جائزة الفيفا للسلام وجائزة الأكاديمية الفرنسية أية دلالات؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي

جائزة الفيفا للسلام وجائزة الأكاديمية الفرنسية أية دلالات؟
عرَّف قاموس اللغة العربية المعاصر الجائزة بأنها « شهادة تقديريّة تُعطى للمتفوقين في مختلف المجالات » وعرَّفها معجم المعاني الجامع بأنها » شيء ما يعطى للفائز في منافسة أو مسابقة » وهو ما يعني ضرورة اعتماد مجموعة من المعايير الموضوعية التي يتم على ضوئها تقييم أداء المتنافسين وتحديد المتفوقين بالنسبة للموضوع أو النشاط المعني بالمنافسة، ويتم هذا ضمن عدد من المراحل « الشكلية » المعمول بها في مختلف المجالات والتي من أهمها: الإعلان عن موضوع الجائزة وعن معايير وشروط الترشح لها، استقبال الترشيحات ثم الإعلان عن تلك المستوفية لشروط التنافس، ثم الإفصاح عن تاريخ الإعلان عن النتائج من قبل اللجنة المعنية بدراسة مضامين ملفات مختلف المترشحين، ليتم في الأخير الكشف عن الفائز أو الفائزين على غرار ما هو معمول به على سبيل المثال لا الحصر بالنسبة لجائزة نوبل بمختلف فروعها وتخصصاتها، على الرغم من الضبابية التي تحيط بالمعايير المعتمدة بالخصوص في منح جائزة نوبل للسلام، التي لوحظ في شأنها انحياز لأطراف بعينها دون أطراف أخرى، ويمكن في هذا الصدد الرجوع إلى مقال لي في الموضوع بتاريخ 09/10/2023 تحت عنوان « مصداقية جائزة نوبل للسلام في الميزان » قمت خلاله بجرد مجموعة من الحالات التي لعب فيها العامل الإيديولوجي دورا حاسما، أكتفي بالتذكير في هذا المقام بمثالين اثنين، الأول يتعلق بالناشطة والصحفية اليمنية توكل كرمان، عام 2011، التي مُنحت لها بناء على انخراطها في الدفاع عن حقوق الإنسان والنساء بالمفهوم الغربي للمصطلح، والثاني بناشطة حقوق الإنسان نرجس محمدي عام 2023، لأدائها لنفس دور توكل كرمان بخصوص الدفاع عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان في إيران.
وتجدر الإشارة إلى أنه إذا كان المنطق في شقة البراغماتي يقتضي بأن تكون المعايير المعتمدة في مختلف الجوائز مُتَّسِقة في عمومها مع مصالح الجهات المانحة، فإن ذلك كان يتم على الأقل في احترام الجوانب الشكلية لضمان الحد الأدنى من مصداقية هذه الجائزة أو تك، على عكس ما تم العمل به في حالتي جائزة « الفيفا للسلام » التي مُنحت للرئيس الأمريكي ترامب، وجائزة « الأكاديمية الفرنسية » التي استفاد منها بوعلام صنصال، بحيث تم القفز على كل المراحل الشكلية، وعلى كل ما يمكن اعتباره معيارا موضوعيا ليُفسح المجال لمعيار وحيد وأوحد، ألا وهو معيار « الاستعلاء » الذي لولاه لما أُرغِمت منظمة الفيفا على حشر أنفها في موضوع لا علاقة لها به، في محاولة للتخفيف من صدمة عدم منحه جائزة نوبل للسلام، ولولاه لما لجأت الأكاديمية الفرنسية لمنح جائزتها لبوعلام صنصال في هذه الوقت بالذات، وهو الذي لبث في فرنسا سنين طويلة عبَّر خلالها عن انسجامه مع الخط الإيديولوجي الفرنسي من خلال مواقف علمانية صريحة، من قبيل مطالبته « نزع الإسلام من الإسلاميين »، ومن خلال مساهمته في مهرجان أُقيم في القدس المحتلة عام 2012، ومشاركته عام 2014 في فعالية ثقافية بألمانيا جمعته بالناشر الإسرائيلي آفي بريمور، حسب ما جاء في موسوعة ويكيبيديا. وحتى يتم التمويه على هذا الاستعلاء بالنسبة للعامة، تم ربط مناسبة إحداث الجائزة الأولى بمسرحية ترامب المسماة زورا « وقف الحرب في قطاع غزة » التي تم تمثيلها على خشبة شرم الشيخ، والتي تكمُن « رسالتها » في الضغط على المقاومة الفلسطينية للتخلي عن سلاحها لصالح العدو الصهيوني بمباركة من « شخصيات » المسرحية التي تم اختيارها بما يتماشى مع رسالة المسرحية، فيما تم ربط مناسبة الجائزة الثانية بالمسرحية التي مَثَّلت فيها ألمانيا دور الوسيط في إطلاق سراح صنصال لتُرجِعه مباشرة إلى فرنسا، وهو ما يمثل نوعا من التخفيف من إحراج النظام الجزائري وتقزيمه أمام عموم الشعب الذي عايش إخفاقات هذا النظام في مختلف الجولات التي اصطدم فيها بالنظام الفرنسي، وإلا فما الفرق بين ضغط فرنسي مباشر، وآخر بوساطة ألمانية بإيعاز فرنسي.
ختاما أقول بأنه إذا كان هناك من دلالة لهاتين الجائزتين، فإنها لا تخرج عن كونهما تعبيرا عن عقلية الاستعلاء والعنهجية التي تتحكم في تعامل نظامي فرنسا والولايات المتحدة وكل الأنظمة التي على شاكلتها، مع المستضعفين دولا كانوا أو أفرادا، وإلا فماذا استفاد الشعب الفلسطيني من حصول ترامب على « جائزة الفيفا للسلام » سوى إعفاء العدو الصهيوني من مواجهة المقاومة، وإعطائه الضوء الأخضر لمواصلة التقتيل حسب الطلب، وإنشاء المستوطنات التي كان آخرها مصادقة « المجلس الوزاري السياسي والأمني المصغر الإسرائيلي » على بناء وشرعة 19 مستوطنة في الضفة الغربية، وماذا استفاد النظام الجزائري من جائزة صنصال، غير تقزيمه أمام أنظار العالم في مقابل حصول صنصال على مصداقية لم يكن ليحصل عليها لولا التصرف غير المحسوب للنظام الجزائري الذي كان بمثابة هدية لفرنسا التي تتحين الفرص للضغط على أنظمة مستعمراتها السابقة وإحراجها أمام شعوبها من جهة، وتعميق شعور هذه الشعوب بالنقص والدونية إزاءها.
الحسن جرودي





Aucun commentaire