Home»Débats»هذه الفواجع التي ما انفكت تلاحقنا!

هذه الفواجع التي ما انفكت تلاحقنا!

0
Shares
PinterestGoogle+

يبدو أن قدرنا في هذه البلاد أن تظل الفواجع تلاحقنا وتقلب علينا المواجع، جراء فشل السياسات العامة للحكومات المتعاقبة، التي أثبتت التجارب المتراكمة أنها غير قادرة على التدبير الجيد للشأن العام، وفق ما يرتضيه القائد الملهم الملك محمد الساس في تحقيق التنمية المستدامة والاستجابة لانتظارات المواطنين. إذ أنه وقبل حتى أن تخبو نيران الغضب الشعبي المتأجج في الصدور، جراء فاجعة فاس التي ذهب ضحيتها حوالي 27 قتيلا وعديد المصابين بجروح متفاوتة الخطورة، حتى اهتز الرأي العام الوطني من جديد على وقع فيضانات مدينة أسفي، التي خلف الكثير من الخسائر الفادحة في الممتلكات والأرواح، بينما تستمر الأبحاث جارية عن ضحايا آخرين محتملين تحت المخلفات…

      ذلك أن الفاجعة الأولى حدثت بمدينة فاس على إثر انهيار بنايتين ليلة الأربعاء 10 دجنبر 2025 بأحد الأحياء الآهلة بالسكان، أدى إلى استشهاد حوالي 27 شخصا وعشرات المصابين في بداية الأمر، حيث تواصلت عمليات البحث والإنقاذ، تحسبا لوجود ضحايا محتملين آخرين مازالوا تحت الأنقاض. وقد سارعت السلطات المحلية والأمنية فور توصلها بالخبر المفجع إلى التدخل لتأمين محيط العمارتين المنهارتين وإجلاء السكان المجاورين لهما، في إطار التدابير الاحترازية المعهودة والرامية إلى ضمان سلامة باقي المواطنين الناجين وغيرهم…

      فيما الفاجعة الثانية هي تلك التي شهدها إقليم أسفي مساء يوم الأحد 14 دجنبر 2025، على إثر التساقطات الرعدية الاستثنائية التي ترتبت عنها سيول طوفانية مباغتة جرفت الشجر والحجر والبشر، وخلفت 37 وفاة كحصيلة أولية مؤقتة وقابلة للارتفاع، ناهيك عن الخسائر المادية المروعة. لذا لم يتأخر الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بأسفي في الإعلان غداة الكارثة يوم الاثنين 15 دجنبر 2025 عن فتح بحث عاجل في الموضوع، وهو ما قامت به النيابة العامة عبر الشرطة القضائية للوقوف على الدواعي والأسباب الحقيقية الكامنة خلف هذا الحادث الأليم. فيما تواصلت تدخلات السلطات العمومية ومصالح الوقاية المدنية، والقوات العمومية، وكافة المتدخلين، من خلال استمرار عمليات التمشيط الميداني والبحث والإسعاف وتقديم الدعم والمساعدة اللازمة لكافة الأسر المتضررة، كما شددت السلطات المحلية على الرفع من مستوى اليقظة والحذر والالتزام بسبل السلامة، في ظل التقلبات المناخية الحادة التي تشهدها بلادنا، بما يضمن الحفاظ على الأرواح والممتلكات والحد من المخاطر المحدقة والمحتملة.

      وهما الكارثتان اللتان كشفتا مرة أخرى بالواضح عن حجم التقصير والاستهتار بالمسؤوليات من لدن المسؤولين المحليين وأولئك الذين منحهم المواطنون ثقتهم وأصواتهم للدفاع عن قضاياهم وانشغالاتهم اليومية في الجماعات والبرلمان، مما يطرح عدة تساؤلات حول المسؤولية السياسية والقانونية للمنتخبين على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي، وخاصة فيما يتعلق بالبنية التحتية، وترتيب التجهيزات اللازمة لحماية أرواح الساكنة وتحذيرها بصفة استباقية. ترى أين نحن من المرسوم 80.23.2 الصادر في 29 نونبر 2023 المتعلق بالحماية والوقاية من الفيضانات وتدبير المخاطر المتصلة بها، الذي وقعه رئيس الحكومة عزيز أخنوش، بمعية وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت ووزير التجهيز والماء نزار بركة؟

      فالكثير من المراقبين والحقوقيين المغاربة يجمعون على أن الجماعات الترابية تتحمل القسط الأوفر من المسؤولية، لاسيما فيما يرتبط بتهيئة وصيانة البنية التحتية المحلية، وفي مقدمتها شبكات تصريف مياه الأمطار، الطرق والمجالات الحضرية الحساسة، في حدود ما هو مخول لها قانونا من اختصاصات والمتوفر لديها من إمكانيات، إذ يقتضي الواجب حرص المسؤولين جيدا على تشديد الرقابة والتصدي لمختلف مظاهر الغش والرشوة، التدبير الاستباقي للمخاطر، وإعداد السيناريوهات الممكنة، من حيث الخرائط الاستشرافية وأنظمة الإنذار المبكر والتواصل الوقائي المستمر مع السكان.

      صحيح أن هناك قضاء الله الذي لا يمكن للإنسان أن يعترض عليه أو أن يستطيع رده، بقدر ما يتعين عليه فقط طلب اللطف فيه، ولا أن يجعل منه ذلك المشجب الذي يعلق عليه تهاونه واستخفافه بالمسؤولية، إذ شتان بين المشيئة الإلهية والتقصير البشري، حيث أن مسؤولية ما حدث في مدينتي فاس وفي أسفي، تعود بالأساس إلى انعدام الضمير لدى بعض المسؤولين والمنتخبين وتدبيرهم السيء للشأن العام، في ظل عدم تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ضد المفسدين في الكثير من الفواجع السابقة. فالجميع يعترفون بضعف البنية التحتية في مختلف الجهات، وعجزها الكبير عن استيعاب واحتواء تلك السيول الجارفة من الأمطار والعواصف الرعدية، فضلا عن غياب الاستعداد المسبق لمواجهة مثل هذه الأحداث الموجعة…

      من هنا وفي انتظار إحصاء وتعويض العائلات المتضررة في الكارثتين السالفتي الذكر، لا يسعنا إلا أن ندعو الله للمصابين بالشفاء العاجل، وأن نترحم على الشهداء، سائلين المولى جل وعلا أن يتغمدهم بواسع المغفرة والرضوان، ويسكنهم فسيح الجنان، وأن يلهم ذويهم والشعب المغربي قاطبة الصبر والسلوان. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

      وعلى المسؤولين من ذوي الضمائر الحية على قلتهم استخلاص العبرة مما حدث في فاس وأسفي، الذي يعتبر بمثابة ناقوس إنذار للتنبيه بما تشكو منه البنية التحتية في عديد المدن والجهات من هشاشة، ووجود اختلالات بنيوية، تستدعي الكثير من الحزم واليقظة والرؤية الاستباقية، لمواجهة الفواجع والكوارث قبل حدوثها والحد من الخسائر المادية والبشرية.

اسماعيل الحلوتي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *