عندما ناجيت العصافير

إن الشعراء مثل الطيور إذا
لم يغنوا ماتوا خنقا
الشاعر المكسيكي ألبرتو بلا نكو
رجوع إلى الطفولة
يا جارة الوادي طربت وعادني ___ ما يشبه الأحلام من ذكراكِ
مثّلتُ في الذكرى هواك وفي الكرى ___ والذكريات صدى السنين الحاكي
ولقد مررت على الرياض بربوة ___ غنّاء كنتُ حيالها ألقاكِ
استعرت هذه الأبيات – كمقدمة – من ديوان أمير الشعراء احمد شوقي في وصفه لزحلة الجبلية اللبنانية عروس البقاع , نظرا لتشابه ظروف المكان مع مهد الطفولة حيث الربوة ( تاوريرت ) والوأد كواد « مستفركي » تتدفق مياهه رقراقة وعلى ضفافه زهر الدفلى الملون و أوراق التوت البري وأشجار الصفصاف و الحقول والبساتين تزيده خضرتها نظارة وجمالا , فتنساب مياهه كشلال منهمر , ونحن أطفالا صغارا نجوبه طولا وعرضا و بحوض » تالوين » نسبح كصغار الإوز العوام , تلك أيام حسبتها زالت إلا أنها استعصت على ذلك, كلما استرجعت صورها الجميلة العالقة بالذاكرة يشدني الحنين إلى الطفولة الأولى بدار أو حوش القائد بلعيد , تلك الديار التي أصبحت أطلالا تذكرني بقول الشاعر امرؤ القيس ,
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
هناك كان مسقط الرأس وهناك كان الحبو و الخطوة الأولى , مكان هادئ لا يكسر سكونه إلا زقزقة العصافير التي كانت تملا الرحب , وتلك هي أول الصور التي علقت بذاكرتي وظلت ترافقني بل تسكنني إلى يومنا هذا .
كنت ألهو وامرح مع إخوتي في زمن لم يعرف للتكنولوجيا محلا و لا وفر لنا من الألعاب ما يحظى به الأطفال في وقتنا الحالي , كانت الطبيعة مرتعنا منها تعلمنا الكثير من الأشياء , مثل لغة الطيور والعصافير, وتغريد البلابل ساعة الشروق والغروب كما قال شاعر نيكاراغوا ذو الأصول الأندلسية روبين داريو..
تحط باجساها النحيلة
على الغصون المائسة
والفروع الجافة في الخريف
تماما عندما تتأهب الشمس للغروب
ويغيب قرصها المذهب عن الأنظار
كنت العب في الفناء متطلعا إلى السماء الصافية الزرقاء , أراقب الطيور تحلق في العلياء وأترجاها أن تهبط لتحط فوق يدي لأعانقها وكأنها تفهم لغة الأطفال وتتجاوب معها , منظر شاعري لكنه واقعي , ربما كنت حالما منذ صغري لكنه قدري الذي رافقني طيلة مشواري .
الشاعر محمود درويش رحمه الله كان يحن إلى خبز أمه , ولي مع الخبز في صغري قصة طريفة , فقد كانت أمي رحمها الله تربي الدجاج وغيرها من الدواجن . وكنت كلما خرجت حاملا قطعة خبز تبعني الدجاج ملتقطا ما تساقط على الأرض من فتات , حتى صارت هذه العادة ملازمة له كل ما راني , ومن باب الفال الحسن , كان يقال لي سيكون خيرك عميم , فافرح بذلك فأزيد من العطاء للدجاج طبعا , والحمد لله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى .
وكما كانت البداية شعرا, اختم باهتمام الشعراء والكتاب بالطيور , « لالبيرتو بلانكو » ديوانا اسماه » كتاب الطير » تدور قصائده حول غناء الطيور وشدو العصافير والبلابل , كما ناجت » مي زيادة » كنارها السجين الذي مات قبل غروب الشمس وقبل انقضاء الربيع .
كما أورد واسني لعرج في رائعته » طوق الياسمين »..
صغار نأتي ولا شيء نمضي
شدو العصافير وهديل الحمام ، ميراثنا
أو كما قال الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري ..
شدو العصافير في الوكون ( الأعشاش)
كما غنت كوكب الشرق الراحلة أم كلثوم رائعتها هذه ليلتي ..
بعد حين يبدل الحب دارا
والعصافير تهجر الأوكارا
وديار كانت قديما ديارا
سترانا كما نراها قفارا
الحديث عن العصافير حديث ذو شجون والبوح به نبع صاف ينبعث من الأعماق, وتلك مقتطفات من خواطر طاف خيالها بالبال فخطها القلم حتى لا يطويها النسيان أو الإهمال.




1 Comment
التحيات والتبيريك وبعد اشير انه كان من الاجدر حفاظا على الملكية الفكرية ان يشير الكاتب (جمال مصباح) عند معالجته لهذا الموضوع (عندما ناجيت العصافير) ان يشير الى صاحب المقال الكاتب والباحث والمترجم الدكتور السفير محمد محمد خطابي ،مقاله ( الشعراء مثل الطيور اذا لم يغنّوا ماتوا خنقاً) حيث نقل العديد من الفقرات والمقطوعات من هذا المقال دون ان يشير الى صاحبه وكاتبه الحقيقي وهذا امر مَعيب كما هو معلروف فقد سبق ان نشر مقال الكاتب الخطابي فى جريدة ( القدس العربي ) اللندنية الدولية و(هسبريس) و(لكم ) المغربيتان وفى عدة جرائد ومجلات وطنية وعربية زدولية اخرى منذ سنوات بعيدة شكراعلى اتاحة هذا المجال لردّ الحقّ لذويه والتأكيد وإبراز اخلاقيات مهنة الكتابة والخلق والتأليف شكرا مسبقا على تفهّمكم وارجو التفضل بالاشارة الى ذلك فى موقعكم الرّصين وتحرّي الحيطة والحذر ممّا لا ينتقص من قيمة الموقع ويسيئ الى سمعته ومكانته المرموقة.. خالص التحايا وفائق المودّة والتجلّة والتقدير صفيّّكم المخلص الدكتور السّفير محمّد محمّد الخطابي.