Home»Débats»« اغتصاب تيفلت » إلى أين؟

« اغتصاب تيفلت » إلى أين؟

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

« اغتصاب تيفلت » إلى أين؟

الحسن جرودي

في البداية لا بد من الإشارة إلى أن الاغتصاب أنواع وألوان، وما اغتصاب فتاة تيفلت إلا لون من ألوانه القاتمة، وقد ورد في لسان العرب: « أن الغَصْبُ أَخْذُ الشيءِ ظُلْماً، غَصَبَ الشيءَ يَغْصِـبُه غَصْباً، واغْتَصَبَه، فهو غاصِبٌ، وغَصَبه على الشيءِ: قَهَره، وغَصَبَه منه، والاغْتِصَابُ مِثْلُه، والشَّيْءُ غَصْبٌ ومَغْصُوب »، وهو كذلك مصطلح فقهي يعني أخذ الشيء عنوة بالإكراه‏، ويشمل اغتصاب أموال الناس وممتلكاتهم، كما هو الشأن بالنسبة للملك الذي كان يسطو على سفن الناس في عهد سيدنا موسى، كما أخبر الله بذلك في الآية 79 من سورة الكهف حيث قال جل جلاله: « أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا »، كما يشمل اغتصاب السلطة وهلم جرا…

إن المثير في قضية اغتصاب فتاة تيفلت هو الضجة التي أحدثتها على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، فهي من جهة، تبدو على الأقل في ظاهرها، مسألة صحية من حيث مبدأ مساندة الضحية، على الرغم من أنه يُكتفى فيها بالقول دون الفعل، إلا أنها من جهة ثانية تُشتم فيها رائحة التدخل في استقلالية القضاء، خاصة وأن مجموعة من الجمعيات ذات التوجه العلماني دخلت على الخط، وما يزيد الأمر إشكالا هو التصريح الذي أدلى به وزير العدل في هذا الصدد، ذلك أنه إذا كان تصريح العامة يُبنى في أغلبه على العاطفة التي يتم تهييجها من قبل الجهات التي لها مصلحة في ذلك، فإن تصريح الوزير كان ينبغي أن يكون مخالفا ومبنيا على الوقائع التي تُبرزها الملفات التي تم اعتمادها في إصدار الحكم، عوض استعمال المصطلحات ذات الحمولة النفسية والعاطفية من مثل « اغتصاب الطفلة الضحية التي نزلت كالصاعقة على نفوسنا » التي استهل بها التصريح، كما جاء في مقالٍ لإحدى الجرائد الإلكترونية: « واقعة اغتصاب الطفلة الضحية التي نزلت كالصاعقة على نفوسنا تُسائلنا من جديد جميعا، كمسؤولين وكفاعلين وكمجتمع مدني، حول الجهود الضرورية التي يجب تعزيزها وإعمالها، تشريعيا وفكريا وتربويا وتحسيسيا، لحماية طفولتنا من الاغتصاب أولا، وثانيا للضرب بقوة على يد كل من سولت له نفسه العبث بطفولتنا من جميع الجوانب. ونحن عازمون تشريعيا في وزارة العدل على تشديد أقصى العقوبات في مشروع القانون الجنائي الجديد، حماية للطفولة من جرائم الاغتصاب ومن تعاطيها للمخدرات وغيرها من الاعتداءات التي قد يتعرض لها أطفالنا ».

لا أريد أن يُفهم من كلامي أني ضد مساندة الطفلة في محنتها، لكني لا أستسيغ أن يتم استغلال القضية لخدمة أجندة معينة وأهداف مُبيتة، ذلك أنه إذا كان هؤلاء يرفضون حكم المحكمة الوضعية لكون الحكم في نظرهم مُخفَّف، فليطالبوا بتطبيق حكم الشريعة الإسلامية حيث الرجم في حالة المحصن والجلد لغير المحصن إذا تعلق الأمر بالزنى فقط، أما إذا تعدى الأمر إلى الاغتصاب والتهديد بالسلاح فإن الأمر يتعدى حد الزنا إلى « حد الحرابة » الذي تنطبق عليه حسب بعض الفتاوى الآية 33 من سورة المائدة: « إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ »

لكن يبدو أن السيد وزير العدل ومعه هذه الجمعيات و »الفعاليات » الحقوقية، متبوعة بمجموعة من الغوغائيين الذين يُصدرون أحكاما بغير علم ولا تمحيص، لا يرضيهم لا حكم القضاة الوضعي ولا حكم الشريعة، مما يوحي بأن هناك أمرا يُدبر بِلَيْل كما يقال، حيث البداية من التدخل في استقلالية القضاء، وضرب مصداقيته، وهذا ما أوضحه رئيس نادي قضاة المغرب الذي كتب بأن « خروج وزير العدل للتعليق على قرار قضائي ابتدائي صدر في قضية لا زالت معروضة على أنظار القضاء الاستئنافي، يشكل « خرقا خطيرا لاستقلالية القضاء باعتباره مسؤولا حكوميا » وأضاف « أنه يُمنع على وزير العدل التعليق على القضية « طبقا للفصل 107 من الدستور، كما اعتبره « تدخلا سافرا في قضية معروضة على القضاء، ومحاولة للتأثير على قضاة الدرجة الثانية بكيفية غير مشروعة وفق مفهوم الفصل 109 منه »، لتكون الخطوة الموالية بعد ذلك سحبُ البساط من القضاة ونزع صلاحيتهم في تدبير بعض القضايا التي يُعتمد فيها على السلطة التقديرية للقاضي.

وانطلاقا من تصريح السيد الوزير، فإني أسأله هل هو فعلا ينوي حماية الطفولة من جميع أنواع الاعتداءات التي تتعرض لها؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هو البرنامج الذي يقترحه على الحكومة لتوفير الحد الأدنى من ظروف العيش الكريم للمشردين منهم والذين يعانون من كل أشكال الإقصاء والتهميش في القرى والبوادي تجسيدا لهذه الحماية على أرض الواقع، أم أن همه الوحيد هو استصدار قوانين تتماشى مع ما هو مُطالب به من قبل أوصياء « القيم والحقوق الكونية » على رأسها سحب السلطة التقديرية من القضاة في تحديد ظروف السماح بزواج ما يطلق عليه في عرف هؤلاء الأوصياء بالقاصرات، ومن ثم منعه بشكل نهائي تحت أي عذر كان، بالإضافة إلى منع التعدد ورفع التجريم عن الإجهاض… والعناصرُ المتبقية من اللائحة معروفة.

ختاما أقول بأن القضاة بشر ومعرضون للخطأ كغيرهم، ولا شك أن المشرع قد سن آليات لمعالجة ما قد يصدر منهم من تجاوزات، والتي لن تكون في أي من الأحوال لا الغوغائية التي أصبحت تُركب لتعطيل القانون كلما عاكس مصالح فئة معينة، والأمثلة في هذا لا حصر لها ولا عد، ولا بضغط جمعيات « المجتمع العلماني »، ولا حتى بتصريحات وزير العدل الذي يعلم قبل غيره ببطلان هذا النوع من الممارسات التي تشوش على استقلالية القضاء، وعليه فإنه من العيب على وزير يُحسب على العدل والقانون أن يركب على هذه الواقعة لخدمة أجندة معينة يعلم خطورتها على هوية وقيم الشعب المغربي، علما أن عملية التشهير التي وقعت لهذه الفتاة وعائلتها على مستوى الوطن بل والعالم أجمع ستزيد من معاناتها النفسية والاجتماعية، وكل ذلك مقابل كلام مناسباتي منمق لا يسمن ولا يغني من جوع.

الحسن جرودي

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *