استراتيجية التجاوز عن الأخطاء
أحمد الجبلي
يعتبر كين بلانشار خبير الإدارة العالمية، له مشروع ضخم يتكون من ثلاثة عشر كتابا، ترجمت إلى أزيد من خمس وعشرين لغة على رأسها كتابه الشهير « مدير الدقيقة الواحدة »، لقد جعل مستر كين مشروعة الإداري هذا كله يدور حول فكرتين اثنتين أولاهما هي قوله: » اضبط موظفيك متلبسين بأعمال جيدة وكافئهم » والثانية التي تمثل الشاهد عندنا وهي » تجاوز عن أخطائهم ».
فالفكرة الأولى تؤدي أوتوماتيكيا إلى تثبيت العمل الإيجابي في بيئة العمل وتأكيد حرص الموظفين على تكراره. وتؤدي الفكرة الثانية إلى تقليص دور الأعمال السلبية في بيئة العمل، كما تؤكد عدم انشغال الإدارة بها.
وبما أننا نحن المسلمين نعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنموذجا ومثلا أعلى تقاس عليه جميع تصرفات البشر، وبه نستغني عن كل عباقرة الأرض إلا ما يستضاء به من باب الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها.
ولذلك نجده صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الناس في محيطه سواء كانوا كبارا أم صغارا، قد سطر منهجا فريدا من نوعه، ومن أهم ما اعتمد عليه هذا المنهج النبوي الشريف اعتماده صلى الله عليه وسلم على استراتيجية » تجاوز عن أخطائهم » وهي الاستراتيجية التي أصبح العلم يدعو إليها كما أسلفنا أثناء الحديث عن كين بلانشار كرائد في الإدارة والتسيير والتربية والتدريب.
لقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه حديثا قال فيه: « أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما لحاجة، فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي، قال: فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: يا أنيس ذهبت حيث أمرتك؟ فقلت: نعم أنا أذهب يا رسول الله »
لكي نستمتع بهذه القصة التربوية الجليلة ونعرف أبعادها ودلالاتها التربوية يجب أن نضع أي واحد منا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أي إن أحدنا لو بعث ابنه في سخرة في الصباح مثلا كأن يأتي له بخبز وحليب من الدكان كي يتناول فطوره ثم يتجه نحو عمله، ولكن الولد عندما لقي أصحابه يمرحون ويلعبون دخل معهم في ما هم فيه من لعب ونسي الخبز والحليب، وهذا الأب نظرا لتأخر ولده سيتبعه، وطبعا سيجده متلبسا غارقا في اللعب مع الرفاق. فكيف سيكون موقف هذا الأب؟ وكيف سيتصرف؟ هل سيبتسم في وجهه كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنس؟ هل سوف يقوم بترخيم اسمه دلالة على الحب والفرح والتعبير عن قيمته لديه » أنَيْس » أي إذا كان اسم الولد حسن فيناديه حسون أو هشام فيناديه هشوم . هل سيسأله قائلا: هل اشتريت الخبز والحليب؟ وماذا سيكون رد فعله إذا أجابه الطفل قائلا: أنا أذهب يا أبي؟
إننا لا نشك في أن تصرفاتنا مع هذا الولد ستكون مختلفة تماما وبعيدة كل البعد عن المنهج والطريقة التي اتبعها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع (ابنه). وهذا شيء ألفناه لأننا نراه دائما وأبدا. ولكن يجب ألا ننسى أننا إذا كنا نفعل هذا وربما أكثر منه مع ابننا، فكيف سيكون تصرفنا لو كان هذا الطفل مجرد خادم مسكين عندنا؟ لنعلم فعلا أن سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم في القمة ومن الروعة بمكان لأن أنس بن مالك كان مجرد خادم لديه صلى الله عليه وسلم ليس إلا. ورغم ذلك لم يلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الرعاية والحب والتقدير والتجاوز عن الأخطاء. وهو نفسه رضي الله عنه قد عبر عن هذا فقال: » لقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف، ولا لما صنعت، أو ألا صنعت »
هل كنا في حاجة لنتتلمذ على أيدي الغرب؟ هل كنا في حاجة لنستمع لما قاله كين بلانشار متحدثا عن استراتيجية » تجاوز عن أخطائهم » لو كنا فعلا نعرف كل شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ونعرف مناهجه التربوية والطرق المدهشة التي كان يستعملها في شحذ الطاقات والرفع من الهمم والتحفيز والمدح والإطراء و إطلاق أسماء وألقاب على أصحابه من شأنها أن تبرمجهم على البناء والعطاء والعمل كسيف الله وأمين الأمة والصديق والفاروق والحب ابن الحب، وغدا نعطي الراية رجلا يجب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وخير فرساننا أبو قتادة، وخير رجالاتنا سلمة، وما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم، و أشبهت خلقي وخلقي، وحتى في أحلك اللحظات يقول في أصحابه « هم الكرار إن شاء الله ».
إن استراتيجية « تجاوز عن أخطائهم » كانت سببا في إسلام العديد من كفار قريش أي أنها فعلت فعل السحر في قلوب قاسية ألفت الشرك والخمرة وفعل الرذيلة، وما أكثر الأمثلة على ذلك في سنة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ألا نتبناها من جديد لا لإدخال الكفار في الإسلام لأن مجتمعنا خال منهم. وإنما على الأقل لنجلب بعض الحب والسعادة لأسرنا من خلال تعاملنا مع زوجاتنا وأبنائنا ومن هم أقرب الناس إلينا.
Aucun commentaire