Home»Débats»نبوءة الرسالة

نبوءة الرسالة

0
Shares
PinterestGoogle+

صديقي العزيز الشياظمي

عندما شاهدتك لأول مرة بالحراسة العامة , تصافحنا بحرارة كبيرة , صحيح أنه لم يسبق لأحدنا التعرف على الآخر , و لكن يكفي أن رحلة المتاعب ستجمعنا , و مع مرور الأيام و الأسابيع , تمكنا من التعرف على بعضنا جيدا , فتوطدت علاقاتنا على الرغم من اختلاف تجاربنا , و تكويننا الفكري و السياسي , فهذا لا يهم أمام قوة العلاقة الإنسانية , و مبدأ الغيرة على المدرسة الوطنية , و الحرص على مستقبل تلامذتنا.

صديقي العزيز

لقد ارتأيت أن أوجه إليك هذه الرسالة عبر جريدة وجدة سيتي التي يديرها زميلنا قدوري الحسين الذي نكن له كل التقدير و الاحترام , لتكون مفاجأة و أجمل هدية أقدمها أليك بعد الفترات الصحية العصيبة التي مررت منها نتيجة رفضك القاطع للأوضاع بالمؤسسة التي آلت إليها ثانوية عبد المومن التأهيلية , فقادك هذا الرفض و هذه الغيرة إلى قضاء ليلتين بإحدى المصحات ثم الخلود إلى راحة اضطرارية مما أثار مخاوفنا على وضعك الصحي , إنها ضريبة كل الشرفاء في هذا الوطن.

صديقي العزيز

إن الغاية من هذه الرسالة من جهة هي تلطيف الأجواء لديك , و تذكيرك بأن من يحمل هم هذا الوطن و قضاياه , لابد أن يرى الحياة من بوابتها الجميلة , و من جهة أخرى ارتأيت كذلك أن أروي لك حلما شاهدته , فأيهما تختار صديقي العزيز ؟ إنني في هذه اللحظات التي أخط فيها هذه الحروف أسترجع ملامح  وجهك , و ها هي ابتسامتك توحي بأنك ترغب في الأجواء اللطيفة , فليكن كذلك.

الأكيد أنك تتذكر أن إخواننا الأساتذة و المكلفين بالإدارة خاضوا في إحدى أيام الله وقفة احتجاجية في ظروف لا داعي لذكرها , و الغالبية منهم تظهر على وجوههم الحسرة و الألم مما آل إليه الوضع , و انضم التلاميذ في تلك الوقفة لمساندة أساتذتهم , فرفعوا شعارات يطالبون فيها بتوفير الظروف الملائمة للتدريس , و في هذه اللحظة تقدم أحد أصدقائنا الأساتذة الذي نحبه و نقدره لماضيه النضالي فضلا عن كونه عميد المؤسسة فقال : – يا إخوان علينا أن نرفع شعارات لكي نوضح مطالبنا , ففاجأنا أحد زملائنا الذي تقاعد منذ بضعة أيام فقط بالقول – اُنظروا من القادم , فبدأ يصفق و رفع شعار : ‘ آش جا يدير , جابو … ‘ مرفوقا برقصة خفيفة , فانفجر كل الحاضرين ضحكا . إنه أسلوب رائع في الجمع بين مأساة الوضع و القدرة على تجاوزه بخفة روح.

صديقي العزيز

في إحدى الحصص الدراسية من الساعة الخامسة إلى السادسة مساء , و أنا أجتاز ساحة المؤسسة متوجها نحو حجرة التدريس , فاجأتني إحدى التلميذات بالقول : – أستاذ , اُنظر إن الثانوية أصبحت تشبه الولي سيدي يحيى , فهمت مقصدها و أجبتها بنعم , فبعد أشهر كثيرة من الظلام الذي ألفناه في ساحة المؤسسة و ممراتها , ها هم الأولياء يعيدون إلينا الضوء من جديد. و بعد مغادرتي المؤسسة ظلت تلك الأضواء تتراقص أمامي و كلما مررت بأحد الشوارع المظلمة إلا و تراءت لي بقوة , و بعد وصولي إلى منزلي و الانتهاء من انشغالاتي بدأ النوم يداعبني ثم استغرقت في نوم عميق فعشت حلما , أستعطفك زميلي أن تصدقه , و لعلني أراك و أنت تلح على معرفته . فإليك هذه الحلم :

– رأيت أنني متوجها إلى ثانوية عبد المومن التأهيلية لاستهلال فترة العمل ابتداء من الساعة الثامنة , و أثناء سيري قررت أن أدخل من الباب المخصص للتلاميذ , فأسرعت بالمشي حتى لا أتسبب في الهدر الزمني , و عندما اقتربت من باب المؤسسة اندهشت , فعيناي لا تصدقان ما أرى , كل التلاميذ يرتدون وزرة بيضاء موحدة  , و يلجون المؤسسة في انتظام , حتى الباب الحديدي المهترئ تم تغييره , ماذا جرى إنني لا أصدق ؟ استأنفت المشي و دخلت إلى المؤسسة , و هنا وقفت متسمرا في مكاني مشدوها لما أشاهد , ساحة المؤسسة تغيرت بأكملها , اختفى الحصى و برك الماء و الأوحال . و أصبحت كلها   » زليجا  » , و ممرات رائعة, و أماكن مخصصة لجلوس التلاميذ و حديقة فاتنة بورودها الخلابة , تتوسطها نافورة يسمع خرير مياهها من بعيد ( و سيد الرايس ) واقف بجانب الحديقة يوزع ابتساماته يمينا و يسارا , و التلاميذ ينظرون إليه بإعجاب و بسرعة كبيرة اختفى التلاميذ , فأصبحت الساحة جميلة فارغة إلا من حراس الأمن الخاصين الذين يسهرون على التنظيم و النظام , فالتحقت مسرعا بقاعة الدرس , و بمجرد دخولي القسم كدت أفقد عقلي , يـــا إلـــهي لقد أخطأت طريقي , إنني لست بثانوية عبد المومن , اتجهت نحو الباب فشاهدت ( سيد الرايس ) يتبختر في مشيته , فتأكدت أنني لم أخطئ الطريق , ما هذا القسم ؟ مقاعد جميلة , كل تلميذ يجلس في كرسي مريح , و النوافذ تغطيها الستائر , و طلاء القسم وردي اللون , و مكتب الأستاذ يضاهي مكتب الوزير و السبورة الخشبية اختفت , و  إنارة قوية , في هذه اللحظة طرقت صديقي العزيز باب القسم فأسرعت باتجاهك أتوسل أليك أن تخبرني بالذي حصل , ابتسمت كعادتك و قلت لي :

بالأمس اجتمع الأوصياء على هذه المؤسسة في اجتماع طارئ و حاسم لتدارس هذا الوضع , و بعد أن اشتد الهرج و اللغط , وقف كبير الحكماء فصاح فيهم : كفى !! ألا تعلمون أنني أملك ما لا تملكون ؟ أقسم إليكم أنه لن يرتد إليكم طرفكم حتى تشهدوا العجب العجاب , الصمت ثم الصمت رفع حكيم الحكماء يديه إلى السماء يهمهم بعبارات غير مفهومة , فبدأ الدخان يتصاعد من أقسام المؤسسة حتى غطاها عن الأنظار بأكملها , فنظر إليهم حكيم الحكماء , و طلب منهم الوقوف و الصمت , فبدأ الدخان يقل شيئا فشيئا , فصاح الأوصياء , عاش حكيم الحكماء , و سارعوا إلى تقبيل رأسه و الإنسحاب في صمت.

عدت إلى مكتبي و أنا أتساءل : ماذا لو فكر حكيم الحكماء في أن يحول كل العاملين بالمؤسسة و تلاميذها إلى … !! لا هذا لن يحدث . و هنا استيقظت من هذا الحلم و أنا أبتسم

طابت ليلتك صديقي العزيز , و أتمنى لك الصحة و العافية و الأحلام اللذيذة.

و السلام

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

3 Comments

  1. salim
    23/01/2012 at 23:44

    esperons votre houlm yathakak yawman ma

  2. محمد السباعي
    24/01/2012 at 09:27

    نص رائع وعبارات رقيقة تبعث فيناالأمل من جديد وتمدنا بالقوة اللازمة لمقاومة الرداءة. مقال يعكس نفسا إيجابيا لدى الأستاذ زريبة الذي يحلم دائما بالأحسن ولو في أحلك الظروف. ذكرتني أخي بالمثل القائل: كن جميلا، ترى الكون جميلا. متمنياتي بالشفاء العاجل للأستاذ الشياظمي. .

  3. ismael
    24/01/2012 at 20:51

    باعتباري أحد قدماء تلاميذ عبد المومن باكلوريا علوم رياضية 1989 اتوجه بتحياتي إلى كل أساتذتي و إلى كل العاملين بها، و لن أنسى أيامي بها ما دمت حيا و المؤسسة تحتاج العناية و التقدير من طرف الجميع و تبقى وصمة عار على كل من لا يتألم لوضعها الراهن لقد كانت الثانوية آنذاك قبلة للمتفوقين

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *