تأهيل البنية التحتية لاغتنام فرصة كأس العالم، شرط ضروري لكنه غير كاف

بسم الله الرحمن الرحيم
تأهيل البنية التحتية لاغتنام فرصة كأس العالم، شرط ضروري لكنه غير كاف
الحسن جرودي
منذ مدة، شرعت سلطات مختلف المدن المغربية بشن حملات تحرير الملك العام، من أرصفة وأزقة وساحات عمومية، ومساحات غير مُستغَلَّة، سواء تلك التابعة للأملاك العمومية أو التي تندرج ضمن الأملاك الخصوصية…
ولعل المتتبع لهذه الحملات، يلاحِظ التأثير الإيجابي لها، خاصة فيما يتعلق بفسح المجال للاستعمال العادي للأرصفة وللساحات العمومية من قبل المواطنين، وذلك من خلال إرغام أصحاب المحلات التجارية والمقاهي على سحب السلع والأمتعة إلى الحدود المسوح بها قانونيا، وإزالة تلك المرافق التي تم إلحاقها بمحلاتهم بحيث أصبحت جزءا لا يتجزأ من المحلات الأصلية. و يبدو أن الإجراءات المتخذة في هذا الصدد لاقت استحسانا لدى عدد كبير من المواطنين، مع بعض الاستثناءات التي تُركز بالأساس على التأثيرات الجانبية التي تمس بعض الفئات الهشة التي تفقد بين عشية وضحاها مصدرها الوحيد لاكتساب قوتها اليومي، رغما عن كل ما يمكن أن يقال بخصوص الممارسات المًرضية لعدد منهم، من تدخين، واستهلاك المخدرات والكحول، وممارسة القمار والاعتداء على الغير…، لذلك لا ينبغي التركيز فقط على عملية إخلاء الفضاءات التي يمارسون بها نشاطهم الاسترزاقي، بقدر ما يتعين العمل بجدية وحزم على إيجاد حلول مقبولة، تسمح لهم بتغطية الحد الأدنى من المصاريف الحيوية، علما أنه ما كان لهذه الشريعة أن تكون في هذا الوضع لو تحمَّل المجتمع حُكاما ومحكومين مسؤوليتهم تجاههم لتمكينهم من وسائل العيش الكريم، ويشار في هذا الصدد أن عددا من المواطنين، لِدوافع غالبا ما تكون إما عاطفية أو أنانية يدفعون، من حيث يعلمون أو لا يعلمون، في اتجاه تشجيع هذه الشريحة على مواصلة « أنشطتهم التجارية »، والإصرار على عدم الانصياع لأوامر رجال السلطة المكلفين بتحرير الملك العام، وهوما يؤدي أحيانا إلى التصادم بين الطرفين.
وإذا كان تحرير الملك العام يندرج أولا وقبل كل شيء في إطار محاربة ظاهرة الجشع الذي تجسده عملية السطو على ممتلكات الغير، خاصة أولئك الذين يتجرؤون على إلحاق مساحات مهمة إما بالمنازل على شكل حدائق، أو بالمقاهي والمتاجر لتصبح المساحات الملحقة في عدد من الحالات أكبر من مساحات المحلات الأصلية، فإن النجاح في استئصال هذه الظاهرة يعتبر عاملا إيجابيا في تأهيل المغرب لاستقبال مباريات كأس العالم 2030 في شقه المادي الذي أصبح يحظى بالأولوية من قبل السلطات، حتى أنه لا يمكن المرور بمدينة من المدن دون معاينة أشغال تأهيل شوارعها، ومنشآتها الرياضية بالخصوص، مع العلم أن السؤال يبقى مطروحا بخصوص علاقة تَكلُفة بعض المشاريع الرياضية باستدامة مردوديتها ما بعد مباريات كأس العالم، كما هو الشأن بالنسبة لتشييد ملعب بنسليمان الذي يُنتظر أن يكون أكبر ملعب في العالم.
قلت إذا كان تأهيل الجانب المادي جارٍ على قدم وساق، بما فيه تمديد شبكة الطرق السيارة، وخطوط السكك الحديدية الخاصة بالقطارات فائقة السرعة… أمر مهم، فإن الأهم منه هو تأهيل المواطن المغربي ليكون في مستوى الحدث، إن على المستوى المادي أو المستوى المعنوي، إذ لن يكون للبنية التحتية المادية المفعول المتوخى منها ما لم يتم ابتكار حلول مادية ملائمة ومستدامة لهذه الشريحة من المغاربة المغلوبين على أمرهم، والذين لا يمكن لأحد أن يزايد على مغربيتهم، لأنهم برهنوا على تواجدهم في الصفوف الأولى كلما اقتضت منهم مصلحة البلاد ذلك، ولنا في المسيرة الخضراء سنة 1975 وفي زلزال الحوز سنة 2023 خير مثال. والتأهيل المادي للعنصر البشري عموما يبقى نفسه ناقصا في غياب التأهيل المعنوي والنفسي الذي يُحيي فيه القيم الأصيلة للشعب المغربي المتمثلة في الاعتزاز بالنفس من خلال الاعتزاز بدينه ولغته وثوابته، ونبذ « قيم » التفاهة، التي أصبح يُروَّج لها من خلال عدد من البرامج التلفزيونية والمهرجانات المحسوبة على الفن والثقافة، ومن خلال برامج مجموعة من الجمعيات الحقوقية التي تكرس التبعية للغرب، والانبهار بقيمه المبنية على الأنانية، والإشباع الغريزي للشهوات دون حسيب ولا رقيب. وقد يجد المسؤولون عندنا في تنظيم كأس العالم 2022 نموذجا للاحتذاء فيما يتعلق بالجانب القيمي والأخلاقي الذي ينبغي أن يهيمن على سلوك الجماهير المغربية بالمستوى الذي يُشرِّف بلدنا ويبوئها مقعد الصدارة، بالمقارنة مع الممارسات السلوكية لجماهير المباريات التي ستحتضنها كل من إسبانيا والبرتغال.
لن يكون الرهان سهلا ما لم تتكاثف جهود الحكام والمحكومين، ولعل الوقت الذي يفصلنا عن الموعد لن يكون كافيا، إذا ما لم يتم الشروع الفوري في إطلاق مشاريع توعوية تهدف إلى معالجة تلك الممارسات المخلة بقيمنا الدينية والوطنية، والتي تشوه الصورة المشرقة التي بناها أجدادنا، والمتمثلة في عفة النفس وعزتها، وعدم مد اليد للغير حتى ولو كان بهم خصاصة، ولعل انتشار التسول بمختلف تمظهراته من أهم الممارسات التي يتعين معالجتها بعمق في إطار الربط بين الحق والواجب، مع العلم أن عددا من المتسولين ليسوا من المعوزين بقدر ما يجدون في التسول حرفة تدر عليهم أكثر مما يمكن تحصيله من عدد كبير من الحرف اليدوية الشاقة، دون إغفال العبء الإضافي الذي يمثله تسول المهاجرين الأجانب.
ومما لا شك فيه أن الكلاب الضالة أصبحت تشكل خطرا على أمن المواطنين وصحتهم، دون اعتبار تلك المناظر المستهجنة المرافقة لموسم التزاوج الذي تُلاحظ فيه قطعان كثيرة وهي تجوب الشوارع والأزقة، محدثة بِنُباحها المتواصل بالليل والنهار إزعاجا لا يحتمله الأصحاء قبل المرضى والعجزة، واستمرار هذا الوضع سيسيئ بالتأكيد إلى صورة المغرب المراد إفشاؤها خلال مناسبة كأس العالم، ومن ثم وجب التفكير في إيجاد حل نهائي لها، ولعل أنجعه وأقله تكلفة هو إماتتها في إطار مبدأ الرفق بالحيوان، دون الرضوخ لمطالب تلك الجمعيات التي أصبح همُّها الوحيد هو اختلاق مشاكل إضافية للمشاكل التي تفتعلها بعض جمعيات حقوق الإنسان التي تروج لحقوقٍ ما أنزل بها من سلطان. وعلى الرغم من كون جل هذه الجمعيات لا تمثل سوى نفسها والجهات الأجنبية التي تحركها، يبدو أن إعمال قاعدة أخف الضررين من شأنها أن تحسم في أي الاقتراحين أولى بالتجسيد: إما أن يتم التخلص منها بصفة نهائية عن طريق القتل، مع استحضار الحديث النبوي في عملية القتل الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: « إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة… » وإما أن يتم اصطيادها من أجل تعقيم الإناث، وإخصاء الذكور، ثم تلقيحها ضد داء الكلب، ثم إعادتها إلى أماكنها التي ألفتها، مما يعني في هذه الحالة أن مشكل إزعاج النساء والأطفال والشيوخ وحتى عامة المواطنين يبقى مطروحا إلى ما لانهاية، خاصة إذا علمنا أن إفلات ذكر واحد من عملية الخصي يعيد الوضع إلى سابق عهده بازدياد أعداد الكلاب، ليتم الدوران في حلقة مفرغة، مع العلم أن هذا الأمر يتطلب موارد مالية يتعين صرفها من منطق الأولويات في مجالات حيوية، من قبيل دور العجزة والمشردين… وتجدر الإشارة أنه حتى فرنسا التي يعتبرها هؤلاء نموذجا للاقتداء، قد رخصت سنة 2023 لقتل 204 ذئب مراعاة للمصلحة العامة التي تمر عبر مصلحة مربي الأغنام. ثم هل يعقل في هذا الظروف بالذات تقديم حقوق الكلاب على حقوق الإنسان، في الوقت الذي يفتقر فيه عدد كبير من المغاربة لأدنى شروط الحياة الكريمة، وفي الوقت الذي تُسلط فيه جميع أنواع الإبادة على إخواننا في فلسطين، أقلها القتل المتعمد عن طريق حرمانه من الغذاء والدواء.
في الأخير أتمنى أن نصل إلى كأس العالم، وقد تم التخلص من ظاهرتي التسول والكلاب الضالة، وعلى الخصوص من تغوُّل تلك الجمعيات التي تستقوي بالغرب لفرض ممارسات مجتمعية لا علاقة لها بهويتنا وثقافتنا الإسلامية، مستغلة شعاري حقوق الإنسان وحقوق الحيوان، مع العلم أن الواقع قد برهن بالملموس على أن هذه الحقوق لم تكن أكثر من مراهم للتغطية على الندوب التي أحدثها الغرب في أجساد مستعمراته السابقة، في نفس الوقت الذي يتم السعي من خلالها إلى استدامة التحكم في مصير هذه المستعمرات عن طريق مسخ ثقافتها الأصلية وبسط هيمنتها الثقافية.
الحسن جرودي

Aucun commentaire