ليبيا :إنتصار الثورة ودلالات موقف الجزائر VDEO
رغم الإثنين و الأربعون » فصل شتاء » التي أمضاها القذافي حاكما رهن خلالها قدر الليبيين وإرادتهم لم تكن كما بدا كافية ليقنع هذا الديكتاتور العجوز من السلطة ويستجيب لطموح الشعب الليبي في التغيير وجعل ليبيا تواكب روح العصر ،فكانت النتيجة أن بصم خاتمته بجرائم وفواجع ستبقى عالقة في ذاكرة الليبيين كدرس بليغ على بربرية وهمجية الديكتاتورية. نهاية القذافي بقدر ما كانت مؤلمة بماسيها وفظائعها ،وفاتورتها الباهظة بشريا وماديا ،فإنها مثلت نهاية كابوس جثم على قلوب الليبيين لعقود ،مما جعل الليبيين ينسون كل شيء مع تذوق طعم الحرية وبزوغ الفجر الجديد حقيقة بعدما حلموا به لمدة طويلة.
الديكتاتورية شر مستطير:مع سقوط القذافي وانكشاف حقائق وأسرار مذهلة تفند وتدحض الصورة التي رسمها عن نفسه ،فقد قطع كل ذلك الشك باليقين أن كل ديكتاتور فاسد ، مهما تظاهر بالتقشف والزهد والبساطة.فمن كان يظن أن القذافي يتستر على أخطبوط فساد يقتات على دماء الليبيين وأرزاقهم وشرفهم وهوالذي أ ظهر نفسه طوال مدة حكمه حريصا على البساطة والزهد في الحياة …
الذي يسرق السلطة من الشعب بالقوة والعنف لن تخجل نفسه من ارتكاب شتى أنواع الجرائم.فهل يعقل أن يكون من استغفل وخادع الشعب وصادر أحلامه وتطلعاته حريصا على مصلحته ؟في اعتقادي أن الجريمة الأخطر التي يجب أن يعاقب عليها هؤلاء الحكام المطاح بهم هي جريمة اغتصاب الحكم وفرض وصايتهم على شعوبهم.
التجربة الليبية كانت أكثر تعبيرا عن خطورة وفظاعة الديكتاتورية . فكان حظ الشعب الليبي أسوأ من غيره عندما ابتلي بشخص يحمل كل مواصفات العته والخلل النفسي .فجرد ليبيا من كل مقومات الدولة وأعادها قرونا إلى الوراء فبدت أكثر شبها بعصر الإقطاع ، حيث هو السيد والباقي أقنان وعبيد.نجح القذافي الجاهل الذي لم تتجاوز رجله عتبة المدرسة الإبتدائية في تخدير وعي الليبيين مصورا نفسه قائدا ملهما وزعيم ثورة لا تنجب مثله الشعوب وفي الوقت الذي ينكر استئثاره بأية سلطة على الشعب يبدو بالمقابل مزهوا ومختالا وهو يلقب بملك الملوك وملك إفريقيا …
أزمة هؤلاء الحكام المستبدين ذات أساس نفسي عميق يرتبط بالتملك.إنهم لا يرون في أنفسهم خداما للشعب يتقلدون مسؤوليات عليهم أداءها ،ولا تستطيع جماجمهم الشائخة تصور نوع اخر للحكم إذا لم يشعروا فيه أنهم يملكون الشعب والأرض وما فيها .لذلك ليس من الغريب ملاحظة وجود تقارب وتعاطف وأخوة بين الأنظمة الديكتاتورية وتنافر مع الأنظمة الديموقراطية .
دلالات الموقف الجزئري: فضح موقف النظام الدموي في الجزائر من الثورة الليبية حقيقة هذا الأخير ،وتوضحت الصورة أكثر للمتشككين في تواطؤ هذا النظام ضدا على إرادة الشعب الليبي ،حينما قبل إيواء أسرة القذافي المطلوبة للعدالة الليبية .وكعادته حاول تصوير القضية وكأنه فعل بطولي،لاعبا على وتر « الإنسانية » .إنه لمنتهى الغباء التصديق بالرواية الجزائرية المثيرة للإشمئزاز .فهل يعقل أن يأتي المخاض عائشة القذافي في نفس اليوم الذي وصلت فيه هذه الأسرة إلى الحدود الجزائرية ؟ شعرت بالرغبة في التقيؤ وأنا أقرأ مقالا في جريدة الشروق الناطقة باسم النظام ،حول هذه الواقعة .ذيل المقال بتعليقات جلها تبارك الحدث وتؤيد تصرف النظام ،بعضها قرأ ذلك دليلا على قدسية أرض الجزائر ؟؟؟ …وكأن عائشة القذافي قديسة هربت من بطش الطغاة وليست عنصرا مطلوبا لدى العدالة ومتهمة هي وأسرتها باقتراف جرائم في حق الشعب الليبي.
من بين التبريرات التي يسوقها الساسة الجزائريون في موقفهم السلبي المفضوح اتجاه الثوار هو حساسية الجزائر من التدخل الفرنسي .فلماذا لم يتدخل الجزائريون في بداية الثورة لما وجه لهم الليبيون نداء استغاثة من أجل إنقاذهم من حرب الإبادة التي شنها عليهم القذافي وهم يتظاهرون سلميا مطالبين بالإصلاحات …وكلنا نتذكر صرخات الإستغاثة تلك عبر قناة الجزيرة ولم يفعل النظام الجزائري أي شيء على الأقل من أجل الضغط على القذافي لمنعه من الإستهداف العشوائي للمدنيين .
لوكان النظام الجزائري يمتلك ذرة شرف وإنسانية كما يدعي لما دعم قاتلا سفاحا ضد مدنيين عزل تثبت الأيام هول وفظاعة ما ارتكب في حقهم… التفسير القوي للتموقف الجزائري إلى جانب الحكام الديكتاتوريين هو أن صناع القرار في قصر المرادية ترتعد فرائسهم من إنتقال عدوى الثورة لتنهي حقبة دامت خمسين سنة من احتكار الجيش للسلطة لم يذق فيها الشعب الجزائري طعم الإستقلال .
إنه عصر الشعوب ،عصر صناعة التاريخ … أصبح الشعب أستاذا يقدم دروسا في قمة الوضوح والبلاغة ، لكن الحاكم/التلميذ يبدو في قمة الغباوة لا يستوعب ما يجري من حوله ، ولا يفهم للأسف إلا بعد فوات الأوان …

Aucun commentaire