الأحزاب السياسية في المغرب وأزمة المصداقية …. بعد هذه الهزلة متى يعلنون عن وفاة السياسة في المغرب..VIDEO
مصطفى قشنني

على بعد سنة من الانتخابات، يبدو المشهد السياسي المغربي كمنصة مهجورة في مسرح شعبي، حيث المقاعد فارغة، والممثلون يكررون أدواراً فقدت معناها، والجمهور غادر منذ زمن طويل، تاركاً وراءه صدى السخرية والخذلان. استطلاع المركز المغربي للمواطنة لم يكن مجرد تمرين إحصائي، بل كان مرآة مكسورة تعكس وجوه الأحزاب وقد تحولت إلى دكاكين موسمية، تفتح أبوابها كلما اقترب موسم الحصاد الانتخابي، وتغلقها فور انتهاء العرض، تاركة المواطن يتأمل في فواتير الخيبة.
أرقام الاستطلاع لا تحتاج إلى تعليق، فهي تصرخ وحدها. 95% من المغاربة لا يثقون في الأحزاب السياسية، و91% غير منخرطين، و76% لا يرغبون في الانخراط مستقبلاً. هذه ليست نسباً، بل هي شهادة وفاة سياسية، موقعة من طرف شعب قرر أن ينسحب من لعبة لا تحترم قواعدها. الأحزاب، التي يفترض أن تكون وسائط بين المواطن والدولة، تحولت إلى جزر معزولة، لا تتواصل، لا تجدد، لا تختار بالكفاءة، بل بالمال والقرابة والولاء والتملق. إنها بورصة الولاءات، حيث الصعود لا يحتاج إلى أفكار، بل إلى حساب بنكي وعلاقات شخصية، وكأن السياسة أصبحت امتداداً لسوق العقار.
97.9% من المشاركين يرون أن الأحزاب لا تحترم الديمقراطية الداخلية، و98.2% يؤكدون أنها لا تتواصل، و98.2% يرون أن الكفاءة ليست معياراً في اختيار المرشحين. هذه ليست مجرد مؤشرات، بل هي إعلان رسمي عن إفلاس أخلاقي وتنظيمي، حيث الأحزاب لم تعد تعبر عن التطلعات، بل عن مصالح ضيقة، وشبكات نفوذ، وصفقات تحت وفوق الطاولة. المواطن المغربي، الذي كان يؤمن يوماً بأن السياسة يمكن أن تكون أداة للتغيير، أصبح يرى فيها مسرحاً للتمثيل الرديء، حيث الوعود الكاذبة والتسويق الإعلامي المخادع هما نجما العرض.
المال، ذلك الساحر الأسود، أصبح العامل الحاسم في كل شيء: في الترشح، في التصويت، في الصعود داخل الأحزاب، وحتى في تعيين الكفاءات. 92% من المستجوبين يرون أن الدافع الأساسي للترشح هو تحقيق مصالح مادية، و77.7% يصوتون مقابل المال، و90.4% يرون أن الأحزاب لا تعين الكفاءات كما يجب. السياسة تحولت إلى مزاد علني، حيث الأصوات تُشترى، والمناصب تُباع، والمبادئ تُرهن. أما خدمة المواطن، فقد حصلت على نسبة 6.4% فقط، وكأنها تهمة يجب التنصل منها، لا غاية يجب السعي إليها.
الانتماء القبلي، توجيهات الأسرة، قرب المرشح من المواطن، كلها عوامل تتفوق على البرنامج الانتخابي، الذي لم يحصل سوى على 8.6% من التأثير، والمرجعية الأيديولوجية على 6.2%. هذا يعني أن السياسة فقدت مضمونها بل وحتى بوصلتها، وتحولت إلى طقوس اجتماعية، حيث التصويت لا يعبر عن قناعة، بل عن مصلحة، أو انتماء، أو عادة. المواطن لا يصوت لأنه يؤمن بمشروع، بل لأنه تلقى مقابلاً، أو لأن ابن عمه مرشح، أو لأن شيخ القبيلة قال ذلك. إنها ديمقراطية اللامعنى، حيث الصندوق لا يعكس الإرادة، بل يعيد إنتاج نفس الوجوه، بنفس الخطاب، بنفس الخيبة.
النقابات، التي كانت يوماً صوت العمال، أصبحت في نظر المغاربة مجرد أدوات في يد “الدوماليين” وأصحاب المصالح. الإعلام، الذي يفترض فيه أن يكون مرآة المجتمع، تحول إلى شاشة ضبابية، لا تعكس شيئاً سوى ما يُطلب منها. المواطن المغربي، الذي كان ينتظر الأخبار من القنوات الوطنية، أصبح يلتمسها من صفحات فيسبوكية مستقلة، أو من قنوات خارجية، لأنه لم يعد يثق في من يُفترض أن ينقل له الحقيقة. الإعلام الرسمي أصبح جزءاً من المشكلة، لا جزءاً من الحل، لأنه اختار أن يكون بوقاً لا مرآة، وصدى لا صوتاً.
النظام الانتخابي، كما يراه 93.5% من المشاركين، لا يساعد على تمثيل الإرادة الشعبية. إنه نظام مصمم لإعادة تدوير نفس النخب، بنفس الآليات، بنفس النتائج. المواطن يصوت، لكن صوته لا يصل، أو يصل مشوهاً، أو يُستعمل ضده. ضعف المشاركة، كما يرى 85.8%، يؤدي إلى صعود ممثلين لا يعبرون عن الشعب، بل عن مصالحهم، أو عن من دفع أكثر. إنها ديمقراطية الواجهة، حيث الشكل موجود، لكن المضمون غائب، وحيث الانتخابات تُجرى، لكن النتائج معروفة مسبقاً.
في ظل هذا الخراب المنظم، يطالب 89.9% بمراجعة القوانين لتقوية دور الأحزاب، و88.1% يؤيدون تحديد مدة المسؤولية في ولايتين فقط. إنها مطالب بسيطة، لكنها تبدو مستحيلة في نظام يرفض الإصلاح، ويخاف من التغيير، ويعتبر المحاسبة مؤامرة. المواطن المغربي لا يطلب الكثير، فقط أن تُحترم إرادته، أن يُسمع صوته، أن يُحاسب من يخونه، أن تُفتح الأحزاب للنقاش، لا للصفقات، أن يُعاد الاعتبار للسياسة كمجال نبيل، لا كحرفة للارتزاق.
لكن الواقع يقول شيئاً آخر. الأحزاب تزداد انغلاقاً، والنقابات تزداد تواطؤاً، والإعلام يزداد انفصالاً، والمواطن يزداد عزلة. إنها حلقة مفرغة، حيث الجميع يشتكي، ولا أحد يتحرك. السياسة أصبحت مسرحاً للفراغ، حيث الخطاب لا يقنع، والوعود لا تُنفذ، والمشاركة لا تُكافأ. المواطن المغربي، الذي كان يُطلب منه أن يصوت، أصبح يُطلب منه أن يصمت، وأن يرضى، وأن يصفق، وأن ينسى.
في هذا السياق، يصبح الاستطلاع ليس مجرد أرقام، بل صرخة. صرخة شعب فقد الثقة، وفقد الأمل، وفقد الصبر. صرخة تقول إن الديمقراطية لا تُبنى بالمال، ولا تُدار بالزبونية، ولا تُمارس بالتملق. صرخة تقول إن الأحزاب ليست دكاكين، وإن السياسة ليست موسمياً، وإن المواطن ليس رقماً في استبيان، بل هو جوهر العملية كلها. صرخة تقول إن الوقت قد حان لإعادة بناء كل شيء، من الفكرة إلى المؤسسة، من المواطن إلى الدولة.
وإلى أن تُسمع هذه الصرخة، سيبقى المواطن المغربي يتأمل في شاشة التلفاز، يبحث عن خبر صادق، وعن وجه جديد، وعن وعد لا يُكذب. سيبقى ينتظر، لا لأن لديه أملاً، بل لأن الانتظار هو آخر ما تبقى له في هذا المسرح الكبير، حيث الجميع يمثل، ولا أحد يصدق.
المصدر : https://respress.ma/بعد-مهزلة-عدم-ثقة-المغاربة-في-الأحزاب/





1 Comment
عندما يسئل المواطنون العاديون، رجالا كانوا أو نساء، عن الأحزاب السياسية والمنتخبين، يكون جوابهم كالتالي: » بالاك عليا غي الشفارة » أو » غي الشفار لخوه » أو « كلاونا ما خلاونا والو » أو » غي الرشايوية » أو » غي كروش لحرام » داروا لباس على ظهر الشعب » أو » عاطيينها غي للنهب و السرقة » أو » فقرونا و جوعونا » كاع الميزانيات ضربوها » أو » غي لبانضية و قطاع الطرق »…
يعني، إن كانت للدولة إرادة حقيقية في أن تكون هناك أحزاب وطنية و مواطنة- بكسر الطاء- و ذات مصداقية، و إن كانت فعلا تريد إعادة ثقة المواطن في السياسة و تشجيعه على المشاركة في العمل السياسي و الانتخابي، لا بد من وضع إستراتيجية محكمة و صارمة و فعالة و سريعة، لاسترجاع كل الأموال العمومية التي اختلسها الوزراء و البرلمانيون و رؤساء الجماعات… و التي تم تهرببها أو تبييضها في الداخل و الخارج مع مصادرة كل الأرصدة البنكية و الممتلكات العقارية و الثروة الطائلة التي في حوزتهم و حوزة أفراد أسرهم من أبناء و زوجات و التي حصلوا عليها عن طريق التزوير و تضارب المصالح و استغلال النفوذ و الشطط في استعمال السلطة و القانون، و الحكم على مرتكبيها و على كل من تواطأ معهم بأحكام صارمة قد تصل إلى الإعدام كما هو معمول به في الصين مثلا. هكذا فقط نعيد للمواطن الثقة في السياسة و مؤسسات الدولة. أما غير هذا، فلا شيء سيصلح أمر هذه الأمة و يبقى المغرب يسير بسرعتين، و لا داعي، كما قلتم، باش نبقاو ندركو الشمس بالغربال.