أفرجوا عن ببغاوات المصور حميد!

اسماعيل الحلوتي
بعد تفكير عميق في حادث إقدام المديرية الإقليمية للوكالة الوطنية للمياه والغابات مع مطلع شهر فبراير 2025 على مصادرة ببغاوات المصور المسمى « حميد بن سعيد » في المدينة الزرقاء شفشاون، بدعوى أن استغلالها في عملية تصوير الفوتوغرافي في الشارع، يتعارض مع القانون رقم 15-97، لم نجد من مثل ينطبق عليه أفضل من ذلك القائل « عيش نهار تسمع اخبار »، حيث أنه لم يعد يمر علينا يوم دون أن نسمع أخبارا من هنا وهناك تثير امتعاض الناس وتستفز مشاعرهم، ولاسيما حين يتم التعامل مع المساطر القانونية بانتقائية أو الكيل بمكيالين، مما يؤدي أحيانا إلى حرمان بعض المواطنين من مصادر رزقهم وارتفاع منسوب الاحتقان الشعبي.
ذلك أن المدينة الهادئة والآمنة شفشاون التي لم يسبق لها أن عاشت ساحاتها يوما على وقع ضجة ما، سرعان ما اهتزت خلال هذه الأيام الباردة إثر حرارة غير عادية، تتمثل في تلك الأجواء الصاخبة من التضامن الشعبي مع المصور الشهير حميد بن سعيد، الذي تمت مصادرة طيوره التي كانت تضفي جمالا ليس فقط على ساحة « وطاء الحمام »، بل كذلك على تلك الصور التي كان يلتقطها لزبنائه من زوار المدينة، بدعوى أن تربية هذا النوع من الطيور مخالفة للقانون رقم 05.29 المتعلق بحماية أنواع النباتات والحيوانات المتوحشة ومراقبة الاتجار فيها، وفق ما ورد في الظهير الشريف رقم 84.11.1 الصادر في 29 رجب 1432 الموافق ل(2 يوليوز 2011). وهو ما أدى إلى استياء عارم وأثار ردود فعل غاضبة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث لم يستسغ الكثيرون أن يتم اللجوء فجأة ودون سابق إشعار إلى حجز طيور مواطن مغربي ظل يستعين بها في تأمين قوته اليومي بنفس المكان لمدة تزيد عن عقدين ونصف من الزمان. فما الذي تغير اليوم؟
وحميد بن سعيد هذا ليس سوى أحد المواطنين المغاربة، الذي يعد من أقدم المصورين المتجولين، والذي قضى إلى يومنا هذا زهاء ثلاثة عقود من العمل مصورا في الهواء الطلق بساحة « وطاء الحمام »، وتمكن خلال كل هذه الفترة الطويلة من اكتساب شهرة كبيرة ليس فقط داخل المغرب، بل حتى خارج حدود الوطن، حيث كان يقضي اليوم بكل حيوية ونشاط في التقاط صور تذكارية لزوار المنطقة من المغاربة والسياح الأجانب رفقة تلك الببغاوات المزركشة، التي تجذب الأنظار وتشكل « تراثا » سياحيا للمدينة، بل إنها ساهمت في الترويج لها مجانا، إثر انتشار تلك الصور التذكارية معها على نطاق واسع.
لذلك لم يستطع المصور حميد تحمل هول الصدمة القوية التي نزلت على رأسه كالصاعقة إثر الحجز المفاجئ لطيوره، التي لم يعتد طوال كل تلك المدة على غيابها عن عينيه ولو لحظة واحدة، والأكثر من ذلك أنه يتوفر على وثائق إدارية تثبت ملكيته لها، لدرجة أصبح يعتبرها بمثابة أبنائه، ولا سيما أن الله لم يرزقه بأطفال من صلبه، فوجد نفسه مضطرا إلى الخروج عن صمته لإسماع صوته عبر مقطع فيديو جد مؤثر، حيث يظهر فيه وهو يبكي بحرقة ووجع الفراق يعتصر قلبه، يناشد السلطات بأن تعيد له طيوره التي لن تستطيع هي الأخرى العيش بعيدا عنه، ويخشى أن تصاب بالاكتئاب والموت داخل أقفاص المديرية، بعد أن كانت تنعم بالحرية في بيته وبين الناس في تلك الساحة.
ويرى بعض الملاحظين والمتابعين للشأن العام ببلادنا أن القانون 05.29 المتعلق بتنظيم تربية مثل هذه الطيور وغيرها من الحيوانات، والذي تم نفض الغبار عنه بغتة لغرض في نفس يعقوب، لا يشمل حالة المصور حميد وغيره ممن يستعينون بالقرود في ساحة جامع الفنا وسواها من الحيوانات والطيور، منذ أمد بعيد وقبل دخول القانون حيز التنفيذ، والذي لا ينبغي أن يطبق سوى على الحالات التي جاءت بعد صدوره في سنة 2011. وهو ما يؤكد أن قرار المديرية الإقليمية للمياه والغابات فيه نوع من التعسف، وأنه كان من المفترض مراعاة علاقة المصور بطيوره التي تجاوزت ربع قرن من الزمن، والبحث عن وسيلة أخرى قانونية من أجل تسوية هذا الموضوع بما يلزم من حكمة.
إننا مع حماية الطيور والحيوانات واحترام جميع القوانين بما فيها تلك المنظمة لربية الطيور وسواها، ولكننا نرفض بشدة أن تطبق هذه القوانين بانتقائية وحسب أمزجة بعض المسؤولين. وعلى هذا الأساس نعلن تضامننا مع حميد وطيوره، ونلتمس من الجهات المعنية بمدينة شفشاون العمل على إيجاد حل سريع لهذه الحالة الإنسانية، من خلال الإفراج الفوري على تلك الطيور المحتجزة وإعادتها لصاحبها الذي هو أدرى بشؤونها، فضلا عن أنها تعد المعين الوحيد له في كسب قوته اليومي.
Aucun commentaire