Home»Débats»الاستجارة بالتعليم الخصوصي من التعليم العمومي ؟!

الاستجارة بالتعليم الخصوصي من التعليم العمومي ؟!

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

الاستجارة بالتعليم الخصوصي من التعليم العمومي ؟!  

وأنا أتتبع مستجدات الدخول المدرسي لهذا الموسم، لفتَ انتباهي مقال في إحدى الجرائد الإلكترونية الذائعة الانتشار تحت عنوان: « زيادات أسعار الكتب المستوردة تثقل كاهل الأسر المغربية بالتعليم الخاص » يُبرز فيه صاحبه استنكار كُتبيين مغاربة « الزيادات المسجّلة، هذه السنة، في أسعار الكتب المستوردة » وانتقادهم لما وصفوه ب: » جشع المستوردين، وغياب تحديد أثمنة هذه المقررات المعتمدة في القطاع المدرسي الخاص على أغلفتها على غرار مقررات التعليم العمومي ». وإشارتهم إلى ارتفاع تكلفة المحفظة المدرسية بالقطاع الخاص، « لتتأرجح بين 1400 و2000 درهم، حسب المدينة ».

وفي هذا الصدد أورَد المقال مقتطفات من تصريحات عضوين من المكتب التنفيذي للجمعية المغربية للكتبيين، فنَسَب لأحدهما قوله بأن  » المدارس الخصوصية كانت تكلفة محفظتها المدرسية دائما أعلى؛ لأنها تعتمد على الكتاب المستورد الذي يكون ثمنه مرتفعا، مقارنة بالمدرسة العمومية التي تعتمد على المقرر العمومي منخفض السعر » بحيث « تكلفة المحفظة المدرسية العمومية لا تتجاوز 450 درهما على أقصى تقدير ». وقوله بأن « المدارس الخاصة تعتمد كذلك على لوازم مدرسية ذات جودة عالية »، وأن « هذه الزيادات تمّت، رغم الإعفاء الضريبي على القيمة المضافة الذي استفادت منه الأدوات المدرسية والمواد الداخلة في تركيبها ».

ونسَب إلى الثاني قوله بأن « كيفية وضوابط تسعير الكتب المستوردة بحد ذاتها غير معلومة »، بحيث « في كثير من الأحيان تجد كتبا بنفس عدد الصفحات وذات جودة الورق تقريبا؛ لكن كل واحد منها يباع بأثمنة مختلفة » وأن « هذه الممارسات تنضاف إلى إشكالية بيع مدارس خصوصية للكتب ».

إذا كانت هذه التصريحات تعبِّر بالأساس عن بعض ملامح الشق المظلم للتعليم الخصوصي فيما يتعلق بتسابق الأطراف المهيمنة عليه نحو الربح السريع، الذي يؤدي بالضرورة إلى استنزاف القدرات المادية للطبقة المتوسطة بالخصوص، والتي لا تجد بدا من إلحاق أبنائها لهذا الصنف من التعليم، إما لأسباب ذاتية وإما لأسباب تتعلق بالصورة السوداوية التي رُسمت للمدرسة العمومية من قبل القائمين عليها أنفسهم، والتي  عِوض التصدي لها والعمل على إزالتها، يتم العمل على تعميقها من خلال تبني الخطاب الرسمي لمقولة فشل المدرسة العمومية، وهذا في الوقت الذي تتسابق فيه الدول الغربية على استقطاب المهندسين والأطباء المغاربة، وفي الوقت الذي يكتسح فيه الطلبة المغاربة الرتب الأولى لولوج المدارس العليا الفرنسية، كما هو الشأن بالنسبة لمدرسة « بوليتكنيك » التي التحق بها 50 طالبا مغربيا. ولعل في هذا التباين ما يوحي بوجود علاقة، إن لم تكن معلنة، فهي بالتأكيد ضمنية، بين إشاعة فكرة فشل التعليم العمومي وتشجيع التعليم الخصوصي، مع العلم أن هذا الأخير ليس أحسن حالا من سابقه بل هو أدهى وأمر.

لنعتبر جدلا أن « التعليم الخصوصي أحسن حالا من التعليم العمومي » ولنقم بمقارنة في أدنى مستوياتها بين التعليمين من حيث الشكل ثم من حيث المضمون:

  • من حيث الشكل: يلاحَظ فيما يتعلق بالمدرسة الخصوصية افتقارها على العموم إلى عدد من المرافق الأساسية كالملاعب الرياضية، وساحات الاستراحة، والمختبرات العلمية، بالإضافة إلى طبيعة البنايات المعتمدة، بحيث عدد كبير منها عبارة عن عمارات قد تصلح لكل شيء إلا للتدريس، لكنها تتفوق على المدرسة العمومية في ضبط الوقت، والاحتفاظ بالتلاميذ داخل فضاء المؤسسة، خاصة بالنسبة للمستويات الدنيا في حالة حدوث طارئ معين، كما تتميز بضبط حضور طاقم التدريس. أما فيما يتعلق بمؤسسات التعليم العمومي فإنها في الغالب الأعم تتوفر على كل المواصفات التي يفتقر إليها التعليم الخصوصي لولا الإهمال الذي يطال بعضها، إما بسبب تقصير من الإدارة، أو بسبب ممارسات بعض التلاميذ المتمردين الذين لا يجدون التأطير الملائم لتقويم تصرفاتهم، ولولا التساهل في أحيان كثيرة، في ضبط الوقت من قبل مختلف مكوناتها، انطلاقا من طاقم الإدارة التربوية جهويا وإقليميا ومحليا، إلى طاقم التدريس، إلى التلاميذ. وهذا أمر مقدور عليه لو عملت الجهات المعنية بمختلف مستوياتها على تحديد آليات الضبط لمختلف هذه المكونات من جهة، واتخاذ الإجراءات الملائمة للتجسيد العملي لهذه الاليات من جهة ثانية.
  • من حيث المضمون: رغم أهمية الجانب الشكلي، فإن حضوره في غياب المضمون يبقى قاصرا عن بلوغ الأهداف الحقيقية للعملية التربوية في عمومها.

لا يَشك أي مغربي يعتز بمغربيته في كون مبدأي التوحيد، والتعريب، من بين أهم المبادئ الأربعة التي حددتها اللجنة الملكية لإصلاح التعليم في ستينات القرن الماضي، بهدف توحيد المناهج من جهة، ونشر اللغة العربية كلغة للتعليم من جهة ثانية، ومع ذلك نجد أن التعريب قد أصبح في خبر كان بعدما تم إجهاضه من خلال توالي تجارب ضُمِّنت جيناتُها عوامل الفشل منذ انطلاقها، ومن خلال الفرنسة التي دقت آخر مسمار في نعشه رسميا، عن طريق تلك المسرحية الهزيلة التي ساهم فيها ممثلو الشعب يا حسرتاه، كما أن مبدأ التوحيد أصبح مهددا بالزوال مع طغيان التعليم الخصوصي، الذي وجد ضالته في الوثائق الرسمية التي فسحت له المجال لمواجهته إن على مستوى البرامج والمقررات، أو على مستوى القيم والعلاقات الاجتماعية. ففيما يتعلق بالبرامج على سبيل المثال تنص المادة 4 من الباب الثاني من القانون رقم 06.00 بمثابة النظام الأساسي للتعليم المدرسي الخصوصي على ما يلي: « تلتزم مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي كحد أدنى بمعايير التجهيز والتأطير والبرامج والمناهج المقررة في التعليم العمومي ». ففي الوقت الذي يتعين فيه اتخاذ الإجراءات المناسبة للحسم في عدم الالتزام بالحد الأدنى فيما يتعلق بالتجهيز على الخصوص، يُفتح الباب واسعا أمام اعتماد كتب أجنبية، حتى وإن لم تكن لها قيمة مضافة. ولعلنا نجد في التصريح الذي أدلى به أحد ممثلي الكتبيين بوجود « كتب بنفس عدد الصفحات وذات جودة الورق متقاربة لكنها تباع بأثمنة مختلفة » مثالا، ليس للبرهنة على عدم وجود مبرر لاختلاف الأثمنة، وإنما للاستدلال على هيمنة فكرة تمجيد كل ما هو أجنبي، واحتقار وازدراء كل ما هو وطني. ويكفي تصفح محتويات بعض هذه الكتب الأجنبية للكشف على مؤشرات فعلية لترسيخ هذه الفكرة التي مآلها التبعية والاستلاب بالضرورة. قد يقول قائل بأن استعمال هذه الكتب تتطلب المصادقة عليها من قبل الأكاديميات الجهوية، وهذا صحيح على المستوى النظري، لكن السؤال يبقى مطروحا بالنسبة للجانب العملي المتعلق بمدى توفر الأكاديميات على الموارد المادية والبشرية للقيام بذلك؟ ثم في الأخير ما الفائدة المرجوة من هذه الكتب؟ الباهظة الثمن من جهة، والتي تعمل على إشاعة ثقافة المستعمر من جهة ثانية، أليس هذا كاف للبرهنة على مساهمة هذه الكتب في تعميق الدونية لدى المواطن العادي وتعميق الفوارق الطبقية بين أفرا د المجتمع بما يضرب مبدأ التوحيد في الصميم؟

يضاف إلى ما سبق عدم إلزام التعليم الخصوصي بتدريس الأمازيغية، ومنحه إمكانية الاختيار لتدريسها أو تجاهلها، وعدم إدراج مدارسه ضمن « مدارس الريادة »، وغض الطرف عن إهمال عدد من مؤسساته لتدريس مجموعة من المواد غير الممتحن فيها بالنسبة لمستويي الأولى والثانية بكالوريا، وكلها مؤشرات تحيل على المساهمة الفعلية للتعليم الخصوصي في تعميق الهوة بين أفراد المجتمع، ومن ثم الإطاحة بمبدأ التوحيد.

في الأخير أكاد أجزم بأن التعليم الخصوصي ومن يدور في فلكه من كتبيين وموردين للكتب الأجنبية، دون أن أعمم، يعملون جاهدين على خدمة مصالحهم الخاصة، دون اعتبار لمصلحة الآباء، ولا لمصلحة الوطن من حيث القيم التي يتم تمريرها لِلَائِذي هذا الصنف من التعليم، بالإضافة إلى مواصلة التعليم الخصوصي الاستغلال المؤقت لأساتذة التعليم العمومي، وللأساتذة المتقاعدين، عوض التشغيل القار للأساتذة المتخرجين من مراكز التكوين مع تمكينهم بنفس امتيازات التعليم العمومي ضمانا لاستقرارهم المادي والنفسي.

ختاما ومن خلال معايشتي لمساوئ التعليم الخصوصي لمدة طويلة، أخلص إلى نتيجة مفادها أن مَثَلُ المستجير بالتعليم الخصوصي من التعليم العمومي كمثل المستجير بالرمضاء من النار.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *