Home»Débats»الصحافة بين مطرقة الانتهاك وسندان التواطؤ: حين تنكشف عورات التنظيم الذاتي.. أيها الزملاء لا وقت للسكوت..

الصحافة بين مطرقة الانتهاك وسندان التواطؤ: حين تنكشف عورات التنظيم الذاتي.. أيها الزملاء لا وقت للسكوت..

1
Shares
PinterestGoogle+

مصطفى قشنني

*

في لحظة مفصلية ودقيقة من تاريخ الصحافة المغربية، انفجرت فضيحة أخلاقية وقانونية مدوية، لم تكن لتحدث لولا تراكمات من التسيّب المؤسّسي والتواطؤ الصامت، فجّرها تسريب فيديو صادم من داخل لجنة التأديب وأخلاقيات المهنة التابعة للمجلس الوطني للصحافة في صيغته المؤقتة. الفيديو، الذي نشره الصحفي حميد المهداوي على قناته، لم يكن مجرد تسريب عابر، بل وثيقة دامغة على ما يمكن أن تؤول إليه الأمور حين تتحول مؤسسات التنظيم الذاتي إلى أدوات للانتقام، وحين يُختزل العمل الصحفي في معادلات ضيقة تحكمها الولاءات والمصالح.

الفيديو، الذي خرج من دهاليز مؤسسة يُفترض أنها تمثل ضمير الصحافة، كشف عن مستوى من الانحطاط اللغوي والفكري يجعل المرء يتساءل: هل نحن أمام لجنة أخلاقيات أم أمام فرقة مسرحية تؤدي عرضًا بعنوان “كيف تقتل الكرامة في خمس دقائق”؟ اللغة المستعملة، النبرة، المعجم، كلها كانت أقرب إلى جلسة نميمة في مقهى شعبي منها إلى اجتماع رسمي يُفترض أن يناقش مصير مهنيين. بل إن ما سُمع من عبارات يُدرّس في كليات الانحطاط، لا في معاهد الصحافة.

لكن المأساة لا تقف عند حدود اللغة، بل تتجاوزها إلى مضمون النقاش، أو بالأحرى غياب النقاش. فبدل أن تُناقش الملفات التأديبية بمنطق العدالة، تحولت الجلسة إلى محكمة تفتيش، تُوزع فيها الأحكام بناءً على المزاج، وتُصاغ فيها القرارات بمنطق “من لا يعجبنا، نطحنه”. أما الدفاع، فمكانه الطبيعي هو سلة المهملات، لأن منطق “نحن نقرر، أنتم تصمتون” هو السائد. وهكذا، تُصبح العدالة التأديبية مجرد ديكور، يُستعمل لتجميل وجه مؤسسة فقدت صلاحياتها.

وحتى لا يُقال إننا نبالغ، يكفي أن نُذكّر بأن اللجنة المعنية “المعيّنة”، التي انتهت صلاحيتها القانونية – إن إستند وجودها فعلا على قانون -، لا تزال تمارس مهامها وكأن شيئًا لم يكن. وكأن القانون مجرد اقتراح، يُؤخذ به إذا وافق الهوى، ويُلقى جانبًا إذا تعارض مع الرغبة في الاستمرار. إنها حالة من الشرود الأخلاقي و التمرد المؤسساتي، تُمارس بوقاحة، وتُبرر ببلاغات لا تقل رداءة عن مضمون الفيديو. بل إن الرد على التسريبات كان محاولة فاشلة لتحويل الأنظار من الفضيحة إلى “من سربها”، وكأن الجريمة ليست في ما قيل، بل في من كشفه.

هذا المنطق يُذكرنا بمقولة شهيرة: “لا تعاقب من ارتكب الجريمة، بل من فضحها”. وهكذا، تُصبح السرية أهم من الحقيقة، وتُصبح حماية المداولات أهم من حماية الكرامة، وتُصبح اللجنة نفسها ضحية، لا الجلاد. إنها عبقرية خالصة القرف والخساسة، تُعيد تعريف الأخلاق، وتُحوّل الجاني إلى مظلوم، والمظلوم إلى متّهم. أما الصحافة، فمكانها الطبيعي هو تحت الطاولة، تُكمّم أفواهها، وتُقصّ أجنحتها، وتُحوّل إلى أداة في يد من يُجيدون فنون التحكم.

وفي خضم هذا العبث، يجري إعداد مشروع قانون جديد لإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، وكأن المشكلة في الشكل، لا في الجوهر. وكأن تغيير العنوان سيُغير المضمون. لكن من يتابع خلفيات هذا المشروع، يدرك أنه ليس سوى محاولة لإعادة إنتاج نفس المنطق: منطق الإقصاء، والتحكم، وتوزيع الامتيازات على من يُجيدون التصفيق. أما الحوار، فمكانه الطبيعي هو الرف، لأنه يُزعج، ويُربك، ويُفسد الطبخة.

وإذا كان البعض يعتقد أن هذه الفضيحة ستُمرّ كما مرّت سابقاتها، فإن الواقع يقول إن الكأس قد فاض. فالمهنة لم تعد تحتمل المزيد من الإهانة، والكرامة لم تعد قابلة للمساومة، والصحفيون لم يعودوا مستعدين للعب دور الكومبارس في مسرحية سمجة تُكتب فصولها في غرف مغلقة. لقد آن الأوان لكسر الصمت، ولإعادة تعريف التنظيم الذاتي، لا كآلية للتحكم، بل كمنصة للحوار، وللعدالة، وللشفافية.

لكن قبل أن نحلم بالتغيير، لا بد من مواجهة الحقيقة: الصحافة في المغرب تُدار بمنطق السوق، لا بمنطق الرسالة. تُقاس بالأرقام، لا بالقيم. تُكافأ على الولاء، لا على الجودة. تُدعم من يُجيدون التملّق، ويُقصى من يُصرّ على الاستقلالية. إنها صحافة تُخنق باسم الدعم، وتُقمع باسم التنظيم، وتُحاصر باسم الأخلاقيات. وكل ذلك يتم تحت أنظار مؤسسات تُحب أن تتحدث عن “الريادة”، بينما تغرق في مستنقع الرداءة.

ووسط هذا المشهد الكاريكاتوري، لا بد من طرح سؤال بسيط: من يحمي الصحافة من من يُفترض أنهم حُماتها؟ من يُحاسب اللجان التي تُمارس سلطتها خارج القانون؟ من يُعيد الاعتبار للصحفيين الذين يُهانون في اجتماعات مغلقة؟ من يُوقف هذا الانحدار قبل أن يتحول إلى انهيار؟ إنها أسئلة لا تُطرح في البلاغات، ولا تُناقش في الاجتماعات، لأنها تُزعج، وتُربك، وتُفضح.

لقد آن الأوان لقول الحقيقة كاملة، بلا مواربة، بلا خوف، بلا حسابات. آن الأوان لإعادة الاعتبار للصحافة كسلطة رابعة، لا راكعة. آن الأوان لأن نختار: إما أن نكون في صف الكرامة، أو في صف التواطؤ. إما أن نكون مع الصحافة، أو ضدها. ولا خيار ثالث لكم أيها الزملاء ..
https://respress.ma/الصحافة-بين-مطرقة-الانتهاك-وسندان-الت/ المصدر

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *