نافذة على المدرسة الوطنية : المجموعة القصصية « الاستبداد الناعم » للقاص المغربي علي عبدوس .مقاربة ميكروسردية:الصورة البلاغية النوعية
4-الطاقة اللغوية:
التكوين النصي للقصة يخضع لبنية الإخبار و »لتنظيمات الخبر السردي وفق المسافة والرؤية « كما يرى جيرار جونيت*2، من هنا كان الإكثار من الجملة الفعلية لما تطفح به من حيوية، وقوة دافعية تسمح بانطلاق رحلة البحث عن الحبيب المفتقد، وتبديد الإحساس بالتخلي ،ثم الاستعانة بالجملة الاسمية لتبطيئ السرد، ووصف الشخوص وإبراز ملامحها الخارجية ،دون النفاذ كثيرا إلى أعماقها لسبر أغوار ترسبات النفس البشرية ، وإجراء حوار مكشوف بين أمكنة الحدث العاطفي ، وأزمنته .مشغلا لغة تصويرية وتعبيرية وشعرية، تجنح إلى التفتيت المفضي إلى ازدحام الرؤى ، وإلى المفارقات التي تخلق الإيهام بين عالم النص وعالم الواقع ، فتمتح من الحقل المعجمي الطبيعي، الموسوم بالرومانسية المحيلة على جمالية مشاهد الأرض وجبال الأطلس ،والسماء، والمدينة، والضواحي، والحديقة…أو على زمن النفس وما يمور به داخلها من حرقة الشوق، وحميا الوصل بعد هجر السنين ، بواسطة مؤشرات لغوية مثل:اشتقت ،أرقني ، ملكتني الرغبة ،الود والأحلام ، الأنس، والمرح ،ونستمتع، أطرب ،شدني الحنين …حضنتني ،إحساس لذيذ ، قبلتها ، قبلتني … .
تتميز لغة السرد بحساسية شعورية، وبرهافة حسية ،ونزوع جامح نحو التفاصيل الصغيرة ،والجزئيات البانية لكلية صورة الموضوع : »الاستبداد العاطفي ،والاستئثار الأنوي لإشباع حاجات نفسية ، مقموعة من رقيب القيم، والتمرد على سلطة مؤسسة الرغبة، وشق عصا الطاعة على وازع الأعراف الاجتماعية ، التي تتمفصل عنها عدة صور فرعية:
– كصورة الشخوص :حيث الراوي المغامر بتجربته العاطفية، والمتحدي لقيم المؤسسة في سبيل تحقيق وطره النفسي، وشخصية « أمينة » الجميلة والجريئة، والواثقة من قدرتها على التحكم في آليات السيطرة على الرجال…
– وكصورة المكان في مدينة أمينة، إذ شهدت تحولا عمرانيا بسيطا ،حيث لاتزال الهشاشة والفقر والإقصاء هي مواد بناء دور الإقامة، التي يغيب فيها الاستقرار الكريم، والمناصفة في توزيع الأدوار بين الرجال والنساء، بشكل يحفظ العفة والإحصان.
5-الطاقة البلاغية:
إذا كانت الصورة حسب مصطفى ناصف في كتابه الصورة الأدبية ص3/3* : » تعبيرا حسيا مرادفا للاستعمال الاستعاري للكلمات » ،فإن القاص علي عبدوس آثر أن يقدم عمله السردي، على شكل صورة فنية كلية حول « الاستبداد » تتمفصل عنها صور بلاغية جزئية.فعلى امتداد صفحات 3 و4/4* ،يستعمل علي عبدوس في بناء صورته الأثيرة : »الاستبداد النفسي » الاستعارة التصريحية ، فالاستبداد كما يرشح من دال العنوان ، يتحرك بدافع إنساني غريزي، صادر عن نفس مهذبة أشبه بكائن أليف مؤنس، نتعلق به لنستدر عطفه من خلال ملامسة وبره الناعم ،كي يتجه نحو الانفراج والإشباع بحركة رشيقة ،ويحقق التحولات بلمسات أنيقة ص3 .و كاستعارة الابتسامة من شفتي الفم ،ونسبتها إلى العينين في الصورة الجزئية الأولى، المتمفصلة عن الصورة المحكي الرئيسي الكلية للتعبيرعن بواعث المغامرة العاطفية ،وتجذيرتداعيات هجوم ذكريات الماضي. أو استعارة المداعبة والرقة من أنثى لطيفة، ونسبتها إلى أنغام هامسة وشجية تتسلل إلى أعماق النفس ،لتلاطفها وتعيد إليها الحياة ، ومثل استعارة السربلة من الثياب لتدثر البيوت بغلالة من الضباب، وتنشر عليها الستر والوقار، وكاستعارة التعثر من كثافة المارة ، وحدبات الطريق ، واستعارة الخدر من مسكر الحياة ، ونسبته إلى إحساس الروح لتبرير اختراق البطل للخطوط الحمراء ،لمنظومة القيم التي ترتكز عليها مؤسسة الزواج ص4.
إذا كانت الاستعارة هي « أداة للتجسيم وتشخيص البناء اللغوي، والوجدان الإنساني. ص135 /5* فإن القاص علي عبدوس استطاع باقتصاد لغوي، وتكثيف دلالي أن
يرسم صورة نوعية بليغة، في منجزه السردي « الاستبداد الناعم » تختزل أربعة مسارات مشهدية لبناء صورة : »الاستبداد » الكلية التي تحيل على سياقات اجتماعية ،يتقاطع فيها الإقصاء والتهميش، والقرب والبعد، ويتفاعل في بؤرها النفسية الإحساس بالتخلي ،والشعور بالفقد، ضمن توليفة الاستئثار بمركز أنا الذات النازفة فراقا، والمتخنة بجراحات الماضي، ونتوءات المنع والميل ، مع « موضوع قيمة » مؤرق بثقل تلوينات تداعيات الطيف الاجتماعي والنفسي ،وتجاذبات ثنائية سلطة الرغبة والأعراف داخل المسارالحكائي، الذي يتحرك فيه البطل المغامر حيث تتحول فيه الاستعارة إلى » عبورمن الحسي إلى الخيالي ،من الفكري إلى الرمزي. » ص138 /6*
فيصبح الاستبداد مدخلا للطرح الموضوعي ،وأداة للتحليل النفسي والاجتماعي، ومنفذا إلى داخل طبقات الاستئثار لتصوير النزعة الأنوية ، في بعدها الصراعي الدرامي.فيحق التساؤل هل نحن أمام استبداد موضوعي محيل على ربيع حراك اجتماعي، مبشر بثورات تغييرية ناعمة ، أم أمام استبداد ذاتي يشيئ المرأة، و يروم تحقيق الرضى والإشباع والامتلاك، ولوعلى حساب القيم. ليستحيل الاستبداد حسب يونج إلى » رمز، ووسيلة لإدراك مالا يستطيع التعبير عنه بغيره. « . ص153 /7* فالاستبداد بديل لامعادل له لفظيا ،يصعب الخوض في إحالاته السياسية والنفسية والاجتماعية، نظرا لتعدد هوامشه ومرجعياته. ويمكن عرض صورته ذات الأبعاد اللغوية والجمالية والخيالية ، ضمن الترسيمة التالية :
1-الصورة الإطار « الاستبداد الناعم »
2-صورمؤطرة :
*ابتسامة الأشواق.
*-الذكرى العالقة.
*-حواجز اللقاء.
*-خدر الروح.
وقد يتماهى الغلاف الخارجي الجميل مع هذا التقسيم،في تجسيم مرا حل المغامرة العاطفية، واختزالها في ثلاث وريقات لغصن يبحث عن وصل بشجرة الذكريات ، وتجارب الحب التي لم يكتب لها الالتئام بشكل دائم. فالوريقة الأولى ذات اللون الأخضر، ترمز لبداية العلاقة الوجدانية التي أينعت رغم الفقر والرقيب بفضل اندفاعية التجربة الأولى ،وحيوية زهوالشباب . أما الوريقة الثانية، وقد اصفرت وذبلت فتحيل على ضمور المحب، وشحابة وجهه بفعل استطالة الصد وإشاحة وجه الهجران ،واستغراق الفراق مددا حفرت في ذاكرة المعيش اليومي ،عدم القدرة على الاستمرارية في الاختيار الحياتي، الذي شق طريقه كل طرف على حدة . مما يمنح رحلة البحث عن المحبوب مبررالشروع فيها . بينما الوريقة الثالثة والأخيرة، بمثابة رصاصة الخلاص والموت الرحيم ، الذي يبعث ببارقة الوصال ويقدح جذوة ومضة الحياة، وبريق الأمل، ليلتئم الشمل بين المتباعدين للحظات ،سرعان ما يخيم سواد الفراق وانصرام حبل الرجاء، على عابر لقاء يبشر بسراب قادم.





Aucun commentaire