للغرب الصليبي: رمتني بدائها وانسلت
أحمد الجبلي
ذكر ابن الأثير في الكامل والمؤرخ المغربي أبو العباس أحمد بن خالد الناصري في كتابه الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى أن ملك قشتالة بالأندلس ألفونسو الثامن بعث إلى السلطان المسلم أبي يوسف الموحدي رسالةً ساخرة يهدده فيها ويطلب منه تسليم بلاد المسلمين وكان مما ذكره الملك النصراني بكل غطرسة وكبرياء في رسالته: « أراك تماطل نفسك، أي في الجهاد، وتُقدم رِجلاً وتؤخر أخرى، فما أدري الجبن بطَّأَ بك، أم التكذيب بما وعدك به نبيك!؟ وكانت هذه الرسالة بعدما استجمع ألفونسو قواه بعد هزيمة معركة الأرك الشهيرة،
فلما قرأ أبو يوسف الرسالة غضب غضباً شديداً وتغير وجهه، ثم مزقها وكتب على رقعة منها هذه الآية الكريم : (ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون) فقام السلطان فاستنفر الناس، ودعا للجهاد، فسارع المسلمون للبذل والتضحية، لينضموا إلى جيش الموحدين ومضى إلى الأندلس بجيشه، والتقى بالنصارى فاقتتلوا قتالاً شديداً وانهزم النصارى شر هزيمة، وقُتل منهم ١٤٦ ألف قتيل حسب رواية المبرد وغيره وأسر منهم 13 ألف أسير. فأعاد السلطان للإسلام هيبته في الأندلس، ورد على رسالة ملك النصارى المستفزة .
وعندما نتابع الحدث في باقي كتب التاريخ التي تناولت ما وقع بشيء من التدقيق والتفصيل نجد ما يتمم ما أورده المبرد وأبو العباس الناصري، إذ ذكر المقري في نفح الطيب نفس عدد القتلى الذي ذكره المبرد وأضاف عليه عدد الخيام التي غنمها المسلمون والتي وصلت إلى مائة وستة وخمسين ألف خيمة وثمانين ألف من الخيل، ومائة ألف من البغال، وأربع مائة ألف من الحمير، وأما الجواهر والأموال فلا تحصى، ومن نتائج هذه الحرب أن نجا ألفونسو فارا إلى طليطلة في أسوأ حال وبها عمد إلى حلق شعره ولحيته، ونكس صليبه، وآلى ألا ينام على فراش، ولا يقرب النساء، ولا يركب فرسا ولا دابة حتى يأخذ بالثأر.
أكمل السلطان أبو يوسف الموحدي مسيرته في أراضي قشتالة يسقط المدينة تلو الأخرى إلى وصل إلى طليطلة عاصمة القشتاليين وحاصرها واستخدم المجانيق.
ويبقى بيت الشاهد عندما هو في خضم الحصار والضرب بالمجانيق ستخرج إلى أبي يوسف المنصور والدة ألفونسو وبناته ونساؤه ليبكين بين يديه، ورجون أن يبقي المدينة لهن، ومن أروع الألفاظ التي يستعملها العديد من المؤرخين كلمة « رق لهن » فرق لهن ومن عليهن بها، ووهب لهن فوق ذلك من الأموال والجواهر ما جل، وردهن مكرمات، فعفا بعد المقدرة، وعاد إلى قرطبة فأقام شهرا وهو يقسم الغنائم، فجاءته رسل ألفونسو بطلب الصلح، فقبله وصالحه وأمن الناس على أنفسهم وأموالهم.
ماذا يمكن أن نقول؟ هل هذا ضرب من الخيال؟ أم هو عبارة عن حلم مستحيل؟ في أي ملة يمكن أن نجد هذه الرحمة وهذه الرجولة وهذه الإنسانية غير ملة الإسلام؟
ملك مسلم وهو في ذروة القوة والنصر يوقف المجانيق رحمة بنساء العدو وأطفاله، ويسلم مدينة كاملة رحمة بالنساء بل ويغذق عليهن بالأموال والجواهر.
هل فعل الغرب الصليبي مثل هذا أثناء محاكم التفتيش؟ ألا يعلم الإنسان الغربي أن ملكة إسبانيا إزابيلا سنت قانونا للمسلمين إذا أرادوا مغادرة إسبانيا سالمين عليهم أن يدفعوا أموالا طائلة يعجزون عن دفعها كشرط تعجيزي من أجل الذبح وتكسير العظام، وترك أبنائهم هنا في إسبانيا والمغادرة بدونهم، إن هذا وقع في نفس البلاد التي مارس فيها المسلمون قمة الرحمة والعفو عند المقدرة.
هل رحم الدب الروسي نساء حلب وأطفالها وشيوخها؟ ألم يلق فوقهم قنابل عنقودية محرمة دوليا وضربهم بأسلحة كيماوية فتاكة وهم المدنيون العزل؟ هل رحم الأمريكيون نساء العراق وأطفاله وهم يرمون لهم بهدايا متفجرة، ويرشونهم بالفوسفور الأبيض الحارق المحرم دوليا؟ هل رحم الصرب الصليبيون نساء البوسنة والهرسك؟ لقد تم اغتصاب 50 ألف من النساء البوسنيات على أيدي المسيحيين الصرب، ولحد الآن لازالت المعاناة وشبح الخوف والإرهاب يعمر قلوب المسلمات مما تعرضن له. هل تم تسجيل ولو حالة إغتصاب أو عملية قتل مدني واحدة طيلة الخمسة عشر قرنا ضد مسلم من المسلمين أثناء الحروب البينة مع العدو؟ بل هل استطاع التاريخ أن يسجل على المسلمين عملية اقتلاع شجرة واحدة أثناء حروبه مع أعدائه المعتدين؟
ويأتي الغرب الصليبي المتوحش فيتهم الإسلام بالإرهاب، وفي الأخير لا أملك إلا أختزل الرد بما قالته رهم بنت الخزرج: « رمتني بدائها وانسلت ».
Aucun commentaire