعن الانتخابات النزيهة والشفافة، وقد توجت هذه المرحلة بالمصادقة على دستور 1996، الذي به طويت صفحة الصراع بين المعارضة ونظام الحكم.
ورغم بعض المكتسبات، التي حققها العمل النقابي للطبقة العاملة خلال هذه الفترة، إلا أنها لم تكن في مستوى الانتظارات، و النضالات، والتضحيات المبذولة، وهذا كان نتيجة طبيعية لكون المطالب العمالية، لم تكن ذات أولوية في أجندة النقابات، رغم أنها كانت مبررا للنضال النقابي، لقد كانت الأولوية للمطالب السياسية أو بتعبير أصح للمطالب الحزبية، لقد قامت النقابات بوعي أو بدون وعي – ولعل طبيعة المرحلة هي التي أملت ذلك- بتهميش المطالب الحقيقية للشغيلة، وجعلها مطية لتحقيق أهداف سياسية، على رأسها الوصول إلى السلطة، وهو ما حدث فعلا، حيث تمكنت المعارضة من الوصول إلى دفة الحكم، وشكلت ما سمي بحكومة "التناوب الديمقراطي".
وما ميز هذه المرحلة، هو مباركة النقابات المعارضة للحكومة الجديدة، و توقيف الاحتجاجات، وبدأنا نسمع عن ما سمي ب "السلم الاجتماعي"، بدعوى توفير أسباب النجاح لها، قصد منحها الوقت لمواصلة الإصلاحات، وترسيخ الديمقراطية، وتحقيق العدالة الاجتماعية. وقد كان للأسف ذلك على حساب الطبقة العاملة ومطالبها المشروعة. وتميزت مرحلة ما بعد1996: بفتح المجال للحريات السياسية النقابية وحرية التعبير، وتنظيم انتخابات لم يطعن فيها أحد، وبروز دور المجتمع المدني، و احترام حقوق الإنسان، وتنمية ثقافتها.
إن التحولات التي شهدها المغرب خلال عشر سنوات الأخيرة، مع الأسف، لم يواكبها تحول حقيقي للعمل السياسي والنقابي، بل واستفحل التردي ومقاومة التحول الديمقراطي، تجلى في مهزلة الانقسامات التي شهدتها بعض الأحزاب والنقابات التابعة لها، ليس من أجل دمقرطة هذه المؤسسات، ولكن من أجل الزعامات، والصراع على المواقع والكراسي، وبقي الخطاب السياسي والنقابي هو هو، والهياكل التنظيمية هي هي، ولم تقم بإصلاحات داخلية تواكب ما حصل على مستوى المجتمع والدولة، وبقيت تشتغل بنفس الأسلوب.
إن الأحزاب ونقاباتها التقليدية لم تستوعب الدرس، ولم يتنازل زعماؤها عن مصالحهم الشخصية، الأنانية لمصلحة هذه المؤسسات، ولم تقم بنقد ذاتي قصد تطوير أدائها، وأخذ المتغيرات بعين الاعتبار، لم يتغير الخطاب ولم تتغير آليات العمل، وبقي التناقض الصارخ بين مطالب تطبيق الديمقراطية على صعيد المجتمع والحكم، وما تمارسه فعلا داخلها، والذي لايمت إلى الديمقراطية بأي صلة، سواء على مستوى اتخاذ القرارات، أو على مستوى انتخاب الهياكل التنظيمية.

فظهور النقابات الجديدة المستقلة، أملته طبيعة المرحلة، و نتيجة للأخطاء التي ارتكبتها النقابات التقليدية وعجزها عن استيعاب المتغيرات الجديدة، وإعادة النظر في سلم الأولويات، والرجوع إلى الطبقة العاملة، باعتبارها سبب وجود هذه النقابات، والاستجابة لمطالبها والدفاع عنها بكل تجرد، وفصلها عن السياسة الحزبية الضيقة.
فعلى الأحزاب أن ترفع أيديها عن النقابات، وتتركها تهتم بقضايا منخرطيها، وتنكب على مشاكلهم ومطالبهم، وإذا كانت تطمح للوصول إلى السلطة-وهذا من حقها- فعليها أن تجد الوسيلة بعيدا عن النقابة، وتفكر كيف تقنع المواطنين ببرنامجها؛ فعلى عكس الأحزاب، فإن النقابة ليس لها برنامج سياسي تطبقه، لأنه ببساطة لن تصل إلى موقع السلطة، وتدبير الشأن العام، والنقابة بحكم موقعها، فهي دائما في المعارضة، و في وضع مقاومة الإجراءات التي تتخذها الحكومة، والتي تكون في غير مصلحة الطبقة العاملة.
إننا ندعو إلى نقابة مستقلة عن الأحزاب السياسية، تنتهج الديمقراطية آلية في اتخاذ القرارات، وتدبير هياكلها التنظيمية، ويكون الدفاع عن منخرطيها، هو الهدف من وجودها. وهذا بالضرورة لايعني الانكماش على الذات، والتقوقع، وتغليب المصلحة الضيقة، إذ من واجب النقابة حتى تكون مؤسسة وطنية، أن تشارك، وتبدي وجهة نظرها، و تعبر عن مواقفها، تجاه مختلف القضايا الوطنية والقومية والدولية، من دون أن يكون ذلك، بهدف تحقيق مآرب سياسوية ضيقة. ولا تنفصل عن هموم الطبقة العاملة، وتساهم في وحدة العمل النقابي الذي يضع مصلحة العامل منطلقا لأي نضال ؛ ولا لأن تحتكر العمل النقابي بدعوى الشرعية التاريخية، فالشرعية تستمد من مدى الالتزام بقضايا الطبقة العاملة ومطالبها المشروعة.
وندعو إلى أن تكون النقابة، إلى جانب دورها النضالي، مؤسسة تساهم في تكوين منخرطيها، و تأطيرهم، ونشر الوعي الوطني، من خلال تحفيزهم على العمل، وبذل الجهد، والرفع من المردودية، وترسيخ قيم العمل، والديمقراطية، والمساواة، والحرية؛ لا أن تصبح وكرا للانتهازيين، والمنتفعين، والمتقاعسين عن العمل، كما هو عليه الوضع الآن.
هذه وجهة نظري حول موضوع مازال يتفاعل على الساحة ميدانبا وإعلاميا، فالمعركة ساخنة، والحرب معلنة، والجدال لم يبدأ بعد، وقد قصدت بذلك إثارة النقاش حوله، فهل من مناقش؟
محمد ملوك مفتش بالتعليم -الحسيمة-

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

  1. عبد العزيز قريش
    16/06/2006 at 18:56

    شكرا للأخ الكريم محمد ملوك
    إن المقال يعد لبنة في تجديد الفكر النقابي بما يضيء من فضاءات مظلمة تتعتم عليها النقابات بخطابات ديماغوجية. لهذا فالفكر النقابي يشهد العقود الأخيرة تطورا نحو الاستقلالية بما يسمح له تحديد ماهيته بعيدا عن التماهي بمضامين الأفكار الأخرى. فمزيدا من تنوير الأمة والشغيلة التعليمية خاصة بما يؤسس لديها نقابات متخصصة وفاعلة ومسؤولة تعتمد النظام والمأسسة والديمقراطية والاستقلالية.. مداخل حقيقية إلى الماهية…

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *