Home»Débats»التظاهر غير المصرّح به في المغرب بين مقتضيات الشرعية الدستورية وحماية النظام العام , اية مقاربة قانونية وواقعية في ضوء الدعوات الشبابية الحديثة

التظاهر غير المصرّح به في المغرب بين مقتضيات الشرعية الدستورية وحماية النظام العام , اية مقاربة قانونية وواقعية في ضوء الدعوات الشبابية الحديثة

2
Shares
PinterestGoogle+

ذة.سليمة فراجي
بالرجوع إلى التأصيل الدستوري والمرجعي لحرية التظاهر السلمي
تُعد حرية التظاهر السلمي من الحقوق الأساسية التي كرسها الدستور المغربي، حيث نص الفصل 29 من دستور 2011 على ان حرية الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي، مضمونة. ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات.
نستنتج من هذا المقتضى أن المشرّع الدستوري أقرّ بحرية التظاهر كحق أصيل من حقوق الإنسان، لكنه جعلها حرية مؤطرة بالقانون، انسجامًا مع القاعدة العامة الواردة في الفصل 37، الذي يربط ممارسة الحقوق والواجبات بضرورة احترام القانون وبروح المسوولية والمواطنة الملتزمة التي تتلازم فيها ممارسة الحقوق بالنهوض باداء الواجبات ، وكذا مع الفصل 154 الذي يوجب على المرافق العمومية احترام مبادئ الشفافية والإنصاف والخضوع في التسيير للمبادي والقيم الديموقراطية التي اقرها الدستور.
للإشارة فإن المغرب صادق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي ينص في مادته 21 على أن الحق في التجمع السلمي لا يجوز تقييده إلا بما هو ضروري في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام، أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم و بالتالي، فإن حرية التظاهر في المغرب ليست حرية مطلقة، بل حرية مضمونة في إطار الشرعية القانونية، وهو ما يجعل كل فعل احتجاجي خارج الضوابط القانونية معرضًا لفقدان المشروعية، حتى وإن كان يستند إلى دوافع مطلبية مشروعة.
اما بخصوص التأطير القانوني بشأن التجمعات العمومية في التشريع المغربي فقد نظمه الظهير الشريف رقم 1.58.377 الصادر بتاريخ 15 نونبر 1958 بشأن التجمعات العمومية (كما تم تعديله بالقانون رقم 76.00)،
وقد تضمن هذا النص مجموعة من المقتضيات الصريحة التي تحدد شروط التجمهر السلمي، اذ يجب أن يوجَّه إشعار إلى السلطة الإدارية المحلية ثلاثة أيام كاملة على الأقل قبل عقد الاجتماع أو التجمهر العمومي كما نص الفصل الحادي عشر انه تخضع لوجوب تصريح سابق المواكب والاستعراضات وجميع المظاهرات بالطرق العمومية ولا يسمح بتنظيم المظاهرات بالطرق العمومية إلا للأحزاب السياسية والمنظمات النقابيّة والهيئات المهنية والجمعيات المصرح بها بصفة قانونية والتي قدمت لهذا الغرض التصريح السابق
أي أن الأصل هو الإشعار المسبق وليس الترخيص، مما يعكس فلسفة التنظيم لا المنع. وانه يجب تضمين البيانات الواجب توفرها في الإشعار من أسماء المنظمين، أهداف التظاهر، المكان، التاريخ، والمدة ، علما ان الغاية من هذه البيانات هي تمكين الإدارة من تأمين سلامة المتظاهرين وضمان النظام العام والحفاظ على الامن وسلامة المتظاهرين والساكنة و الممتلكات
لذلك وبناء على التأصيل الدستوري وكذا القانوني فان التجمهر غير المؤطر يعتبر هشاشة قانونية ومخاطر واقعية
اذ تظهر التجربة الميدانية أن غياب الإشعار القانوني والتأطير التنظيمي يفرز عدة إشكالات قانونية ومجتمعية، أبرزها ، انعدام المشروعية القانونية
اذ يصبح أي تجمهر غير مُصرّح به فاقدًا للمشروعية القانونية، ويعرض منظميه للمساءلة، وفقا ل نفس الظهير، الذي ينص على عقوبات مالية وحبسية في حالة مخالفة أحكام الإشعار.
وقد أكدت محكمة النقض في قرارات متواترة، منها القرار عدد 115/2019 بتاريخ 24 يناير 2019، أن “الاحتجاج غير المصرح به لا يتمتع بالحماية القانونية، ويُعد عملاً غير مشروع يستوجب تدخل السلطات لتفريقه حفاظًا على النظام العام.”
ولعل غياب المخاطب القانوني يطرح اشكالية المسؤولية التنظيمية اعتبارا من كون التظاهر المؤطر من طرف أحزاب أو نقابات أو جمعيات قانونية يتيح وجود مخاطب رسمي يمكن تحميله المسؤولية عن أي إخلال أو انزلاق، بينما التجمهر غير المؤطر يفرز فراغًا قانونيًا يجعل تحديد المسؤولية أمرًا صعبًا وتصبح للمظاهرة قابلية عالية للاختراق الخارجي
و في ظل الثورة الرقمية وتنامي حروب التأثير المعلوماتي، يصبح الفعل الاحتجاجي غير المؤطر أكثر عرضة للاختراق من جهات خارجية، قد تستغل المطلب الاجتماعي لأهداف سياسية أو استخباراتية، مما يهدد الأمن العام ويزرع البلبلة والتشويش داخل الرأي العام الوطني.
وهو ما يجعل التحذير من الاحتجاجات العفوية المجهولة المصدر ضرورة استراتيجية، لا تضييقًا على الحريات، بل تحصينًا لها من التوظيف الممنهج.
و بين الحق والواجب و بين المطالبة بالحقوق المشروعة والالتزام بالضوابط ننتصر طبعا لثقافة احتجاج مسؤولة
لان الحق في التظاهر، وإن كان مكفولًا دستوريا، يظل مرتبطًا بواجب احترام القانون. فالدستور لا يحمي سوى الأفعال التي تحترم الشكل والمضمون القانوني.
وهنا يبرز التمييز بين المشروعية التي ًتعني عدالة المطالب والمشروعية القانونية التي تعني احترام الإطار القانوني لممارستها.
ولا يمكن لأي فعل أن يكتسب حماية الدولة إذا تجاوز مقتضيات القانون، لأن الحرية لا تنفصل عن المسؤولية.
و استنادا إلى الفوران الإلكتروني والثورة الرقمية وانخراط شباب وجيل جديد في هذه المستجدات ، فإن الشباب المنخرط في الفعل الاحتجاجي، مدعو الى الإلمام بالمقتضيات القانونية المنظمة للتظاهر مع تقديم إشعار مسبق للسلطات المختصة و الانخراط في أطر تنظيمية قانونية (جمعيات، تنسيقيات، نقابات…) مع تجنب الخطاب التحريضي أو الشعبوي الذي يُفقد المطلب الاجتماعي صدقيته.
كما ان القراءة الاستشرافية لما يجري يقتضي تأطير الشباب بدل تجريم المبادرة و يظل من واجب الدولة مواكبة الحركات الشبابية الجديدة، عبر فتح قنوات للحوار، وتوسيع فضاءات المشاركة المواطِنة، وتبسيط مساطر تأسيس الجمعيات والمنظمات الشبابية، حتى لا يُترك الفراغ التنظيمي الذي قد تملؤه جهات مجهولة.
فالرهان اليوم ليس في تجريم المبادرة الشبابية، بل في تأطيرها ومأسستها، ضمن مشروع مجتمعي يزاوج بين الحرية والنظام، وبين الطموح الشبابي والمشروعية القانونية.
إن التظاهر السلمي حق مشروع، لكنه يُمارس داخل الشرعية القانونية، لأن الحرية بدون قانون تتحول إلى فوضى، والقانون بدون حرية يتحول إلى قيد.
ولذلك فإن الاحتجاج القانوني المؤطر والمُبلّغ عنه مسبقًا هو وحده الذي يضمن احترام الدستور، وحماية النظام العام، وصيانة مصداقية المطالب.
أما الاحتجاجات غير المصرّح بها، خاصة حين تنطلق من منصات مجهولة أو غير مؤطرة، فإنها تفتح الباب أمام الاختراق الخارجي، من طرف من نجهل هويتهم وآفاق تحركاتهم وفقدان المشروعية، وخلق البلبلة، وهو ما لا يخدم لا الدولة ولا الشباب ولا الوطن.
ختاما فإن الحكمة القانونية تقتضي اليوم تعزيز ثقافة الاحتجاج المسؤول، الذي يزاوج بين الحرية والالتزام، ويعبّر عن نضج ديمقراطي لا يساوم على الوطن ولا يفسح المجال لمن يحاول الرقص على أشلائه ولا يُختزل في ردّ فعل، بل يسير في أفق إصلاحي تشاركي مستدام

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. هشام
    01/10/2025 at 16:51

    مقال جيد و مفيد و يلخص كل الاحداث التي وقعت مؤخرا

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *