Home»Débats»الفلسطينيون هم وحدهم أصحاب الأرض: الحجة الدامغة

الفلسطينيون هم وحدهم أصحاب الأرض: الحجة الدامغة

0
Shares
PinterestGoogle+

المصطفى حميمو

عند قراءتي لكتاب « الطريق إلى مكة » لمحمد أسد (1900-1992)، اليهودي النمساوي  Leopold Weiss الذي اعتنق الإسلام سنة 1926، خطر ببالي سؤال مباشر. فبما أنّ اعتناق اليهود للإسلام يظلّ أمرًا نادرًا للغاية، وبما أنّ محمد أسد تواجد كعنصر فاعل في ولادة باكستان سنة 1948 وبالتزامن تقريبا مع قيام الكيان الغاصب لفلسطين سنة 1948، ومع علمنا بالقدرة الفائقة للصهاينة على اختراق خصومهم، تساءلت في البداية: هل كان أسد مجرد عميل في خدمة المشروع الصهيوني؟

لكن سرعان ما تبدّد هذا الظنّ بفضل ما وجدته بين صفحات كتابه. وجدت فيها مقطعًا حاسمًا يروي فيه أسد لقاءه المباشر مع زعيم الحركة الصهيونية حينها حاييم وايزمان  Chaim Weizman، وأول رئس للكيان الصهيوني ما بين 1949 و1952. وهو يحاوره معترضا على المشرع  أفحمه أمام الحضور بحجج متينة ودامغة، كانت تخطر ببالي، لكنني ما زلت أتعجب من جهلها أو تجاهلها كحجج تدحض السردية اليهودية على الأقل عند الشعوب الغربية التي تخرج في مظاهرات عارمة ضد حكوماتها التي لا تزال تساند الكيان الصهيوني ولو بالصمت عن جرائمه. وكم نحن في حاجة لمعرفتها مع محمد أسد. فيسرني في هذه الأوقات العصيبة مشاركتها معكم في انتظار الفرج عما قريب بإذن الله.

يشرح المؤلف أنّه، على الرغم من أصوله اليهودية، فقد شعر منذ وقت مبكر برفض عميق للصهيونية. فإلى جانب تعاطفه الشخصي مع العرب، كان يعتبر من الناحية الأخلاقية أمرًا مُدانًا أن يأتي مهاجرون من الخارج، تدعمهم قوة عظمى، ليكوّنوا أكثرية في فلسطين وينزعوا الأرض من شعبٍ يعيش فيها منذ آلاف السنين. ولهذا السبب ظل يدافع باستمرار عن العرب في النقاشات، وهو ما حيّر معظم اليهود الذين كان يختلط بهم. فقد كانوا لا يفهمون تقديره للعرب، بل كانوا ينظرون إليهم كأناس متخلّفين، ويصفونهم بالاحتقار نفسه الذي أبداه المستعمرون الأوروبيون تجاه شعوب إفريقيا. وقليل منهم من كان يهتم حقًا برأي العرب، ولا أحد تقريبًا كان يبذل جهدًا لتعلّم لغتهم، مفضّلين التمسك بالعقيدة القائلة إنّ فلسطين هي الإرث الشرعي لليهود.

ويروي المؤلف بعد ذلك حوارًا بارزًا جمعه بالدكتور حاييم وايزمان، الزعيم الأبرز للحركة الصهيونية، خلال إحدى زياراته لفلسطين. لقد تعجب أسد بطاقته وحيويته وقوة فكره. وكان وايزمان يتحدث عن الصعوبات المالية التي يواجهها المشروع الصهيوني وضعف الدعم الخارجي. ولاحظ أسد أنّه، مثل غيره من القادة الصهاينة، كان يُلقي بالمسؤولية الأخلاقية على « العالم الخارجي ».

حينها تجرأ أسد وسأل وايزمان عن العرب، وكيف يمكنه أن يأمل إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين في ظل معارضة الأغلبية العربية. فأجابه ببرود أنّ العرب لن يظلوا أكثرية لوقت طويل. فألحّ أسد على البعد الأخلاقي للقضية، متسائلًا: أليس من الظلم إزاحة سكان عاشوا هناك منذ القدم؟ فردّ وايزمان بأنّ الأمر لا يعدو كونه استعادةً لأرض سُلبت ظلمًا من اليهود.

فعارضه أسد بأنّ اليهود غابوا عن فلسطين لما يقارب ألفي عام، وأنّ سيادتهم الفعلية عليها قبل الشتات لم تتجاوز خمسة قرون، وبصورة جزئية. وأضاف أنّه إذا كان هذا المنطق مقبولًا، فإنّ العرب بدورهم يمكنهم المطالبة بالأندلس التي حكموها قرابة سبعة قرون قبل أن يُطردوا منها قبل خمسة قرون فقط. فرفض وايزمان ذلك بحجة أنّ العرب لم يكونوا سوى غزاة في إسبانيا، وأنّها لم تكن وطنهم الحقيقي، ولذلك كان من العدل أن يُطردوا منها.

وهنا أجاب أسد الجواب المُفحم، مشيرًا إلى أنّ هذا تجاهل للتاريخ، إذ إنّ العبرانيين أنفسهم كانوا غزاة حين قدموا إلى فلسطين، التي كانت تسكنها شعوب أخرى مثل الأموريين والأدوميين والفلسطينيين والموآبيين والحثيين، وظلّ هؤلاء يعيشون في أرضهم حتى بعد شتات الرومان لليهود، وحتى يومنا هذا. هؤلاء لم يكونوا غرباء كما كان حال اليهود بعد خروجهم من مصر، وكما سيسعى المشروع الصهيوني لإعادة فرضه مرة أخرى. ومع ذلك، لم يذكر أسد أنّ قوم بني إسرائيل تكوّن وتكاثر خلال قرون في مصر من نسل أبناء يعقوب الإثني عشر، وليس في فلسطين التي لم يكن لهم فيها وجود من قبلُ سوى أسرة يعقوب نفسه.

وأوضح أنّ عرب الجزيرة العربية الذين جاؤوا في القرن السابع الميلادي لم يشكلوا سوى أقلية، وأنّ سكان فلسطين الحاليين ينحدرون في الغالب من أولئك السكان القدماء الذين تعرّبوا مع مرور الزمن، وصار بعضهم مسيحيين فيما أصبح آخرون مسلمين. فاستقبل وايزمان هذه الملاحظات الدامغة بابتسامة مهذبة قبل أن يغيّر الموضوع.

وخرج أسد من اللقاء غير راضٍ مع أنه لم يكن يتوقع أن يقنعه. لكنّه كان يأمل أن يثير لديه ولدى قادة الصهيونية نوعًا من القلق الأخلاقي، وهو ما لم يحدث. بل على العكس، قوبل بنظرات استهجان لأنه تجرأ على التشكيك فيما يُعتبر حقًا لليهود غير قابل للنقاش.

وتساءل محمد أسد حينها بدهشة: كيف يمكن لشعب يملك كل هذا النبوغ أن ينظر إلى القضية العربية من زاويته الضيقة وحدها، غافلًا عن أنّ أي حلّ عادل ودائم لا يمكن أن يقوم إلا على أساس التعاون مع العرب؟ لقد كان يخشى أن تفضي هذه السياسة إلى دوامة من المعاناة والصراع والحقد المستمر. وما نراه اليوم ليس سوى تحققٍ كامل لتلك المخاوف، بل بأضعاف ما توقّعه أسد، حيث سيظل هذا الكيان الغريب عاجزًا عن أن يجد لنفسه عمقًا ديموغرافيًا أو ثقافيًا أو جغرافيًا في قلب بيئة عربية متماسكة، في حين يشعر الفلسطيني، أينما حلّ وارتحل من المحيط إلى الخليج، بأنه في وطنه الطبيعي.

ورأى أسد بوضوح أن هذا الكيان، حتى لو حقق انتصارات آنية، سيبقى محكومًا بالعزلة الدائمة وسط محيط عربي رافض، وسيظل يعيش في هاجس الخوف من زوال محتوم. ثم عبّر بأسى عن المفارقة التي آلمته أكثر من غيرها: كيف لشعب عانى قرونًا من الاضطهاد أن يكون مستعدًا اليوم لارتكاب ظلم فادح بحق أمة بريئة من آثامه الماضية؟ أقرّ بأنّ التاريخ مليء بمثل هذه التناقضات، لكن ذلك لم يخفف من حزنه العميق وهو يراها تتكرر أمام ناظريه.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *