البحث عن الكنوز بين القانون والشعوذة

أحمد الجبلي
إلى حد قريب، كان ينظر إلى موضوع اللقى الأثرية والمسكوكات والعملات النقدية « النُّمّيات » أو كل ما يبحث عنه تحت الأرض، على أنه « كنز »، بالمفهوم الشعبي للكنز، وأن « الكنز » ذو علاقة بالشعوذة والطلاسم والجداول وما يسمى ب « الزوهريين ». أي كان ينظر إليه كجريمة وخروج عن القانون مكتمل الأركان، أبطاله خفافيش الليل ووطاويط الظلام. مما جعل مصطلح « الكنز » رديفا لمصطلحات كالإرهاب، الجريمة، السلاح، الاعتداء على المقدسات، بمعنى آخر كان عبارة عن طابو مجرد ذكره يعني أنك وقعت في حمى لا مخرج لك منه.
كان رجل الدرك، أو رجل الأمن، بمجرد أن يعثر بحوزتك على جهاز كشف المعادن، سيدينك فورا، وسيصدر أمرا بتفتيش منزلك بحثا عن « الكنز ». وربما سيستصدر قرارا بحجز هاتفك وتقديمه للخبرة لمعرفة جميع الظروف والملابسات المرتبطة بالجريمة، ولعل هذا الدركي أو رجل الأمن، حينها سيشعر بنشوة الانتصار لأنه أعاد اكتشاف العجلة وسترسم على محياه ابتسامة خفيفة لأنه بدأ توا يمني النفس بترقية آتية في الطريق لا محالة.
يمكن القول بأن هذا الموضوع، موضوع الاستكشاف والبحث عن الأشياء الثمينة بكل أنواعها، ظل مظلما قاتما ومجهولا، وما زاده ظلاما وقتامة هو أن القوانين التي تؤطره، للأسف الشديد، منثورة ومبثوثة ومتفرقة في مجمل القوانين الأخرى، أي لا يوجد قانون خاص يجمع بين دفتيه كل ما يتعلق باللقى والمسكوكات والعاديات والتحف والآثار والكنوز والدفائن، فمثلا نجد المادة 18 هي الوحيدة الذي تتحدث عن الكنز في مدونة الحقوق العينية المكونة من 333 مادة حيث تقول: » الكنز الذي يعثر عليه في عقار معين يكون ملكا لصاحبه وعليه الخمس للدولة »، أما القانون الجنائي فيتحدث عن الكنز في فصل واحد من بين612 فصلا، وهو الفصل 528 والذي جاء فيه : »من عثر على كنز، ولو في ملك له، ولم يخطر به السلطة العامة، في ظرف خمسة عشر يوما من يوم اكتشافه، يعاقب بغرامة من مائتين إلى مائتين وخمسين درهما. أما من عثر على كنز وتملكه، كله أو بعضه، دون أن يصدر له إذن بذلك من الجهة القضائية المختصة، حتى ولو كان قد أخطر به السلطة العامة، فإنه يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من مائتين إلى مائتين وخمين درهما. » ومثل ذلك يقال عن باقي القوانين مثل قانون المناجم والقانون رقم 22.80 المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية والعاديات، ويمكن أن نعتبر هذا القانون هو الأقرب إلى الموضوع من القوانين الأخرى رغم أنه في حاجة إلى تعديل ليكون مواكبا للانفتاح الذي يعرفه المغرب في الداخل والخارج. أي إذا كانت هذه القوانين، على قلتها، قد سنت في زمن الظلام والجريمة وإراقة دماء الأبرياء من طرف مشعوذين وجهلة مارقين عن القانون سعيا للحصول على كنوز تتم عن طريق حفر القبور والاعتداء على الأضرحة، فإن ما سيعرفه المغرب من طفرة تنظيمية في هذا المجال وانفتاح معقلن ومأسسة قانونية سيتطلب تعديلات قانونية جديدة تواكب مغرب اليوم بكل مقوماته الحداثية وانفتاحه على مختلف الرياضات والهوايات والأنشطة.
إن ما أعنيه بالانفتاح المعقلن والمأسسة القانونية الحداثية لمجال البحث والاستكشاف لما تحمله الأرض من كل شيء تاريخي ثمين، هو تلك الثورة العارمة التي حدثت في المغرب على يد رجل من سوس اسمه الأستاذ محمد ميان، وهو رجل مهووس بالبحث والاستكشاف واللقى الأثرية والعملات التاريخية والفنية، وبما يشبه المستحيل، وبعد مخاض عسير، وبعد معارك قانونية وشد وجدب مع السلطات، سيؤسس أول جمعية مغربية ستحضى باعتراف وزارة الداخلية ويرخص لها لاستعمال أجهزة الكشف والرصد والاستشعار، سماها « الجمعية المغربية لهواة البحث والاستكشاف »،
بهذه الخطوة التاريخية السابقة والجريئة، سيحقق الأستاذ ميان مجموعة أهداف منها:
*- قطع الطريق في وجه المشعوذين وخفافيش الليل التي تخشى ضوء النهار، كما وقف سدا منيعا في وجه الفوضى والاعتداء على الأماكن المقدسة من أضرحة ومقابر وممتلكات خاصة. وذلك بإخراج القوانين المؤطرة لحيز التنفيذ وجعلها الشرط الأساس لممارسة الهواية لا غير.
*- حرر أجمل هواية، هواية البحث والاستكشاف، من براثن الحيف والتدليس والشيطنة وأخرجها من أقبية الشبهة والجريمة إلى الميدان الفني والاستمتاع بها خدمة للتراث والتاريخ المغربي العريق.
*- حفز، بشكل غير مباشر، جميع مديريات وزارة الثقافة في كل المدن المغربية لتبادر إلى تأسيس متاحف بتنسيق أو عن طريق عقد شراكات مع فروع الجمعية في كل ربوع المملكة لإبراز الآثار الدالة على الحضارة المغربية العظيمة.
*- ربط هواية البحث والاستكشاف بالفعل التنموي الواعي، الجاد والفعال والباني الذي يبني الوعي بقيمة البيئة في الشواطئ والسهول والجبال والصحاري والأنهار وأهمية القطاع الغابوي والحفاظ على الآثار والمواقع التاريخية كشاهد حي على جذور بلادنا وتوغلها في عمق التاريخ، وذلك بتنظيم الحملات التحسيسية في صفوف الهواة.
*- اعتماد العلم والمعرفة والتكوين في صياغة التصورات والرؤى والتوجيهات والإرشادات للباحثين والمستكشفين حماية لهذه الهواية الجميلة وحتى لا تحيد عن جادة الصواب وتبقى في مسارها المرسوم بدقة تحترم الشرع وتحترم القانون.
إن ما تحققه الجمعية المغربية لهواة البحث والاستكشاف من توسع داخل المدن والقرى المغربية، وفي صفوف النساء والرجال، الكبار والصغار، دال، بما لا يدع مجالا للشك، على أن المغاربة ظلوا لعقود وهم محرومون من مزاولة هذه الهواية الممتعة التي كانوا يكتفون بمشاهدتها في القنوات الأجنبية دون أن يحلموا بأن يوما ما سيأتي وسيحملون كاشف المعادن في أيديهم وسيستمتعون بها كرياضة شاطئية غابوية جبلية وصحراوية.
يكاد الكثير من الخبراء والباحثين والمهتمين والرياضيين يجمعون على أن هذه الهواية تعد من أرقى وأجود الهوايات وأمتعها، على الإطلاق، وذلك لارتباطها الوثيق بالتاريخ والحضارات الإنسانية العريقة، فالباحث حين يعثر على عملة أو مسكوكة تاريخية أثرية لحضارة ما في موقع ما يصبح مالكا لمعلومات يجهلها الكثير من المؤرخين، كما أنها معلومات حقيقية لا تحتاج لمحققين ولا لمناهج لتخلص إلى شيء ما نجهله. لأن العملة النقدية التي يملكها هي أصدق وثيقة تشهد على العصر وتاريخ هذا العصر وحاكم هذا العصر وبعض من اقتصاد وثقافة هذا العصر.
كما تنفتح في وجهه، بفضل هذه العملة المستكشفة، آفاق البحث والمعرفة إن شاء أن يغوص في كتب التاريخ لمزيد من التثقيف وتحصيل المعرفة حول هذه الحقبة الزمنية التي تتحدث عنها هذه العملة. مما يجعل من عملية البحث والاستكشاف ليست مجرد هواية فحسب بقدر ما هي ثقافة ومعرفة كذلك.
وبناء على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم: « من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها… » فإن كل باحث وكل كشاف يقوم بتوظيف هذه الهواية لإشاعة الخير وإبراز الحضارة المغربية الضاربة في التاريخ لتتعرف عليها الأجيال وباقي الأمم من ملل ونحل، فإن للأستاذ المؤسس محمد ميان سهم وأجر فتقبل الله منه ما قدم للباحثين المغاربة وجعله في ميزان حسناته يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
Aucun commentaire