Home»International»قراءة سوسيولوجية لأحسن القصص 5 1بقلم عمر حيمري

قراءة سوسيولوجية لأحسن القصص 5 1بقلم عمر حيمري

0
Shares
PinterestGoogle+

لم  يكن بدا لإخوة يوسف ، إلا أن يستسلموا لقضاء يوسف وحكمه الرافض  لرجاء  إخوته بتسليم أخيه  لهم   . من خلال تدبري للآية الكريمة ومحاولة فهمها  يبدو لي والله أعلم ، أنهم تناجوا بينهم وحدثوا بعضهم بعضا باستعمال العنف والقوة  لأخذ أخيهم وتخليصه من العبودية ، بعد إصرار يوسف على موقفه الرافض  لتسليم أخيه ،  لكي لا ينقضوا العهد والميثاق الذي أعطوه لأبيهم   [ قال لن ارسله معكم حتى توتوني موثقا من الله لتاتنني به إلا أن يحاط بكم فلما أتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل ] ( يوسف آية 66 )  . وقد يكون الإخوة ، قد تذكروا حديثهم لأبيهم وتطاولهم وتفاخرهم على أبيهم بكونهم  عصبة  وقوة  تستطيع الذود عن الأب  والأهل ، تذكروا قولهم لأبيهم بأنهم عصبة  لا تقهر ولا تغلب ، يوم طلبوا من أبيهم إرسال يوسف معهم ولم يريدوا أن تتكرر المأساة  [ قالوا يا أبانا مالك لا تامننا على يوسف وإنا له لناصحون  أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون ] ( يوسف آية 11 و 12 )  وقد تكون الحمية والنخوة  القبلية والعشائرية  وحب  التظاهر بالشجاعة  والإقدام   قد  ثار وتحرك   في نفوسهم لما تذكوا تطاولهم وفخرهم  على أبيهم من قبل ، ولكنهم وجدوا أنفسهم ضعفاء ، أمام جيش منظم وكثير وأمام  قبائل عديدة تساند الملك وتأتمر بأمره يستحيل التغلب عليهم جميعا في وقت واحد  ، فما كان منهم إلا الانسحاب أذلاء ، ناكسي رؤوسهم  ، منحطين ، طالبين النجاة بجلدهم [ فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا  ] ( يوسف آية 80 ) .

عظم  البلاء وكبرت المصيبة على  يعقوب عليه السلام ، إذ أصبح يفقد ثلاثة أبناء : يوسف ، وبنيامين ، وكبير الإخوة ، الذي عارض قتل يوسف من قبل فصار يؤنبهم ويوبخهم ويذكرهم بتفريطهم في يوسف ، وهم الآن يفرطون مرة ثانية  في  أخيه بنيامين  ، فلم يعد قادرا على مقابلة ومواجهة أبيه ، بعد هذا التفريط الثاني في أخيهم وبعد نقض الميثاق الذي أخذه منهم أبوهم ، وبعد أن بدى واضحا ضعفهم وعجزهم  وفشلهم  في تحرير أخيهم وهم الذين كانوا يدعون القدرة على حماية الأهل والذود عنهم  ، فما كان منه إلا ان يحكم على نفسه بالنفي الطوعي وعدم الرجوع  مع الإخوة إلى البلد حياء من نفسه وشفقة على أبيه  لأنه لم يف بالعهد الذي قطعه على نسف أمام أبيه  ولم يحافظ على أخيه  [ … قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وخير الحاكمين ] ( يوسف آية 80 )  إن إنهاء النفي الذي أوقعه الأخ الأكبر على نفسه ، كان مشروطا بشرطين : الأول تنازل وتسامح الأب وهذا دليل على  مركز ومكانة الأب ووزن كلمته ونفاذها  داخل الأسرة الممتدة ، والتي لا يعلوا عليها أي قول أو كلمة  أو قرار ، وثانيا : تفويض الأمر لله والانصياع الكامل لحكمه والرضا بقضائه وهذا برهان قاطع  على أن الأسرة كانت مؤمنة بالقضاء والقدر  وموحدة توفض  الأمر لله  ولم تكن من المشركين .

رأى الأخ الأكبر ـ ويبدو أنه الرئيس فيهم ـ أن  كل المساعي التي بذلت لتخليص أخيهم من العبودية باءت بالفشل ، فسلم بالأمر الواقع وأمر إخوته بالرجوع إلى الديار ونقل  الواقعة   كاملة كما شاهدوها وكما شهدها الشهود ، ولم يقل لهم  نقل الحقيقة كما هي ، لأنه لم يكن مقتنعا و لا متأكدا بأن أخاه  كان سرقا  وكان يستبعد وقوع السرقة من أخيه لعلمه بأخلاقه  العالية ولكون السرقة أمرا مستهجنا  وقبيحا  في مجتمعه وقبيلته ، يستبعد أن تقع  فيه  من أخيه  ، وفي تقديري لقد كان الأخ الأكبر  حكيما في  اتخاذه هذا القرار ، إذ  لم  يعرض إخوته  لخطر  مواجهة  غير متكافئة وغير مضمونة النتائج  ولا النصر  ولم يرد أن يكون مصير باقي إخوته كمصير يوسف وبنيامين  ، ولذلك  أمر إخوته بالرجوع إلى أبيهم وأوصاهم بأن يقولوا له  ما سجله القرآن الكريم   في قوله تعالى [ ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين ] ( يوسف آية 81 ) . كان الأخ الأكبر متأكدا أن أباه لن يصدق قصمة السرقة المنسوبة لابنه وهو نفسه لم يكن مطمئنا ولا مصدقا  لها ولكن قرائن وحجج الإثبات كانت متوفرة وكافية للإدانة وهي الشهود  وطبعا فإن الشهود في كل زمان وفي كل مكان يعتمدون كديل لإثبات التهم وهذا ما فعله الإخوة مع أبيهم لإقناعه إذ حدثوه عن القرية التي كانوا فيها وعن العير التي جاءوا فيها أي عن  الشهود الذين حضروا القصة . [ واسأل  القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون ] ( يوسف آية 82 )  . ولكن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لأخي يوسف ،  فهو مظلوم  ولم يستطع رد التهمة عن نفسه فالشهود ضده وصواع الملك مدسوس في رحله ، فالتهمة إذن ثابتة   بحجة ودليل الشهود وصواع الملك  وهذا نموذج  يسوقه القرآن الكريم لنا نصادفه  في كل زمان ومكان فكثير من الناس  يدانون بحجة  شهود مزورين يشترون بالمال أو يهددون في أنفسهم وعرضهم وأبنائهم  وبدليل قرائن مادية مدسوسة لا صلة لهم بها  فيعاقبون ظلما ويفقدون حرياتهم  وهيبتهم داخل جماعتهم  وربما يعدمون وهم أبرياء .

إن يعقوب عليه السلام لم يكن ليصدق أبناءه ولا الشهود ولا الدنيا  كلها ، لأنه مرتاح من جهة أخلاق ابنه فهو لم يجرب عليه أي  سوء  من قبل ، ولأنه في نفس الوقت غير مطمئن لأبنائه الآخرين ،  خدعوه في يوسف عليه السلام  وهم شر مكانا كما وصفهم يوسف ،  فما كان منه إلا أن قال  لهم ، ما سجله القرآن الكريم على لسانه  [ قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن ياتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم ] ( يوسف آية 83 ) فيعقوب عليه السلام  يعلم  لإيمانه  القوي بالله  وبوعده الذي لا يخلف أبدا ،  ومن  خلال تأوله للرؤية التي رآها يوسف من قبل أن وراء هذ الابتلاء وهذه  المصائب علم وحكمة إلاهية  وليس صدفة أن تتكرر كلمة عليم وحكيم مرتين في الآية 6 والآية 85  . إذن   لا بد أن يتحقق وعد الله  فيتم نعمته  على يوسف وعلى آل يعقوب [ وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تاويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم ] ( يوسف آية 6 )

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *