Home»International»الإحتباس الحراري لا يقتل الأطفال في حلب

الإحتباس الحراري لا يقتل الأطفال في حلب

2
Shares
PinterestGoogle+

أحمد الجبلي
عندما رأيت فيلم « جهنم الآن » ونظرا لضراوة الحرب واشتداد القتال والصور المريعة التي تضع عليها المعركة أوزارها، قلت إنه من  ربيع المستحيل أن تقع مثل تلك الحرب السينمائية على أرض الواقع، وقد بررت ذلك بكون الانسانية، في اعتقادي، لازالت بخير ولا يمكن أن تصل إلى هذا المدى المريع  فضلا عن أن هناك قوانين دولية زاجرة ومجلس أمن قد وجد من أجل أن يعم الأمن والسلام في كل أنحاء العالم.
ولكن بمجرد أن رأيت ما وقع في حلب الجريحة المذبوحة حتى تيقنت أن  » جهنم الآن » ليست مجرد فيلم وإنما هي واقع تعيشه أمتنا، ولقد وقعت هذه  « الجهنم الآن » بمباركة غير مباشرة من مجلس الأمن وفي ظل القوانين الدولية والمؤسسات العالمية التي تعنى حتى بالحيوان وتأمر بالرفق به والحنان عليه.
وأنا أنظر بألم يعصر قلبي إلى أشلاء الأطفال وجثث الموتى التي لم يستطع أحد أن يحصيها لأن العد يخطئها، تذكرت ذاك الكلب الأوربي الذي سقط في نفق مائي فحضر رجال المطافئ والشرطة والدرك والصحافة  والإذاعات الأرضية والفضائية التي بثت الصور على المباشر لمزيد مع التعاطف والتأييد وجماهير غفيرة حاضرة تئن أنين المكلوم وترفع أكف الدراعة للمولى عسى أن يتم إنقاذ هذا الكلب المسكين لأنه الواجب العالمي الذي تحث عليه جميع القوانين الدولية التي لا تسمح أن ينتهك عرض كلب أو يختنق المسكين في نفق مظلم لا ماء فيه ولا كهرباء ولا أكل ولا شرب، وبعد نجاح عملية الإنقاذ انطلقت التصفيقات الحارة الإنسانية لتشكل سمفونية عذبة تدل على أن الإنسانية لازالت بخير لأن لها قلوبا تنبض بحب الحياة ولا تسمح بأن يترك كلب صغير يواجه مصيره في حفرة مظلمة. وقد صرح عمدة المدينة قائلا: لابد أن تتم عملية الإنقاذ هذه وإلا كانت وصمة عار في عنق البشرية كلها، ولهذا إذن ساهمت كل الأطراف العسكرية والمدنية في عملية الإنقاذ المقدسة هاته.
كما تذكرت أنني قرأت عن كلب تم دهسه من طرف سائق متهور في إحدى شوارع باريس فاستدعي السائق من طرف القاضي وخصص محام محنك ليقوم بتمثيل الكلب في المحكمة ويدافع وينافح عن البريئ المظلوم والجريح المكلوم السيد الكلب المحترم، وهكذا رحت أجول بذاكرتي أقلب صفحات ما عرفت وما قرأت وما شاهدت من برامج تسجيلية حقيقية وأفلام تصويرية هي عبارة عن أشرطة وثائقية توثق لأعظم عمليات الإنقاذ للحيوانات عندما يصيبها مكروه أو تعلق في سلك كهربائي أو قعر مظلم.
كما استحضرت المنتظم الدولي وقوانينه في الرفق بالحيوان والعناية بالآثار والموروثات التاريخية والعناية بالنبات والبيئة  وإنفاق ملايير الدولارات فقط حتى لا يتأذى الإنسان بفعل تكاثر الغازات الدفيئة وحتى لا ترتفع نسبة الحموضة في البحار لأن ذلك معناه تشرد الملايين من الناس الذين سيبحثون عن مأوى في أعالي الجبال نظرا لارتفاع منسوب الماء، فعلا العالم كله قلق من أجل إنقاذ البشر وسكان الكرة الأرضية.
هكذا يبدو أننا سنطمئن لأن العالم بخير وهو يفكر في البشر حتى لا ينقرضوا والشعوب حتى  لا تموت، وهو الآن يعقد أكبر الملتقيات الدولية ويجند كل قواه وما يملك من تكنولوجيا حديثة متطورة من أجل سواد عيون البشرية. وفجأة أصحو على صراخ ينفجر في داخلي وأنا أتذكر حلب الجريحة حلب المفجوعة حلب الأشلاء حلب الدمار والتشرد، وأتساءل أليس الحلبيون بشرا؟ أليسوا من مثل هؤلاء البشر الذين يجعلون دول العالم تقيم والأرض ولا تقعدها بحثا عن حل يحميهم من حموضة البحر وغازات المعادن؟ أليس لأطفال حلب نصيب من قوانين دولية تؤمن لهم الحق في الدراسة والأمن والحرية؟ أم أن قوانين العالم  تكفل الحق في التمدرس والأمن والحرية وعدم التشغيل والاستغلال لأطفال العالم المتحضر لأن الطفل المذكور في القوانين الدولية لا يشمل الطفل العربي لأنه مشروع إرهابي يستحق الموت والتمزيق والردم تحت أنقاض آثار تاريخية تتنكر لها اليونيسكو للعلوم والثقافة؟
ماذا سنسمي عالَما يبكي على كلب علق في قعر مظلم ويجند كل الوسائل المتاحة من أجل إنقاذه ولا يستنكر حتى مجرد الاستنكار في بيان من ورق عملية إبادة جماعية لأطفال حلب؟
ماذا سنسمي عالَما غربيا وعربيا يدعم نظاما دمويا يقتل الأبرياء والمدنيين العزل والأطفال والشيوخ والنساء بأبشع وسائل الدماء والإبادة؟
في أي سياق سنفهم عمليات إنفاق البليارات من الدولارات من أجل عقد ملتقيات بيئية من أجل حماية سكان الأرض؟
أليس السوريون جزءا لا يتجزأ من سكان الأرض؟
لاداعي إذن لحمايتنا من الطبيعة إذا كنا سنباد بعدها بأيدي بشرية متعطشة للدماء.
إن لسان حال كل سوري سواء في حلب أو غيرها يصرخ في وجه العالم قائلا: اتركوا البحار تقتلنا بحموضيتها، واتركوا الأرض تخنقنا بحرارتها، واتركوا البحار تغرقنا بارتفاع منسوب مياهها، فإن إنقاذكم للأرض لن يفيدنا في شيء إذا تركتم بشار وإيران وروسيا يقتلوننا ويسفكون دماءنا

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *