الإدارة التربوية أكبر غائب في تقرير المجلس الأعلى للتعليم: نحو صياغة مدونة للمهام
*-سياق عام:
عرفت المنظومة التربوية الوطنية جملة من الإنجازات الملموسة والتي هي في طريق اللمس لكنها راكمت أيضا و عبر مسارات الإصلاح بدءا من 1957 ومرورا بسنة 1985 وانتهاء بموسم 1999 -2000 أكواما من الإخفاقات بسبب اللاتوازن بين وفرة السيولة والتدفق في مداخل النظام وخلل في عملياته وصعوبة تصريف واستدماج مخرجاته جراء تباين وتائر تعميم التمدرس وإدماج الخريجين وغياب التوازن بين نسب المراهنة على مؤشرات الكم ومدلات الكيف في ظل غياب تعميل حقيقي للشبكات التوقعية وبناء خرائط التخطيط العلمي المستند إلى قاعدة بيانات مستقاة من دراسات وبحوث ميدانية وفي ظل هيمنة حقيقية للخرائط المدرسية التي شلت نظام التقويم المرتكز على الاستحقاق وساهمت في تدني مستوى العروض التربوية وتنوع التكوينات المعرفية والمهارية والتواصلية والتنقيص من القيمة العلمية للشواهد…وفي غياب وسيط كفء مشرف على عملية تحويل المعرفة الأكاديمية إلى معرفة مدرسية وفي ظل إكراه التحكم اللغوي الذي تبدد بسب تعدد اللغات والألسن وتناقص مجالات استعماله واكتناز المقررات…في ظل تنامي ثقافة الانبهار بالغرب والرضوخ للإملاءات الخارجية وتبني مقاربة الانفتاح بدون حدود على النظريات ونماذج التدريس والتدبير وطرائق الإنتاج الأوربية بدل التوليف بين تأهيل الموارد البشرية الوطنية وتعبئة الموارد المالية والمادية والمعرفية المحلية مع الاستفادة من الموجات التحديثية في الجوهر وعدم الانحراف بالإصلاح نحو النخبوية وإقصاء القاعدة العريضة من المهنيين الذين لازالت مهامهم تتقاطع ولا تواكب أحيانا توجه التدبير التفاعلي:
**- قراءة في متن المرسوم رقم 376 -02-2 بمثابة النظام الأساسي الخاص بالمؤسسات التربوية والتعليم العمومي في اتجاه صياغة مدونة المهام:
يحدد المرسوم الوزاري أصناف التأطير والتدبير التربوي والإداري في ستة أطر تستقل بمواد 11 و12 و13 و14 و15و 16 تاركا للمرسوم 854 جرد مهام أطر الدعم الإداري والمادي والاجتماعي وكذا مسيري المصالح المالية بحيث يتمتع هذان المكونان من الجسم الإداري بإطار قانوني يحدد مهامهما واختصاصهما بخلاف أطر الإدارة التربوية التي لازالت تابعة لإطارها الأصلي / هيئة التدريس حيث تباشر مهام جديدة غير القسم تتطلب تأهيلا وإرادة للتغيير المخطط وتحكما في الأداء…ويستقل كل صنف بمادة تحدد مهامه وتضبط اختصاصاته وتقيد صلاحياته في توليفة تتأرجح بين التكامل والتعارض تارة و بين التداخل والتناغم تارة أخرى.
المادة11 :المدير
ينهض مدير المؤسسة في المنظور التدبيري الجديد بتسع مهام يمكن تصنيفها إلى صنفين:
1
– مهام فردية: مستقلة عن مجلس التدبير من عيار:
1
– الإشراف على التدبير التربوي والإداري والمالي للمؤسسة ومباشرة مهمة الآمر بالصرف والاستخلاص ومراقبة العاملين في إطار احترام النصوص التشريعية والتنظيمية والمذكرات والمناشير المصلحية…
2
– رئاسة مجالس المؤسسة… واتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لتطبيق مقرراتها…
3
– مراقبة سير النظام والدروس.
4
– توفير شروط الصحة والسلامة للأشخاص والممتلكات…
5
– اقتراح توفير وسائل العمل الضرورية لتدبير شؤون المؤسسة على الأكاديمية…
6
– تمثيل المؤسسة محليا إزاء السلطات العمومية والهيئات المنتخبة.
7
– إعداد برنامج العمل السنوي الخاص بأنشطة المؤسسة والعمل على تنفيذه بعد دراسته من قبل مجلس التدبير وعرضه على مدير الأكاديمية.
8
-وضع تقرير عام سنوي حول نشاط وسير المؤسسة وعرضه على مجلس التدبير
9
-إبرام اتفاقيات الشراكة.
2
– مهام بمعية مجلس التدبير باعتباره رئيسا ومرجحا للكفة حيث حصرها المرسوم رقم 376 في المادة 18 : في سبع مهام:
1
– التشريع: اقتراح مواد القانون الداخلي للمؤسسة أوتعديلها. صياغة عقود الشراكة أوالتوأمة أو الاحتضان…
2
– التخطيط: المصادقة على البرنامج السنوي العام ورسم السياسة التربوية للمؤسسة على المدى القريب والمتوسط.
3-التوقع:
وضع خريطة تربوية توقعية وتوطين قضايا كبرى من عيار التدفق المدرسي- الهدر المدرسي- التوجيه المتوازن- التوزيع المتكامل- الدعم المرتكز على تشخيص التعثرات- معدلات النجاح – معدلات الفشل- الحاجيات- مجالات صرف الموارد المستخلصة- البحث عن مصادر جديدة…
4
– التنظيم:تنظيم أشغال المجالس التقنية الأخرى والتنسيق بينها.
5
– الإشراف على إنجازات المجالس ومشاريع المؤسسة.
6
– التقويم والاستثمار: تقويم برامج المجلس التربوي قبل المصادقة عليها واستثمار نتائجها ونتائج المجلس التعليمي والقسم والتوجيه والمجلس الانضباطي في صياغة مشاريع الضبط التربوي والتدبير التشاركي والدعم المؤسسي وتعزيز التفوق والامتياز…
7
– الإشراف على الصيانة والسلامة وفتح ورش الإصلاح والترميم.
رغم التبني المتقدم لمقاربة التدبير التفاعلي الإنمائي على مستوى الخطاب ومفردات صياغة التوجهات الكبرى لازالت المادة 11 من المرسوم رقم376 تفصل على مستوى الممارسة بين مهام مؤسسة المدير ومؤسسة مجلس التدبير أقول مجلس التدبير وليس المجلس الداخلي ذو الهامش الاستشاري الضيق وهو فصل يكرس بوعي أو بدون وعي لبنية التسيير ويدمج في توليفة هجينة لمؤسستين موازيتين لاتلتقيان أبدا الأولى تمتح من الفلسفة العقلانية المرتكزة على مقولة:" العقل مركز وحيد مالك للحقيقة المطلقة" ويستتبع ذلك على المستوى الإداري نهج السياسة المركزية المحتكرة لكل السلطات وصانعة كل القرارت والثانية تستند على الفلسفة التجريبية كإطار مرجعي حيث تعتبر الواقع والتجربة هما مصدر الحقيقة وما يتأسس عن ذلك على الصعيد الإداري من حكامة تدبيرية جهوية ومحلية… وإشراك للفاعلين في اتخاذ القرارات ونحت نماذج العمل وآليات التدبير التشاركي…إنه الخلط المنتج للشلل والجمود بين نموذجين متعارضين : مؤسسة المدير المؤطرة بنظرية إيكس لدوغلاس مايكر يجور الكلاسيكية المستندة على نظرية الرجل الاقتصادي حيث العامل يكون كسولا ولايحب إلا مصلحته ولايوظف من طاقاته إلا القليل ولا يكترث بالعلاقات الإنسانية همه الوحيد هو المادة بل أشبه بآلية بيولوجية لابد لها من سلطة تجبرها على الالتزام بحرفية التعليمات ومن نظام عقوبات صارم لرفع من كفايتها الإنتاجية…ومؤسسة مجلس التدبير متشبعة بالمبادئ العامة لنظرية إيكريك الحديثة فالعملية الإدارية عملية اجتماعية في المقام الأول تحتاج إلى تحفيز السلوك الاجتماعي ورد الاعتبار للعلاقات الإنسانية بين الرئيس والمرؤوسين كما تحتاج إلى تنويع الأساليب من تجريب لنماذج العمل إلى دراسة الحالات ومراعاة الظرفية والوضعيات الجديدة وتدرج في الحاجات وتبني لمقاربة النظم وآلية فريق العمل…فهذا الإسناد الجديد للمهام لم يأخذ بشكل جدي متطلبات التحول من بنية التسيير إلى بنية التدبير فلم يطرأ أي جديدعلى وظائف المدير باستثناء التسميات والنعوت الجديدة التي لاتعكس تحولا حقيقيا في بنية النظام الإداري يشي بانتقال حقيقي من المركزية والتركيز إلى اللامركزية واللاتركيز من الحكامة المركزية إلى الحكامة التدبيرية الجهوية والمحلية فأمسى كل نعت للمدير بالقائد التربوي أوالقيادة التربوية الجماعية في السياق الإداري الحالي عار من كل تنفيذ…
أما المادتان 12 و13 فتحددان مهام مدير الدراسة وتختزلها في خمسة:
1
– تتبع وتنسيق أعمال الموظفين القائمين بمهام العمل التربوي…
2
– السهر على تنفيذ البرامج والمناهج والأنشطة التربوية المختلفة.
3
– تنظيم وتتبع ومراقبة مختلف عمليات التقويم والامتحان…
4
– الإشراف على تنظيم التداريب الخاصة بالتلاميذ…
5
– المساهمة في توجيه وإرشاد التلاميذ لولوج الأقسام التحضيرية للمعاهد والمدارس العليا وأقسام تحضير شهادة التقني العالي.
أما ناظر المؤسسة فيقوم بست مهام:
1
-تتبع أعمال الموظفين القائمين بمهام العمل التربوي وتنسيقها.
2
– السهر على تنظيم العمل التربوي ووضع جداول الحصص الدراسية.
3
– تتبع تنفيذ المناهج والأنشطة التربوية المختلفة.
4
– إنجاز الأعمال التمهيدية لأشغال المجلس التربوي وتطبيق مقرراته.
5
– العمل على تنفيذ جميع الإجراءات التطبيقية لإنجاز العمل التربوي.
6
– المشاركة في تنظيم مختلف عمليات التقويم والامتحانات ومراقبتها.
تعليق:
إن المتفحص لقائمة المهام المسندة لمدير الدروس والناظر رغم اختلاف الوظائف وفضاء العمل يلاحظ للوهلة الأولى التقاطع في المهام ذات النزوع التربوي مما يفضي إلى التداخل في الصلاحيات والاختصاصات، بل قد يقود إلى النزاعات كما الحال في مهمة النيابة عن المدير.بالإضافة إلى أن هذا التكرار في الأدوار لايخدم بنية التدبير المرتكزة على المثلث السيبيرنيتيكي: التخطيء الإنجاز، والتقويم…
في حين تستقل المادة14 من المرسوم الوزاري 376 بمهام رئيس الأشغال وتحصر عددها في ثمانية:
1
– المشاركة في برمجة مختلف أنشطة وحصص مواد التعليم التقني.
2
– المساهمة في مختلف التقويم والامتحانات وتتبعها ومراقبتها.
3
-التنسيق بين فروع التعليم التقني النظري والتطبيقي.
4
– وضع برمجة سنوية لأنشطة التعليم التقني اعتمادا على مقررات المجالس التعليمية للشعب التقنية وتحديد خطة تطبيقها والسهر على تنفيذها.
5
-تنظيم مختلف أجنحة المشاغل والمختبرات وترتيب المعدات والمواد الأولية المستعملة بها وترشيد استغلالها والعمل على صيانتها.
6
– تنظيم التداريب والزيارات الميدانية لتلاميذ وأساتذة شعب التعليم التقني.
7
– العمل على ربط علاقات مع القطاعات السوسيواقتصادية لفائدة شعب التعليم التقني.
8
– اقتراح اقتناء وتجديد المعدات الخاصة بالتعليم التقني.
تعليق:
ينهض رئيس الأشغال بثمان وظائف متكاملة تشكل منظورا متطورا في مجال التدبير سواء على مستوى: التدبير التربوي أو تدبير الزمن الدراسي أوتدبير المكان أوتدبير المعلومة الممهننة أو تدبير الموارد في إطار توليفة تؤمن التداخل بين الاختصاصات وتوسع من هامش المبادرة والابتكارية…
بينما المادة 15 :
فتحدد مهام الحارس العام للخارجية في سبع مهام:
1
– تتبع أوضاع التلاميذ التربوية والتعليمية والسيكولوجية والاجتماعية والصحية.
2
-ضبط ملفات التلاميذ وتتبعها وإنجاز الوثائق المتعلقة بتمدرسهم.
3
-مراقبة تدوين نتائج التلاميذ بالملفات المدرسية من لدن المدرسين وإنجاز الأعمال الإدارية التكميلية المتعلقة بها.
4
-تلقي التقارير بخصوص انضباط التلاميذ وعرض غير المنضبطين منهم على مجالس الأقسام عند الاقتضاء.
5
-تنسيق أعمال المكلفين بمهام الحراسة التربوية العاملين تحت إشرافه وتأطيرهم ومراقبتهم.
6
– المشاركة في مختلف عمليات التقويم والامتحانات وتتبعها ومراقبتها.
7
– إعداد تقارير دورية حول مواظبة وسلوك التلاميذ وعرضها عل مجالس الأقسام.
تعليق:
يبدو من الوهلة الأولى أن منصب الحارس العام هو المسؤول عن التلاميذ بضبط سلوكاتهم وتقديم الخدمات الإدارية والتربوية والاجتماعية والصحية اللازمة لكن بعضها يتجاوز تكوينه إلى تخصصات المرشد النفسي والأخصائي الاجتماعي…كما أن بعض هذه الأدوار تتقاطع مع بعض مهام المدير كالمحافظة على سير النظام وتوفير شروط الصحة والسلامة…لكن التقاطع يبلغ ذروته في مهمة النيابة عن المدير غير المقننة بمادة في المرسوم وفي مبدأ تفويض التوقيع وبعض الصلاحيات غير المفعل وكذا تداخل المهام بخصوص الإشراف وتأطير أطرا لدعم المساعدين للحارس العام فبالنسبة للمدير يتولى:مراقبة العاملين وفيما يخص الحارس العام:"تنسيق أعمال المكلفين بمهام الحراسة التربوية…"
وأخيرا المادة 16 :تختزل مهام الحارس العام للداخلية في خمس مهام:
1
– المحافظة على النظام والانضباط في القسم الداخلي.
2
-السهر على راحة التلاميذ وضمان استقامتهم ونظافة محيطهم.
3
– مراقبة الأنشطة التربوية.
4
-تنشيط الحياة الثقافية والرياضية والفنية لتلاميذ الداخليين.
5
– تقديم المشورة لنزلاء الداخلية.
تعليق:
تبدو المهام المسندة للحارس العام للداخلية منسجمة ومتكاملة رغم التكرار الذي شاب المهمة الأولى والثانية ورغم غياب مهمة تتبع نتائج النزلاء الدراسية وكيفية دعمها وتدبير أوقات فراغ النزلاء داخل الزمن الدراسي…وربما ذلك بسبب نقص أطر الدعم المساعدة وبسبب غياب أجهزة تداولية وتنفيذية كمجلس تدبير الداخلية ومجلس النزلاء…ليتم إشراك كل المعنيين بشأن الداخلية في تدبير أمورها المختلفة…
تركيب عام:
من خلال تفحص جدول مهام أطر الإدارة على ضوء مقاربة كمية تبدو قائمة مهام المدير الأكثر كثافة وثقلا من حيث الأعباء وتليها قائمة مدير الدروس مما يشي بأن هاجس تجميع السلط التربوية واحتكارها في مركز إطار من أطر فريق العمل لازال حاضرا وأن مسعى التجديد التربوي ودمقرطة الحياة المدرسية والانتقال بالمجالس من درجة التمثيلية إلى مستوى المشاركة في صنع القرار لازال هدفا بعيد المنال في الوقت الراهن على الأقل أما الأوان لمراجعة هذه المهام وإعادة توزيعها بشكل مدقق ومتكامل بما يخدم بنية التدبير التشاركي المرتكز على التعاقد والنتائج وترسيخ المسؤولية والتحفيز…ويتناغم مع آليات اشتغالها.
1 Comment
كلما قرأت القوانين المنظمة لمهام المدير في المغرب(خصوصا مصوغة تكوين المديرين) إلا واستغربت استغرابا شديدا …فمن يستطيع أن ينجح في مهمة ليس فيها إلا المسؤوليات المتعددة الاختصاصات وتتطلب حضورا وقدرات وموهبة خارقة ولياقة بدنية عالية ، وليس له من معين. وكل الظروف والتوقعات ضده.. وهو مضطر أن يرضي المسؤولين والمتدخلين على تنوعهم بأي طريقة ، ومرغم أن يرفع التقارير ويقول كل شيء بخير …ومادام شركاء المؤسسة غير مهتمين وراضين بدورهم في المؤسسة وقبولهم بالمساهمة في تسييرها ، ومادام المصالح المركزية تستحوذ وتستأثر بالعنصر البشري والإمكانيات وتترك إدارة المؤسسات فقيرة وبدون العنصر البشري المكون النشيط ، ومادامت القوانين تركز كل المسؤوليات في شخص المدير فستبقى المؤسسة هيكلا بدون روح…