الاحتفاء بأهل القرآن مُهم، والأهم منه التصدي لمحاربي القرآن نفسه.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي
الاحتفاء بأهل القرآن مُهم، والأهم منه التصدي لمحاربي القرآن نفسه.
لا يمكن لمن يتتبع التطورات التي تطال المجتمع المغربي في الآونة الأخيرة إلا أن يلاحظ الهجمة الشرسة على الدين الإسلامي وعلى قيمه السامية، وذلك باستغلال جميع الوسائل المتاحة بغض النظر عن التزامها بالمصداقية من عدمها، فهذا يستغل السياسة، وذاك يدخل من باب الفن، وآخر من نافذة الإعلام… فعلى مستوى السياسة نجد أن هناك من بين الوزراء، من يبرر فجور أولئك المحسوبين على الفن بحرية التعبير، ومن يفترض أن الفن رافعة للاقتصاد الوطني باعتبار عدد المنبهرين به، ومن يعمل كل ما في وسعه لضرب المعلوم من الدين بالضرورة كما هو الشأن بالنسبة للذي يدافع على السُّكر العلني، ومنع التعديد، والسماح بالإجهاض والإفطار العلني… ومن يترك المجال واسعا أمام مدارس البعثة الفرنسية لتفعل في أبنائنا ما تشاء كما كان الشأن بالنسبة لتلك التي كانت « تلقن التلاميذ معلومات عن المثلية الجنسية والميول الشاذة، ونشر أفكار مهينة لشخصيات ورموز الإسلام »، أما على مستوى الإعلام فحدث ولا حرج لأنه يفتح الباب أمام كل ناعق يستهدف ثوابت الأمة وشبابها في الوقت الذي يتم فيه التضييق على كل الذين يعملون على توعية المجتمع خاصة شريحة الشباب بمخاطر الميوعة التي تتجلى في الواقع اليومي للأمم التي يَكتفي هؤلاء النواعق بالاجتهاد في استيراد كل ما هو تافه وضار للجانب القيمي دون غيره مما يعود بالنفع على الأمة في الجانب المادي على الخصوص.
ودون إطالة أشير إلى أن الدافع وراء هذا المقال هو مقال استفزازي للمسمى عصيد نُشر إحدى الجرائد الإلكترونية بتاريخ 4 أبريل 2023 تحت عنوان إلاهيات، والذي خصصه باختصار شديد للاستهزاء بالدين وبأهله من متدينين عادين إلى علماء، إلى مسؤولين عن القطاع، ثم مقال بنفس الجريدة بتاريخ 6 أبريل 2023 مفاده أن « وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تنظم ليلة القرآن الكريم احتفاء بالذكر الحكيم وأهله، وذلك بمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات »، ليأتي بعده مقال باسم نفس الجريدة تحت عنوان « »الأوقاف » تحتفي بأهل القرآن الكريم في الرباط » يصف مجريات الاحتفال الذي تم التركيز فيه على العنصر النسوي، وكأن البرنامج من وضع التوجه النسوي أو على الأقل إرضاء له، بحيث تم عرض شريط يستعرض إشراقات « النهضة القرآنية النسائية » ثم تكريم مجموعة من القارئات والحافظات دون غيرهن من الذكور! ومع ذلك فالمبادرة في حد ذاتها لا يمكن إلا أن تُثمن لو كان السياق غير هذا الذي يُشن فيه هجوم شرس على القرآن وأهله، كما تمت الإشارة إلى ذلك في الفقرة الأولى من المقال، وهو ما ذكرني بالآية 19 من سورة التوبة حيث يقول جل جلاله: « أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ »، ولا شك أن سقي الحجيج كما إحياء ليال للاحتفاء بأهل القرآن شيء مهم، لكن الأهم هو الدفاع عن بيضة الإسلام وإيقاف هذا التوجه الجارف عند حده.
وإذا علمنا أن كل مساجد المملكة تحتفي خلال هذا الشهر الكريم الذي يُعرف بنزول القرآن فيه، من خلال مداومة جل المسلمين على صلاة التراويح وعلى قراءة القرآن وتدبره، فإن منطق الأولويات يقتضي أن يكون الاحتفاء الرسمي ذو قيمة مضافة تتمظهر في التصدي الصريح والحازم لكل أولئك الذين يستهدفون الدين الحنيف، الذي كان منذ اعتنقه المغاربة الحافز الأول لمحاربة الاستعمار وكل محاولات النزغ بين مختلف مكونات المجتمع، إن ما يتطلع إليه المغاربة يتجاوز سقف الاحتفال الموسمي المسمى جورا الاحتفاء بأهل القرآن، علما أن سواد أهل القرآن يعيشون الضنك والحاجة لولا المحسنون الذين لا يُؤمَن على بعضهم من خطر المَنِّ الذي يَحُط من مكانة وهيبة صاحب القرآن، قلت إن ما يتطلع إليه المجتمع هو رفع الضيم والغبن على أهل القرآن وحفظته وإخراجهم من دائرة الضيق التي يعيشها جلهم، بعيدا عن تلك المزايدات، التي تلجأ في تبريرها للحفاظ على هذا الوضع، إلى الاستشهاد بممارسات كانت في ظروف لها خصوصياتها والتي تُجوزت لأسباب تاريخية وأخرى اجتماعية، علما أن معظم مساجد اليوم أصبحت لها مداخيل وُضعت تحت تصرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن من حق كل مسلم يَغار على دينه، أن يطالب كل المسؤولين وعلى رأسهم وزير الأوقاف وأعضاء المجلس العلمي الأعلى، ولم لا أعضاء الحكومة على اعتبار أن الإسلام دين الدولة، أن يستعملوا سلطتهم المادية والمعنوية لإيقاف كل من يتجاوز حدود اللياقة في التعامل مع القرآن وأهله، وأما أن يُترك المجال والباب مشرعا أمام كل من هب ودب والاكتفاء بحفلات تفتقد الفعالية في هذا الصدد، فإن المغاربة والتاريخ سيسجلونها في سجل نقائص كل من كُلف بالذود عن حما هذا الدين الخالد وتقاعس عن ذلك ولم يفعل.
في الأخير، وحتى لا أكرر ما أورده الأخ الكريم الأستاذ شركي في رده عن مقال المدعو عصيد، والذي كان شافيا كافيا، أريد أن أذكِّر بمقولة الفيلسوف الإنجليزي « فرانسيس بيكون » المعروف بقيادته للثورة العلمية في القرن 17 عن طريق فلسفته الجديدة القائمة على « الملاحظة والتجريب »، حيث قال: « قليل من الفلسفة قد يؤدّي بك إلى الإلحاد، لكنّ التعمق الشّديد في الفلسفة يرمي بك في أحضان الدين… » ولعل الشطر الأول من المقولة ينطبق تماما على صاحبنا، لذا فكل ما يصدر عنه لا يعدو أن يكون لغوا يتعين على كل حصيف عدم إعطائه أدنى قيمة علمية ولا أخلاقية، ومن ثم يتعين الإعراض عنه مصداقا لقوله تعالى في الآية 55 من سورة القصص: « وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ » صدق الله العظيم.
الحسن جرودي





Aucun commentaire