مقنعة السائل عن المرض الهائل:مكاشفة سوسيوثقافية الجزء(1)

مقنعة السائل عن المرض الهائل:مكاشفة سوسيوثقافية الجزء(1)
بقلم د:خالد عيادي.
بين عتبتي المؤلف والعنوان:
صاحب هذه المقالة الطبية في الطاعون ، هوأبو عبد الله محمد بن سعيد بن عبد الله الشهير بالوزير »لسان الدين » بن الخطيب السلماني الغرناطي الأندلسي المعروف بذي الوزارتين([1])أوذي العمرين([2])أوذي القبرين([3]).فإضافة إلى كونه من أهم أعلام الأندلس، أواخر الوجود الإسلامي الضعيف في إسبانيا.([4]) كان طبيبا أخذ الطب على يد أستاذه الإمام أبي زكرياء يحيى بن هذيل التجيبي.([5])
وإلى جانب العديد من مؤلفاته في مختلف العلوم والفنون، ترك « ابن الخطيب » جملة من الكتب في الطب على وجه الخصوص ، نذكر منها، على سبيل المثال لا الاستقصاء، هذه المقالة وهي في الطاعون الذي نكبت به الأندلس سنة749هجرية. ومقالة في أحوال الجنين عند التكوين، ثم كتاب « عمل من طب إلى من حب »، وكان قد أهداه إلى سلطان المغرب أبي سالم بن أبي الحسن المريني. ثم كتاب المسائل الطبية، و كتاب اليوسفي في صناعة الطب، ثم كتاب الوصول لحفظ الصحة في الفصول، وأرجوزة في الأغذية سماها: المعتمدة في الأغذية المفردة. ويقع هذا النظم في ألف ومأتي بيت، ضمنها ما للأغذية المختلفة من طبائع ومنافع ومضار، مع اقتراحات طبية لإصلاح خللها.([6])
وأنت تقرأ مقالة هذا العالم الكبير،في مرض الطاعون، تستهويك ،بين ثنايا العبارات واتساق الفقرات، ملامح شخصية موسوعية اندمج فيها منطق الفيلسوف الباحث، وإحساس الشاعر المرهف، وفهم الفقيه المحقق، ودقة الأصولي الصارمة، وإحاطة المؤرخ المستقصية، وعقلية الطبيب العلمية، وتقدير السياسي المحنك، وتسليم المتصوف الهادئ.فهو إذن شخصية متفردة جمعت ما تفرق في العلماء.ويكفينا استدلالا على قوة هذه الشخصية الفذة، أن صاحبه المقرب »ابن خلدون » كان معجبا به أيما إعجاب.وللأسف الشديد فقد قتل « ابن الخطيب » بمدينة « فاس » على إثر محاكمة ظاهرها الزندقة والخروج عن قواعد الإسلام، لكن باطنها كان إسكات منافس سياسي قوي وجذاب، يصعب مجاراته في ما يتقن من دواليب الحكم، ومتاهات السياسة، وفنون الإقناع. وحين قتل خنقا على يد بعض الأوباش في سجن من سجون فاس ، سنة776 هجرية عن عمر بلغ ثلاثا وستين سنة، قال في حقه « ابن خلدون »مقولته المؤثرة والمعبرة: « الهالك لهذا العهد شهيدًا بسعاية أعدائه ».([7]) وتلك كانت شهادة كافية من فقيه مالكي، لرد مزاعم الكفر والزندقة المنسوبة إليه، بدوافع المنافسة و الحقد والوشاية.
…………………………………………………….
[1] ) المقصود بهذه التحلية أنه تقلد مهام وزارتي السيف والقلم.
[2] ) والمعنى أنه كان مصابا بداء الأرق.فليله كان للقراءة والتصنيف ،أما نهاره فكان للإدارة ومهام الوزارة والسياسة بمملكة غرناطة بالأندلس.
[3] ) ذو القبرين أو ذو الميتتين، وذلك أنه قتل بفاس ثم دفن، ثم أخرج ليحرق، ثم دفن مرة ثانية.
[4] ) قتل ابن الخطيب سنة 1374م في حين كان سقوط غرناطة سنة1492 م.أي ما يزيد عن قرن بثمان عشرة سنة.
[5] ) مقنعة السائل عن المرض الهائل- لسان الدين بن الخطيب- تحقيق وتقديم- حياة قارة- منشورات دار الأمان – الرباط- الطبعة الأولى 2015.
[6] ) مقنعة السائل عن المرض الهائل- ابن الخطيب- تحقيق وتقديم- حياة قارة.مرجع مذكور.
[7] ) ديوان العبر والمبتدا والخبر، في ذكر أيام العرب والعجم والبربر، و من عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر- ابن خلدون .





1 Comment
أحسنتم، أستاذ خالد عيادي،
المزيد عن المقال، فضلا.