قضية اللاجئين بين المستحيل والممكن … الحلقة الأولى
قضية اللاجئين بين المستحيل والممكن … الحلقة الأولى
يوسف حجازي
في البداية لا بد من الاعتراف انه ليس من السهل أن يتناول الإنسان أي إنسان قضية على هذا المستوى من السخونة وخاصة إذا كان هذا الإنسان هو نفسه لاجئ ، وهو نفسه الذي يجب أن يكتب نفسه بنفسه ، وهو نفسه الذي يجب أن يجمع بين نقيضين احدهما موجب والآخر سالب وهما الموضوعية والذاتية ، بحيث يكون الباحث موضوعيا وبنفس الوقت لا يهمل رأيه ولا يتجاهل ذاتيته ولا يلقي أحاسيسه ومشاعره وانفعالاته أدراج الرياح ، وهو في الأصل والنهاية إنسان مطعون الحواس ومطحون الأحشاء لأنه يرى الآخرين يحكمون في قضيته من ضمائرهم وليس من ضميره ، ومن قانون لا يتضمن في محتواه أية عناصر أخلاقية ، ومن مجتمع دولي لم يوجه كل جهوده من اجل الحفاظ على وحدة بلده وتهيئة المناخ الذي يمكن فيه زرع بذور الرغبة في التعاون بين الشعبين الفلسطيني واليهودي على قاعدة تطبيق قرار الأمم المتحدة رقم ( 181 قرار التقسيم والاتحاد الاقتصادي ) الصادر في 29/11/1947 الذي يشترط قيام دولة يهودية بقيام دولة فلسطينية وحل مشاكل القدس واللاجئين والحدود وقيام اتحاد اقتصادي بين الدولتين ، والقرار 194 الصادر في 11/12/1947 الذي يضع الأسس القانونية لحقوق اللاجئين في العودة واستعادة ممتلكاتهم والتعويض ، وفي حل ديناميكي يكفل حقوقا متساوية للشعبين الفلسطيني واليهودي في فلسطين .
العدالة وقضية اللاجئين
قال الملك البابلي حمو رابي ( 1792- 1750 ق م )
( أن الآلهة أرسلته ليوطد العدل في الأرض ، ويزيل الشر والفساد بين البشر ، وينهي استعباد القوي للضعيف ، ولكي يعلو العدل كالشمس وينير البلاد من اجل خير البشر ، ويجعل الخير فيضا وكثرة )
وبعد حمورابي أصبحت العدالة بعناصرها الاستفهامية نقطة الانطلاق الأساسية للأديان ولفلسفات والإيديولوجيات على طول مراحل التاريخ منذ عصر المجتمعات البدائية وحتى عصر المجتمعات المنظمة حتى صارت أكثر الموضوعات قدسية في الفكر الاجتماعي والإنساني ولكن للأسف ليس في السلوك الاجتماعي والإنساني ، ولكنها ورغم ذلك ظلت ممتدة في الزمان والمكان ولا يحدها زمان أو مكان ، ولا تقف عند حدود معينة ، فقد يطالب الناس بالمزيد من الحرية وفجأة يضطرون إلى التوقف عن طلب المزيد من الحرية حتى لا تنقلب الحرية إلى فوضى ، ولكنهم لا يستطيعون أن يتوقفوا عن طلب العدالة لأنه لا يمكنهم أن يصلوا إلى درجة الإشباع في تحقيق العدالة ، لأن العدالة ليست مفهوم تجريدي في عالم العقل ولا مجال لها في عالم الواقع، ولكنها كانت ومنذ انتقال الإنسانية من مرحلة المجتمعات البدائية الى مرحلة المجتمعات المنظمة صاحبة السيادة على غيرها من المفاهيم الاجتماعية والقاسم المشترك الذي ينظم العلاقة ويحقق التوازن بين هذه المفاهيم وخاصة بين مفهوم الحرية ومفهوم المساواة ، ومفهوم الحق ومفهوم القوة ، ولذلك لا يمكن تفكيك قضية اللاجئين لأنها قضية عدالة والعدالة قيمة معنوية لا يمكن تفكيكها ولا يوجد أي هامش للمناورة السياسية فيها ، ولأنها أيضا القضية التي يمكن أن تستبعد أكثر من كل القضايا الأخرى قيام سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، ولكن يمكن تفكيك المفاهيم الاجتماعية الأخرى مثل مفهوم الحرية ومفهوم الحق ومفهوم المساواة لأنها قضايا مادية تخضع للمساومة والمناورة السياسية .
نشأة قضية اللاجئين
تدرج التفكير السياسي في قضية فلسطين من اعتبارها قضية واحدة لا يمكن تفكيكها إلى اعتبارها مجموعة من القضايا وهي اللاجئين والقدس والاستيطان والمياه والحدود ، ولكن هذا في الحقيقة كان تقسيم سياسي وليس تقسيم عضوي لان البنت لا تلد أمها ولكن الأم هي التي تلد ابنتها وقضية فلسطين هي الأم أما قضايا اللاجئين والقدس والحدود والمياه فهي البنات ، ولا يمكن فصل الأم عن بناتها أو فصل البنات عن أمهن ، وليس هناك تعارض بين الأم وبناتها أو بين البنات وأمهن لأن العلاقة بينهن مثل العلاقة بين المسألة وحلها أو مثل العلاقة بين أساس البيت وجدرانه ، ولكن وبخصوص نشأة قضية اللاجئين فأنا أرى أن المنهجية التاريخية تفترض أن أعود إلى المسيحية الصهيونية
الصهيونية المسيحية
نشأت الصهيونية المسيحية في بريطانيا في القرن السابع عشر ، وكان أول من استعمل هذا المصطلح الناشر النمساوي ناثان برن هام في عام 1860 ، وهو مصطلح يشير الى الحركة التي تهدف إلى إعادة الشعب اليهودي إلى فلسطين ، وهي إيديولوجية دينية رؤوية سياسية ترجع جذورها إلى تيار الألفية الذي نشأ في القرن الثاني الميلادي في أوساط المسيحيين من أصل يهودي والذين يعتقدون بالمشيحية الزمنية والتأويل اللفظي لما ورد في سفر حزقيال وسفر دانيال في العهد القديم وفي سفر يوحنا في العهد الجديد وهو أن المسيح سيعود إلى هذا العالم ليملك في الأرض ألف سنة ولذلك سموا بالألفيين ( الاختلاف بين الديانة المسيحية والديانة اليهودية هو حول شخص المسيح لأن الديانة المسيحية تقول عودة للمسيح لأنها تؤمن بالمسيح الأول عيسى بن مريم ، ولكن الديانة اليهودية تقول ظهور المسيح اليهودي لأنها لا تعترف بالمسيح بن مريم وتعتبره المسيح الكذاب ) وقد وجدت هذه الحركة رموزها في بريطانيا وخاصة في العصر ( البيوريتاني – العصر ألطهري ) بعد أن كانت قد تراجعت في ( العصر الالزابيتي ) وقد طالب البيوريتانيون البريطانيون
باستعمال اللغة العبرية في الصلاة المسيحية في الكنائس البريطانية
ونقل ذكرى قيام المسيح من يوم الأحد المسيحي إلى يوم السبت اليهودي
وإعلان التوراة دستورا لبريطانيا
ومن ابرز رموز هذا التيار في بريطانيا
القس برا يتمان الذي كان يدعو إلى عودة اليهود إلى الأرض المقدسة استكمالا لنبوءة الكتاب المقدس
والبرلماني البريطاني هنري فينش الذي دعا الحكومة البريطانية إلى دعم عودة اليهود إلى الأرض المقدسة
والشاعر جون ملتون الذي قال في قصيدة له
لعل الله يعرف الوقت المناسب
سيشق لهم البحر الأحمر وهم عائدون مسرعون إلى وطنهم
كما شق لهم البحر الأحمر ونهر الأردن عندما عاد آبائهم للأرض الموعودة
إني اتركهم لعنايته وللزمن الذي يختاره من اجل عودتهم
والشاعر روبرت براون الذي قال في قصيدة له
سيرحم الرب يعقوب
وسيرى إسرائيل في حماه
عندما ترى يهوذا القدس
سينضم لهم الغرباء
وسيتشبث المسيحيون ببيت يعقوب
هكذا قال النبي وهكذا قال الأنبياء
وأوليفر كرمويل رئيس المحفل اليهودي البيوريتاني الذي دعا إلى
عقد مؤتمر في عام 1655 للتشريع لعودة اليهود إلى بريطانيا
وإلغاء قانون النفي الذي أصدره الملك ادوارد
وربط الصهيونية المسيحية بالمصالح الإستراتيجية البريطانية
وعودة اليهود إلى الأرض المقدسة
وذلك بالإضافة إلى القس لويس واى والشريف هنري دارموزر واللورد شافتسيوري والقس وليام هشلر وجون لوك واسحق نيوتن والقس جوزيف برستلى واللورد بايرون والقس جيري فالويل الذي قال ( الإسلام دين إرهابي ) ومارتن لوثر وجون فليجنها ور في ألمانيا واندريس كيمب في السويد الذي قال ( إسرائيل صاحبة الحق في ارض كنعان ) وفيليب دي لا نجير في فرنسا الذي (عرض روما على السلطان العثماني بدلا من القدس وأخيرا بلفور مهندس تصريح بلفور ووالتر ريغنز الأمين العام للسفارة المسيحية في القدس التي تأسست ردا على سحب 13 دولة سفارتها من القدس في عام 1973 .
وقد انتقلت المسيحية الصهيونية إلى الولايات المتحدة في القرن العشرين حيث أخذت إبعادا سياسية ودولية وترجمت بعض آيات التوراة ترجمة سياسية تبرر احتلال العراق وحملة الإرهاب الأمريكية المنظمة في العالم ردا على أحداث أيلول 2000 ، وإذا أخذنا نظرية نهاية العالم كما تصورها صموئيل هنتغتون وجدنا فيها بعض الملامح التي ترافق احتلال العراق والرد الأمريكي على أحداث أيلول 2000 وهو ما قد يشير إلى أن العالم قد اشرف على النهاية وان عودة المسيح سوف تبدأ بعد هذه النهاية حسب زعمهم ولكن ليس بفعل جنرال أو سياسي يشعل نار حرب عالمية نووية ، ولكن لأن الله يريد نهاية العالم ، لأنها تمهد لعودة المسيح ، ومن علامات هذه العودة إعادة بناء دولة إسرائيل وظهور المسيح الدجال وانتشار موجة من الفوضى ، وهذا يتوج بمعركة هارمجدون وهي قرية فلسطينية تقع في جبال الكر مل ويزعم دعاة الألفية أن هذه الحرب سوف تقع في منطقة الشرق الأوسط وأن الدول الكبرى سوف تزج فيها بكل قواتها بحيث يصبح السلاح النووي أداة في تحقيق إرادة الله في عودة المسيح ليملك في الأرض ألف سنة .
Aucun commentaire