بعد ـ استحالة تطبيق ـ الاستفتاء، جثمان ـ الاستقلال ـ يشيع إلى مقبرة الأمم المتحدة
الرباط23-4-2008 (بقلم: عبد الكريم الموس)عبر تاريخ الإنسانية ،والتاريخ، كما هو الشأن بالنسبة للعدالة، يتطلب قرائن للإقناع ، لم تفلح كذبة شنيعة ، حتى لو كانت حبكتها جيدة ، في قتل فكرة سليمة تم صياغتها بشكل دقيق.
إن كذبة المطالبة باستقلال الصحراء، الذي ما فتئت تردده الجزائر في خطابها الرسمي منذ أزيد من ربع قرن، قد اندثرت إلى أشلاء على الأرضية الصلبة للأمم المتحدة، بشكل لا يحتمل أية قراءة مزدوجة للموقف الأممي.
وقد صرح السيد فان والسوم، باعتباره المبعوث الشخصي للأمين العام للامم المتحدة والمخول له رسميا التعبير عن آراء السيد بان كي مون بخصوص ملف الصحراء، يوم الاثنين الماضي أمام مجلس الأمن ، أن "استقلال الصحراء الغربية لا يعتبر خيارا واقعيا"، ليوقع بذلك على شهادة وفاة هذه الكذبة ، شهورا فقط بعد أن طرقت الأمم المتحدة آخر مسمار في نعش فكرة الاستفتاء حول قضية الصحراء، الذي تأكد استحالة تطبيقه على أرض الواقع.
وهذا الواقع ليس بطبيعة الحال ثمرة تفكير بسيء تم القيام به في مكتب مغلق بمقر الأمم المتحدة بنويورك، حيث أن السيد والسوم يحمل في جعبته مجموعة من الزيارات الميدانية والعديد من المباحثات مع الأطراف المعنية ، كما أشرف على أربع جولات من المفاوضات بمانهاست، فضلا عن تجميعه لملاحظات سياسية واقتصادية وسوسيولوجية وتاريخية وجغرافية وانسانية، تم التحقق منها بشكل كامل في عين المكان.
وفضلا عن تجربته ، يتوفر السيد والسوم ، اللهم بالنسبة للذين لا يفرقون بين الأبيض والأسود، على رؤية سياسية راهنة، وحدس وكفاءة تستجيبان لمتطلبات العصر.
وبالقيام بقراءة محايدة ، ولكن مسؤولة لتصريحات السيد والسوم، يمكننا أن نفهم دون عناء بأنه عندما يتعلق الأمر بمشكل الصحراء فإن كل الخيارات واردة باستثناء خيار الاستقلال، وهو ما يقترب، في هذه النقطة بالذات ، من موقف المغرب الذي تم التأكيد عليه وشرحه والدفاع عنه لسنين طويلة، وهو الموقف الذي يتمثل في أن كل شيء قابل للتفاوض باستثناء طابع البريد والعلم الوطني رموز السيادة، وهو ما جاءت لتؤكده ، بشكل واضح، المبادرة الوطنية حول تخويل الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا موسعا، والتي وضعت ضمن إطار مقاربة حداثية وديمقراطية ومنفتحة على الإضافات التي من شأنها أن تغني هذه المبادرة ، وكذا التي تلتقي مع الأفكار المواطنة و تلبي التطلعات المشروعة لأبناء المنطقة في العيش الكريم في ظل الكرامة والحرية.
والحالة هاته ، فإن السيد والسوم الذي فجر هذه الحقائق ليس إلا ممثل للسيد بان كي مون، الذي بدوره يمثل مجلس الأمن باعتباره أعلى هيئة أممية تسهر على استتباب الأمن والسلم الدوليين.
فإذا كانت المجموعة الدولية برمتها، من خلال الأشخاص والهيئات المتدخلة، تقول كفى من المناورة، فإن الانسجام السياسي والدبلوماسي قد حان وقته.
لقد انتهى عصر المفاهيم القديمة والنماذج الجاهزة التي كانت سائدة أثناء الحرب الباردة، لاسيما وأن أطراف هذا الصراع البائد انتهوا إلى الحوار والتعاون وتهنيء بعضها البعض من أجل بناء عالم اليوم سويا .
وإذا كان الأمر كذلك ، فكيف يعقل أن يظل أولئك الذين كانوا يلعبون أدوارا ثانوية بل أقل من ذلك ، مصممون على التشبث بمواقفهم وفي جبهة تم إقبارها بدون رجعة، عمليا ورسميا، منذ انهيار جدار برلين..
وكما كان منتظرا، جاء تصريح السيد والسوم ليقدم توضيحا في العمق ، وليبعث برسالة بالغة الوضوح، لا يتعذر فهمها على أحد ، حتى بالنسبة للصم البكم.
ولعمري فإنه على الجهات المعنية أن تستفيد من الدروس التي يقدمها هذا الخطاب ، حتى لاتظل حبيسة قوقعتها التي تفضل العيش بها في معزل عن متطلبات موقعها الجغرافي، وبعيدة عن الانخراط في محيطها الجيوسياسي.
وقد سارع "البوليساريو" ، كما هي عادته ، للرد على تصريحات فالسوم ووصفها ب" العبثية ". ولا شيء مثير في ذلك لأن قادة ما يسمى " الجمهورية الصحراوية " الذين صنعتهم الجزائر في غفلة من الزمن، يعانون منذ مدة من هلوسة جماعية إلى درجة فقدان اللياقة وممارسة الشتيمة والكلام البذيء.
وبغض النظر عن هذا الأمر ، فإن ما يستحق التوقف عنده هو ما يأتي من الجزائر، لأن شرذمة البوليساريو لا تقوم سوى بترديد ما يأتيها من صنيعتها الجزائر ، من قبل مجموعة من الأشخاص يجرون فشلا تلو الآخر.
وأكد فالسوم أن الوضع القائم حاليا في الصحراء مقبول بسهولة حتى من أولئك الذين يقدمون دعما لامشروطا للبوليساريو والذين لم يعيشوا هم أنفسهم يوما من الأيام في مخيمات . ويعود للجزائر ،وللجزائر وحدها التأمل في هذا الاستنتاج الذي توصل إليه المبعوث الشخصي للأمين العام للامم المتحدة ، وأن تتساءل بالتالي كيف أن البعض ، في الجزائر العاصمة ، يمكن أن يشعروا بالفخر ويتلذذون بمأساة الآخرين ومعاناتهم ، خصوصا عندما تنطلق هذه المعاناة من أرض الجزائر نفسها كما هو الحال في مخيمات تندوف ..
إن الأمر يتعلق بقضية حساسة يتعين على الحكماء والشجعان سياسيا معالجتها ببرودة أعصاب . فالمجموعة الدولية اليوم تسعى لحل هذه المسألة بالذات من خلال تبنيها بشكل جماعي لصوت العقل بشكل لا يترك مكانا للمهاترات الكلامية ولا للمناورات الدبلوماسية وما يرافقها من حسابات ضيقة. فقد بادرت دولتان دائمتا العضوية في مجلس الأمن بالرد على تصريحات والسوم ، حيث وصفتها الولايات المتحدة بأفكار "صريحة تستحق أن تأخذ بعين الاعتبار بشكل جدي" ، وهي الأفكار ذاتها التي عبرت المملكة المتحدة بشأنها عن ارتياحها ، حيث أكدت أن المقترحات المغربية جدية وجديرة بالتقدير.
ولا داعي للتذكير بالمناسبة أن المبادرة المغربية حول الحكم الذاتي خلفت موجة من الدعم والتأييد في كل مكان في العالم.
في المغرب العربي أولا حيث تتطلع الشعوب إلى حياة هادئة في إطار اتحاد مغاربي وفي العالم العربي ثانيا حيث تدعم الجامعة العربية الوحدة الترابية للمغرب وهو الموقف الذي عبرت عنه الكويت مؤخرا بكل وضوح في البيان الختامي للدورة السادسة للجنة المختلطة العليا المغربية الكويتية.
وهل يجب التذكير أيضا أن عبارة " الجمهورية الصحراوية" لا وجود لها في الدوائر الدبلوماسية الأوروبية من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب ، وأنه لا أحد من بين البلدان الأعضاء الدائمة العضوية في مجلس الأمن يعترف ب" الجمهورية الصحراوية" ، وأن الدول الكبرى في إفريقيا (باستثناء جنوب إفريقيا التي يحكم موقفها منطق تجاري صرف ) ، وآسيا وأمريكا اللاتينية تجهل تماما، شيئا إسمه " الجمهورية الصحراوية" أو "البوليساريو".
هذه ، إذن، معطيات حقيقية تكشف مدى التزييف والمغالطات التي تنشرها الجزائر بلا حساب دعما لاستراتيجيتها لنشر التوتر في المنطقة ، وهي استراتيجية لا تخفي نواياها الحقيقية ومواقفها التي جعلت من التعنت شعارا لها .
ففي كل مرة يقوم فيها المغرب بخطوة إلى الأمام ويمد يدا أخوية، تنغلق الجزائر على نفسها وتنسى أنها بذلك تدفع المغرب العربي برمته إن لم يكن نحو سكتة قلبية شاملة فعلى الأقل نحو شلل تام .
أما الشعب المغربي فسيظل مؤمنا بالمستقبل ويتطلع إلى أن تسود الحكمة والتعقل لدى قادة الجزائر.
Aucun commentaire