Home»Débats»لا يؤلم الشجرة الفأس التي تقطعها إنما يؤلمها العود المقطوع منها الذي يحملها

لا يؤلم الشجرة الفأس التي تقطعها إنما يؤلمها العود المقطوع منها الذي يحملها

0
Shares
PinterestGoogle+

لا يؤلم الشجرة الفأس التي تقطعها إنما يؤلمها العود المقطوع منها الذي يحملها

محمد شركي

من نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم  الصادقة إخبار أمته المسلمة  بزمن يأتي عليها ، وهي في أقصى درجة الذل والهوان بين الأمم ، وذلك في حديثه المشهور : «  يوشك الأمم أن تداعى عليكم ، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ، فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن ، فقال قائل : يا رسول الله وما الوهن ؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت  » .

والغريب في هذا الحديث النبوي الشريف ـ  حتى لا نقول المفارقة تنزيها له ـ أن تذل وتهون أمة الإسلام، وهي كثرة كاثرة ، علما بأنها عزّت وهي قلة قليلة زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومما يذل هذه الأمة على كثرتها كما جاء في هذا الحديث، حبها و تعلقها الكبير بالدنيا، والإقبال عليها  بنهم  وشره  ،  وكراهية الموت ،وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الإقبال وهنا أي ضعفا .ولا يستقيم  منطقا أن يكون الضعف مع كثرة الأصل فيها القوة ، ومن أجل إقناع رسول الله صلى الله عليه بإمكان حصول هذا الذي لا يستقيم منطقا في الظاهر، جاء بتشبيه  يرفع الغرابة عن الأذهان حيث شبه الكثرة التي يلابسها الضعف بالغثاء ، وهو ما يعلو السيول من رغوة ، ومن كل ما خف من خشاش الأرض وغيره . ومعلوم أن الغثاء يكون حسب حجم السيول التي تكون زاخرة ، ومع ذلك يكون غثاؤها أهون ما فيها على كثرته . ولا يستطيع أحد  بعد هذا التشبيه وهو غاية في التصوير أن يستغرب وجود ضعف في كثرة إلا أن يكون مكابرا .

ومما يثير الانتباه في هذا الحديث الشريف  أيضا سؤال السائل :  » ومن قلة نحن يومئذ ؟  » ، ولا شك أن الذي جعله يسأل هذا السؤال هو التشبيه الأول  في الحديث الشريف  الذي شبه الأمة بقصعة طعام يجتمع حولها الأكلة ، وهذا ما جعل السائل يخطر بباله أو يستحضر قلة الأمة ، لأن قصعة الطعام مهما امتلأت فإن تداعي الأكلة عليها يأتي عليها ويفرغها . ولا شك أن السائل ذهل لما أخبره رسول الله صلى الله عليه بكثرة الأمة يومئذ ، لكن غرابته سرعان ما زالت عندما شبه عليه الصلاة والسلام  الأمة يومئذ  بغثاء السيل الذي لا نفع يرجى منه كما جاء في قول الله تعالى : ((فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض )) .

ومع تحول الأمة إلى غثاء بسبب ما يصيبها من وهن ، تنزع مهابتها من قلوب  أعدائها ، فيستخفون بها ، ويمعنون في إهانتها ، وإذلالها تماما كما يستخف بالغثاء الذي تتقاذفه السيول . وأما قلوب الأمة، فيستقر فيها حب الدنيا والتعلق بها  وكراهية الموت، وقد جاء التعبير عن هذا الحب بالوهن بليغا بل غاية في البلاغة ، ذلك أن الحب مهما كانت طبيعته  يرافقه بالضرورة وهن المحب وضعفه واستكانته للمحبوب ، وصدق من قال :

أهنت نفسي للحب بعد عزتها         وأي ذي عزة للحب لا يهن

 ومعلوم أن المهابة لا تنزع من قلوب أعداء الأمة  إلا بعد تأكدهم من حلول الوهن بقلوب أهلها ، لهذا يزينون لها الدنيا لتزداد تعلقا وشغفا بها  ، وعلى قدر هذا التعلق والشغف، يكون حجم الوهن ، وتكون الغثائية .

 ومعلوم أيضا أن الذي يفسد حب الدنيا هو الموت والزوال ، لهذا يصير مكروها في القلوب ، وعلى قدر حجم هذا الحب تزداد كراهية الموت ، وبزيادتها يزداد حجم الذل والهوان ، ذلك أن الوجل من الموت يجعل الواجل منه متشبثا بالحياة أيما تشبث ،على ما يكون فيها من خسة وذل وهوان ، ويصير همه هو التعلق بها ، وعليه يصدق قول الشاعر الحكيم :

من يهن يسهل الهوان عليه           ما لجرح بميّت إيلام

فكما ينعدم إحساس الميّت بألم الجرح ، ينعدم إحساس من يهون بألم الهوان.

وإذا ما عرضنا حال أمتنا المسلمة عربها وعجمها اليوم على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا يسعنا إلا الجزم بأننا  نحن من عناهم  وقصدهم ، ذلك أننا اليوم كثرة كاثرة قد تجاوزنا المليار والنصف عددا ، وعلمت الأمم العدوة ما سكن قلوبنا من وهن ، فنزعت من قلوبها المهابة منا، وأمعنت في إذلالنا ذلا ليس بعده ذل ، وصرنا مسخرة عندهم ، يتندرون بنا في أحاديثهم ، ونحن متشبثون بالحياة، ومقبلون عليها بشره ونهم ، لا نبالي  بإذلال يلحقنا منها .

ولعل ما صدمنا ونحن  غارقون في الوهن، وما هو إلا أوحال الذل والهوان ، وما كشف النقاب عن غثائيتنا ، هو ما حدث بعد السابع من أكتوبر، لما هبت قلة من أبناء أرض الإسراء والمعراج  لتدفع عنا هواننا ، وقد قلبت معادلتنا الخاسرة المراهنة على حب الدنيا وكراهية الموت ، فأقبلت على الموت كإقبالنا على الحياة لعلها تحررنا من وهننا الذي ران علينا، لكننا مع الأسف  لم نفق من سكرة حب الدنيا بل ازداد تعلقنا بها ، وازداد وجلنا من الموت الذي يستطيبه إخواننا في غزة بأرض فلسطين . ومن فرط غثائيتنا صرنا نعجب منهم كيف يودعون شهداءهم بالمئات يوميا ، وهم يسألون الله عز وجل أن يتقبلهم  ويرضاهم منهم ، وذلك بصبر وجلد كبيرين، وقد أذهلوا بذلك حتى أعداءنا الذين ألفوا منا التعلق بالوهن والرضا به ، ولكنهم فاجأهم أنه بقيت فينا  قلة تركب الموت  ببسالة منقطعة النظير ، ومذكرة بسلف صالح منه تعلمت البسالة .

ولقد صرنا نفكر في جيوشنا ، ونتساءل باستغراب ما الذي أقعدها  في

ثكناتها عن الحذو حذو إخواننا الذين أحبوا الموت ، وكرهوا حياة المهانة  في غزة العز ، وما أقعدها إلا الذي أقعدنا كشعوب ، علما بأن من طبيعة جيوشنا   أن تكون محبة للموت كارهة للحياة ،إلا أنها مع شديد الأسف صارت أشد تعلقا بالحياة منا ، وعزّ فيها من يقف في وجوه ساستنا الذين استخفوا بنا  أيما استخفاف ، والذين بدورهم  استخف بهم أعداؤنا  تماما كما استخفوا بنا ، وصاروا خدما عندهم يأتمرون بأوامرهم ، ويصدرونها إلى جيوشهم القابعة في ثكناتها المنشغلة بلذة الوهن على ما فيها من  ذل وهوان .

ولقد ضرب طلاب الموت الأبطال  في غزة أمثالا رائعة في البسالة والصمود أمام أعدائنا الذين يرعبون جيوشنا الواهنة بأسلحة دمارهم التي قيدتهم بقيود المهانة والذلة . ولولا غثائيتنا ، واستكانة جيوشنا ، وخيانة ساستنا الفاضحة لما تجاسر علينا أعداؤنا .

ولقد أصاب الحقيقة المنطبقة علينا من قال :  » لا يؤلم الشجرة الفأس التي تقطعها إنما يؤلمها العود المقطوع منها الذي يحملها « .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *