Home»Débats»عندما يبلغ الاستبداد الفكري حد الحجر على الخطباء

عندما يبلغ الاستبداد الفكري حد الحجر على الخطباء

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

عندما يبلغ الاستبداد الفكري حد الحجر على الخطباء

كثُر اللغط مؤخرا حول خطبة العيد، بأحد مصليات مدينة وجدة، إلى حد أن أحد رؤوس المُسوِّقين للعلمانية في بلادنا، خصص لها فيديو على قناته على يوتيوب، هدفه الحجر على الخطباء، وتقزيم دور المسجد، الذي حصره في « العبادة والوعظ والإرشاد « ، ومن بين ما تضمن هذا الفيديو:

  • اتهامه الصريح للأستاذ مصطفى بنحمزة، بتوجيه الخطيب بخصوص مضمون الخطبة، بحيث أورد أن الخطبة كانت إما بإيعاز منه وإما تَملُّقا من الخطيب له.
  • زعمه بأن المنبر استُعمل منذ القديم للبحث عن الشرعية السياسية، عن طريق التحريض السياسي ضد الخصوم، معترفا في نفس الوقت بأن المسجد كان مكانا لحلقات الدروس، والحوار الفكري، والفقهي الذي أنتج الفرق الكلامية المختلفة، والمذاهب الفقهية، بالإضافة إلى الدور الذي كان يلعبه في الدفاع عن حوزة الوطن ضد الغزاة الأجانب.
  • تصريحه بأن النقاش الفكري أصبح مكانه المعاهد والكليات العلمية، وأن التعبئة أصبحت من اختصاص وسائل الإعلام، والأحزاب السياسية، والمجتمع المدني، بينما حصر دور المسجد في « العبادة والوعظ والإرشاد » فقط.
  • زعمه بأن أمور الدين أصبحت قطاعا خاصا، يتم تدبيره من قبل وزارة الأوقاف. والأئمة والخطباء موظفون لدى هذه الوزارة.
  • تحميله مسؤولية الخلافات السياسية داخل المساجد إلى الإسلام السياسي، واتهامه الإسلاميين بتنصيبهم لمجموعة من الأئمة بهدف تصفية الحسابات مع خصومهم السياسيين.
  • إشارته إلى أن تصفية الحسابات مكانها المنابر الإعلامية، والمقرات الحزبية، والقاعات العمومية و »الكارجات » والإذاعة والتلفزة.
  • تصريحه بأن الصراع بين الحركة الإسلامية، والحركة الأمازيغية، انطلقت في الأصل من خطبة جمعة ذكر فيها الخطيب بأن الدعوة إلى تدريس الأمازغية مؤامرة استعمارية، معتبرا بأن هذا الخطيب يطعن في المجتمع المدني بكامله، وواصفا أحد الخطباء بالمتهور، لكونه أشار في وقت سابق، في إحدى خطبه، بأن خطة إدماج المرأة خطة صهيونية.
  • اعتماده الازدواجية في تقدير نباهة المصلين، بحيث يزعم بأن الخطباء يعتبرونهم قطيعا ومغفلون عكس ما هم عليه، وينعتهم في نفس الوقت بالعامة عندما اتهمهم بالاستقواء بهم، معتبرا أن الاستقواء بالعامة لا ينفع.
  • عدم قبوله وصف رشيد أيلال بالجاهل، من قبل الخطيب الذي لم يذكره بالاسم، فيما سمح لنفسه بالقول بأن تلك العبارات تدل على ضعف في التفكير.
  • تحميله وزارة الأوقاف المسؤولية أمام ما أسماه بالتلاعب، الذي تم في فضاء عام لا يحق لأحد استغلاله لأغراض شخصية.
  • مطالبته وزارة الأوقاف، إما أن تستفسر الخطباء الذين وصفهم ب »هؤلاء الناس » وتُنذِرهم، وإما أن تتيح للآخرين الرد من على نفس المنبر، مطالبا بأن يُسمح لرشيد أيلال بالذهاب إلى وجدة، ويخطب في عيد الأضحى المقبل ويشرح موقفه للناس الذين وحدهم لهم حق الحكم عليه، ليستدرك قائلا بأن هذا نوعٌ من الكاريكاتور، لكن له دلالته التي حصرها في كوننا نعيش عصور الانحطاط.
  • تأكيده على أنه لا يوجد رد حقيقي على رشيد أيلال لحد الآن.

واختمم الفيديو بانه في انتظار حوارٍ حضاري، فإنه يتمنى للمغاربة أن يعيشوا في مغرب الحوار ومغرب الحرية وفي مغرب التبادل.

لم أجد عبارة تلخص كلام الأستاذ عصيد، أدق وأصدق من قول الله عز وجل على لسان فرعون في الآية 29 من سورة غافر:﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾،

إذ كيف يمكن للمغاربة أن يعيشوا في مغرب الحوار والحرية:

  • وهو من يريد فرض حدود، ومفهوم كل من الحوار والحرية. فأي حوار هذا الذي يتكلم عنه وهو يعلم جيدا أن مفهوم الإسلام السياسي تم اختلاقه اختلاقا لضرب كل ما يمت للإسلام بصلة، فمجرد إنبات اللحية ومخالفة العلمانية يعتبر بمثابة جرم يُصنف صاحبه في خانة الوهابيين، أو الإخوان المسلمين الذين هم بالضرورة إرهابيون، وأي حرية هذه التي يُعطى فيها الحق لكل مُعربد ومتهتك ليفعل ويقول ما يشاء، وكيف يشاء، حتى أنه حاول إضفاء الشرعية على حرق المصحف الشريف  في السويد، لاعتبارات واهية، أهمها قداسة حقوق الإنسان في هذا البلد، علما أن ازدراء عقائد الآخرين ما كان  يوما، ولن يكون أبدا حقا من حقوق الإنسان، ولعل  قيام  أكثر من 100 شخصية مغربية من مختلف التوجهات الفكرية والسياسية، بالتنديد بهذا العمل الشنيع، لخير دليل على تغريده خارج السرب.
  • وهو من يكشف عن النيات، ويتكهن بأن رئيس المجلس العلمي هو الذي أوعز للخطيب بموضوع الخطبة، أو أن الخطيب اختار هذا الموضوع تملقا له.
  • وهو من يحصر دور المسجد في العبادة والوعظ والإرشاد فقط، وهو من يحدد هذه المفاهيم. فمنذ متى تم هذا الحصر ومن الذي أفتى له بذلك؟ وحتى إذا سلمنا له جدلا بهذا الحصر، أليس تحذير المسلمين مما يحاك لهم، ولدينهم من قبل أعداء الإسلام في الخارج والداخل، من صميم العبادة، قبل أن يكون وعظا وإرشادا؟ والسؤال الذي أوجهه للأستاذ عصيد هو: ماذا كنت ستختار، في حالة استشارتك، موضوعا لخطبة العيد عوض موضوع توعية المسلمين بالمخاطر التي تحدق بهم، لا شك أن الأمر سيكون صعبا، وسيتطلب منه بالضرورة الاحتماء بمن خَبِر المنبر من أمثال مستشار وزير العدل، ليدبِّج له خطبة تُطبِّع مع « حقوق الإنسان الكونية »، وتستحث الناس على تجاوز الحدود التي حدها الله ورسوله بخصوص الحريات الفردية… والكلام لا يحتاج إلى تفصيل.
  • وهو من يريد إعادة كتابة التاريخ، بما يتماشى مع أجندات الغرب، وتحميل المسلمين مسؤولية الصراعات التي كان العلمانيون في قلبها، فكيف يُعقل تحميل خطيب جمعة مسؤولية الصراع بين الحركة الإسلامية، والحركة الأمازيغية، وهو يعلم جيدا أن هذا الصراع لم يأت إلا لِيُعوِّض فشل محاربة اليسار للإسلام، بعد انهزامه على المستوى العالمي مع سقوط الاتحاد السوفياتي، ثم بالله عليه، كيف يمكن أن يُقنع مغربيا عاديا بأهمية تدريس الأمازيغية، بغض النظر عن كون فكرة استحداث حروفها، ثُمَّ تدريسها، نشأت في دهاليز الأكاديمية العالمية للأمازيغية في فرنسا، ليبقى السؤال مطروحا بشأن المصلحة التي تُرتجى من ورائها، خاصة وأنها غير ذات فائدة، وأنا أعي ما أقول، لكوني أمازيغي أبا عن جد، من جهتي الأب والأم على السواء، ذلك أن كل المؤشرات الحالية تدل على أن المفسدة المترتبة عن تدريسها، أقلها ما صرح به وزير التربية الوطنية بأن  » استعمال ثلاثة حروف لتعّلم اللغات المدّرسة في المدرسة المغربية، ُيعّد من الصعوبات التي تؤثر على تمكن التلاميذ المغاربة من اللغات »، لوحدها أكبر من المصلحة الموعودة، وما بالك بالمفسدة المتمثلة في تفريق المغاربة إلى أمازيغ وعرب، فلن تكون إلا أعظم وأخطر من المصلحة التي قد تحصل وقد لا تحصل عن طريق تدريسها، رغما على أنف المغاربة. من هنا كان من الأولى إعمال قاعدة « درأ المفسدة أولى من جلب المصلحة »، هذا من جهة، من جهة ثانية هل يمكن للأستاذ عصيد أن يُنكر بأن خطة إدماج المرأة فُرضت من الغرب، وأن مضامينها تتنافى مع التشريع الإسلامي، بغض النظر عن تسميتها بأنها خطة صهيونية، أو حداثية، أو علمانية، أو خطة للأمم المتحدة… وإذا كان الأستاذ عصيد ديموقراطيا كما يزعم، فليطالب باستفتاء الشعب، سواء تعلق الأمر بتدريس الأمازيغية، أو بتبني خطة إدماج المرأة، عوض تجنيد مجموعة من الجمعيات التي يتم استنباتها على مدار السنة، لإيهام الرأي العام المغربي، والداعمين لها على الخصوص، بأن المجتمع المغربي قابل للعلمنة والتخلي عن معتقداته، وهو الأمر الذي لن يكون، ولا يمكن أن يكون على الرغم من  كل ما قد يوحي بذلك.
  • وهو من يُنكر وجود رد على المسمى رشيد أيلال، مع العلم أن عدد الردود من علماء وشخصيات وازنة كانت أكثر مما يستحقه، حتى أنها كانت بمثابة إشهار مجاني لكتابه، على غرار ما حدث مع سلمان رشدي وكتابه آيات شيطانية، إذ كان يكفي رد الأستاذ إدريس الكنبوري، الذي بيَّن بالملموس، أن جل فقرات الكتاب مسروقة. ومع ذلك فهو يطالب بمناقشته مناقشة علمية، وهو يعلم أن ذلك غير ممكن، لسبب بسيط هو جهله بالموضوع الذي ليس من اختصاصه، لذلك فكان حري به أن يتدبر بعض الآيات القرآنية، ليدرك أن العلم ضروري للجدال والمناقشة، وأن القرآن الكريم قد توعد الذي يجادل بغير علم، بالخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة، في عدد من الآيات، نذكر منها على سبيل المثال قوله عز من قائل في سورة الحج ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ(4)﴾ وقوله في نفس السورة ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10) ﴾

ختاما، أكتفي بهذه الردود علما أن عددا منها متضمن في طيات كلامه، وإشفاقا عليه، أقول للأستاذ عصيد كفى من السباحة ضد التيار، وأنت في خريف أيامك، فليس عيبا أن يصحح الإنسان خطأه، وإنما العيب أن يتمادى فيه، وأنت تعلم في قرارة نفسك أنك ستسأل، يوم لا ينفعك مال ولا بنون ولا الحقوق « الكونية »، لا عن نفسك فقط، بل عن آثارك التي عمَّت شريحة مهمة من الأغرار الذين زيَّنْتَ لهم الفاحشة باسم الحرية، مصداقا لقوله تعالى في الآية 12 من سورة يس:﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *