Home»Débats»القانون الوضعي من المصلحة العامة إلى تدجين الشعب!

القانون الوضعي من المصلحة العامة إلى تدجين الشعب!

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

القانون الوضعي من المصلحة العامة إلى تدجين الشعب!

بداية لا أريد أن يُفهم من هذا العنوان أني ضد القانون ولا ضد تطبيقه، وإنما أهدف من خلاله إلى تسليط الضوء على بعض الانحرافات أو لنقل التجاوزات والمغالاة التي لا تخدم المصلحة العامة بما يتماشى مع روح القانون، والتي قد يكون وراءها إما المنفِّذون له، أو بإيعاز من الجهات التي لها مصلحة في ذلك.

من المفترض أن تكون القوانين المعمول بها في بلد معين نابعة من واقعه وثقافته ومتناغمة معهما، بمعنى أنها تُستنبَت في هذا الواقع وهذه الثقافة وتُصاغ بما يتناسب وخصوصيات هذا البلد أو ذلك، وحتى إذا اقتضت الحاجة الاستعانة بقوانين أجنبية فيتعين ملاءمتها مع هذا الواقع، وإلا خالط جانب الفساد جانب الصلاح والإصلاح.

فلنأخذ قانون السير كمثال أول، ولنكتف بمجال تحديد السرعة الذي يستلزم اعتماد معايير علمية ومعقولة في تعيين السرعة الملائمة لمكانٍ وسياقٍ معينين، فإذا اعتبرنا بعض الطرق التي تمر قرب مدارس قروية أو أسواق أسبوعية على سبيل المثال لا الحصر، يبدو أن تحديد السرعة  في القيمة 60 أو 40 كلم في الساعة  أمرا معقولا، وذلك بسب تواجد إما المتسوقون أو التلاميذ بجوار هذه الطرق، لكن الاحتفاظ به خلال أيام الأسبوع بالنسبة للسوق، أو أيام العطل ونهاية الأسبوع بالنسبة للمدارس، حيث يغيب رواد كل من المدارس والأسواق ليس من المعقول في شيء، مع العلم أن رجال الدرك يتعمدون في أحيان كثيرة نشر راداراتهم خلال هذه الأيام بالذات وإلزام مخالفيه بأداء ذعائر قد تكون أحيانا وأحيانا كثيرة خارج مستطاع المعني بها، وذلك على الرغم من غياب أي مبرر معقول.

مثال ثان يمكن الاستئناس به في هذا الصدد ويتعلق الأمر بقانون بيع الخمور لغير المسلمين في الوقت الذي تُسلَّم فيه رخص بيعها ورخص فتح الحانات « للمسلمين » وذلك في أماكن لا يوجد فيها سوى المسلمون، وهذا يستلزم طرح سؤال جوهري يتعلق بالهدف من السماح ببيع الخمر أو منعها. هل لأن فيها ضرر لمستهلكيها وللمجتمع؟ وهو الأمر الذي يتعين معه منعها بغض النظر عن عقيدة الشخص مسلما كان أو غير مسلم، أم لأن الإسلام يُحرِّمها على المسلمين؟ مع العلم أن موقف الديانتين النصرانية واليهودية من تناولها لا يختلف كثيرا عن موقف الإسلام، في الوقت الذي يتعارض فيه الواقع العملي، « للمنتمين إليهما » كُلِّيا مع توجيهاتهما، وبناء على هذا الواقع وفي حالة منعها على المسلمين فقط، يتعين الإدلاء ببطاقة عدم الانتماء للديانة الإسلامية للسماح باقتنائها.

من خلال المثالين، نلاحظ أن تطبيق القانون لا يتلاءم مع واقع وخصوصيات المجتمع المغربي، وذلك راجع بلا شك إلى ازدواجية المرجعية، ذلك أن جل القوانين المعتمدة لدينا مرجعيتها غربية أو لا دينية في حقيقة الأمر، في الوقت الذي يُفترض فيه الانطلاق من المرجعية الإسلامية على أن يُكتفى بما يلائمها من القوانين الأخرى، حتى لا نقع في المحظور. فما معنى التنصيص في دستورنا على أن الإسلام دين الدولة ونحن نتحايل عليه لسن قوانين لا تحترمه، كقانون استهلاك الخمور، والقانون المتعلق بالقنب الهندي، وقانون الخيانة الزوجية…ففي الوقت الذي توجد فيه أحكام قطعية الدلالة في التعامل مع مجموعة من المخالفات الشرعية من مثل السرقة والزنا وعدة المطلقة أو المتوفى زوجها دون أن تجد من ينفذها، تم اعتماد أحكام وقوانين وضعية تسهر الدولة بكل أجهزتها على تطبيقها بالحرف، وربما بشيء من المغالاة.

فلنعد إلى قانون السير مرة أخرى لإبراز وجه من أوجه المغالاة، ففي الوقت الذي تجد فيه شارعا أو زقاقا مملوءا بالحفر، تجد أن خطَّا أبيض يتوسطه في حالات عدة، وقد يكون هذا الخط ظاهرا كما قد يكون باهتا لا يكاد يُرى، فمرورك بسيارتك على الحفرة، مع ما قد يترتب عليه من أعطاب في السيارة أو تلطيخ للمارة في حال نزول المطر، لا يَلفت انتباه أحد، بينما تَجنبك لحفرة أو سيارة اضطرتك لمجاوزة الخط الأبيض فإن المخالفة في انتظارك لا محالة، خاصة إذا كان الشرطي أو الدركي من الذين يتشددون في تدوين المخالفات قبل أن يُحال على التقاعد ويُسقى من كأس « المخالفات » التي قد يكون ارتكابها غير مقصود ودون أثر يذكر.

لا أريد الاستطراد في سرد الأمثلة، وسأكتفي بمثالين يَنتج عن تطبيقهما في عدة حالات إضرار بالأفراد وبالمجتمع ككل. يتعلق الأول بالقانون المنظم للحبس الاحتياطي الذي يمكن أن  يدوم مددا طويلة بحجة عدم استكمال البحث، في الوقت الذي قد يكون فيه المتهم بريئا في نفس الوقت الذي تتجرع فيه عائلته مرارة الترقب والانتظار، خاصة إذا كان هو المعيل الوحيد لها حيث تُرغم على تدبُّر شؤونها وشؤونه الأساسية على رأسها جانب التغذية الذي لا يتم التكفل به خاصة بالنسبة للذين يتم حبسهم بعيدا  عن مقر سكناهم، أما الثاني فيتعلق بقانون الطوارئ كما كان الشأن بالنسبة لقانون الطوارئ الصحية الذي صاحب جائحة كورونا، بحيث ألغيت جل الحقوق المتعارف عليها حتى الأساسية منها كولوج مراحيض المساجد عكس مراحيض المقاهي، وذلك في غياب وضوح الرؤيا لدى المواطن العادي الذي يُطلب منه التخلي عن عقله والاكتفاء بالتنفيذ دون مناقشة ودون معرفة الأسباب الحقيقة.

الخطير في الأمر هو أنه مع المدة يتم الاستئناس بهذه التجاوزات لتصبح عادية، وكل محاولة للفهم  تُأول على أنها مخالفة للقانون، وهكذا وعوض أن يصبح القانون في خدمة المواطن، يصبح آلية من آليات التدجين بحيث يَرسُم لنفسه خطوطا حمراء لا يجرأ على تجاوزها، لتكون النتيجة الحتمية خنق روح المبادرة والمغامرة لديه والتي بدونها تغيب ملكة الفهم والإبداع، يضاف إلى هذا أنه باسم القانون يتم التدخل في جوانب تُعتبر من الخصوصيات الفردية، كمسألة المراقبة في الأماكن العمومية عن طريق الكاميرات علما أنه إلى عهد قريب كان يُمنع حتى أخذ صورة  لأي شخص بدون إذنه، وكمسألة استباحة بعض الجهات الاطلاع على  مضمون الحساب البنكي للأفراد على الرغم  من أنه من الأسرار الشخصية التي لا حق لأحد في الاطلاع عليه.

يحدث هذا ونحن نضن أننا أحرارا بينما الأمر في مضمونه لا يختلف كثيرا عما حكى لي عنه أحد الأقارب إبان الاستعمار، حيث كان أحد القواد المغاربة العاملين مع المستعمر، يخط دائرة في التراب ويُصدر أمره بسجن شخص معين بدخوله الدائرة وعدم مغادرتها إلى حين رجوعه، وكثيرٌ ممن أُدخِلها ومكث فيها إلى حين عودة القائد أو أحد أعوانه لتحريره من سجنٍ رسمه في ذهنه قبل أن يرسمه القائد على التراب.

ختاما لا بد من الاعتراف بأنه لا مفر من القانون لتيسير العلاقة بين أفرد المجتمع حكاما ومحكومين، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو من الذي يُصدر القوانين ومن المستفيد الأساسي منها؟ قد يعتبر البعض هذا السؤال غبيا على اعتبار أن الإجابة بديهية ما دام هناك جهاز تشريعي منتخب من قبل الشعب، والمستفيد هو الشعب طبعا، هذا على المستوى النظري أما على المستوى العملي فشيء آخر، وذلك لأن هناك أهواء، ومصالح وضغوطات وتدخلات داخلية وأخرى خارجية، وكثير مما لا نعلمه، مما يجعل من القانون الوضعي وسيلة لإضاعة مصالح الناس وإحساسهم بالغبن أحيانا، ووسيلة لاستفادة جهات معينة على حساب جهات أخرى أحايين أخرى، وهذا على عكس القانون الإلاهي الذي لا مصلحة له في أن تستفيد جهة على جهة أخرى، ولا يبقى على الدول التي تنص في دساتيرها على أن الإسلام هو دينها الرسمي غير الاجتهاد في استنباط  قوانينها من الشريعة الإسلامية وليس من القوانين الغربية التي أُلبست لباس الكونية على غير وجه حق، لسبب بسيط هو أننا دولة مسلمة لها خصوصياتها التي لخَّصها أمير المؤمنين عندما صرح  بأنه لا يحل حراما ولا يحل حلالا.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *