هل المغرب حقا عدو للجزائر؟!
اسماعيل الحلوتي
من الخطأ الاعتقاد لحظة واحدة أن يكون هناك بلد مثل المغرب، بلد الحضارة والشهامة، بلد الثقافة والدين، بلد الكرم والجود، بلد التسامح والتعاضد، بلد القيم الإنسانية الرفيعة، بلد المؤسسات والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان… عدوا لأي بلد آخر مهما حدث بينهما من خلافات، بالأحرى أن يكون عدوا لجاره الشرقي بلد الجزائر، كما يصر نظامه العسكري الناقم على الترويج له، مسخرا لذلك أبواقه الإعلامية الصدئة التي لا تكف عن نشر الشائعات وفبركة الاتهامات الباطلة، علما أن ما يجمع المغرب بالجزائر أكبر بكثير مما يفرق بينهما من خلافات تحول دون تحقيق تطور العلاقات، في الوقت الذي يكفي فيه لتجاوزها القليل من صدق النوايا والإرادة السياسية.
إذ كيف يعقل التمادي في تصوير المغرب ك »عدو خارجي » يهدد أمن واستقرار الشعب الجزائري، وملك المغرب محمد السادس لم يفتأ يمد يده لحكام قصر المرادية، ويدعوهم إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين الجارين، على أساس الثقة المتبادلة والحوار البناء، فيما يمعنون في التعنت والسعي إلى محاولة تفتيت المغرب وتعطيل مساره التنموي، من خلال ذلك النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية؟ فالفضل في حكمة وتبصر العاهل المغربي وعدم انسياقه خلف تحرشات « الكابرانات » وتهديداتهم المتوالية، يعود بالأساس إلى ما راكمته الملكية خلال تاريخها العريق من تجارب رائدة وحنكة كبيرة في تدبير المحن والشدائد التي مر منها المغرب بشكل خاص، حتى أنها « مكنته من تكوين مناعة للصمود والتصدي لمختلف المؤامرات والدسائس التي تعرض لها ولا يزال يتعرض لها على الصعيدين الإقليمي والدولي »
ثم إنه ليس هناك من يستطيع الإنكار بأن العلاقات بين كل من الجزائر والمغرب لم تكن يوما على أحسن حال كما يفترض لها أن تكون عليه بين بلدين كبيرين وجارين، جمع بينهما الكفاح المسلح ضد المستعمر الفرنسي الغاشم، ويشتركان معا في الهوية والتاريخ والدين. بيد أن وتيرة التوتر ما فتئت تتصاعد بين هذين البلدين بشكل مقلق خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على كل صحرائه في: 10 دجنبر 2020، وكذا التقارب الإسباني المغربي.
فالنظام العسكري الجزائري البئيس والرافض لأي حوار أو وساطة للصلح، لا يحسن من شيء سوى التصعيد والاستمرار في التفكير بمنطق تعميق الخلافات والأزمات، عوض منطق تعزيز المصالح وتطوير العلاقات. وإلا ما كان ليوغل في نهج سياسة العداء ضد النظام المغربي والمغاربة ويحرص على بث بذور الحقد والكراهية في أذهان جزء من الجزائريين ضد أشقائهم المغاربة خاصة في التظاهرات الرياضية وعبر مختلف وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمقروءة وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، دون أن تجدي معه نفعا كل تلك المبادرات الرامية إلى محاولة رأب الصدع وإعادة الدفء للعلاقات الدبلوماسية، ولا تلك الخطب الملكية الداعية إلى سياسة اليد الممدودة وطي صفحة الخلافات وسوء الفهم. حيث أنه يكاد لا يتوقف عن تحميل المسؤولية للمغرب حول ما يقع من مشاكل وأزمات بسبب سوء التدبير وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، جاعلا منه « عدوا كلاسيكيا » يتربص بالبلاد ويهدد أمن واستقرار العباد. والحال أنه ليس هناك من عدو للشعب الجزائري الشقيق سوى « العصابة » الحاكمة التي لم تنفك تهدر ملايير الدولارات من عائدات النفط والغاز في شراء الذمم وتمويل ميليشيا البوليساريو الانفصالية والإرهابية، بعد أن اتخذوا من الممارسات العدائية للمغرب عقيدة لهم…
ولا غرو في توالي البلاغات المثيرة للسخرية، التي تتهم المغرب وتقحمه في أي شيء واللا شيء، سواء تعلق الأمر بالحراك الشعبي ضد « العصابة » الحاكمة، أو اندلاع الحرائق في الغابات، أو اجتياح الجراد حقول الفلاحين، أو انتشار المخدرات وحبوب الهلوسة وما إلى ذلك من المزاعم والمهاترات، رغم أن العالم أجمع أصبح اليوم على بينة من أضاليل الرئيس عبد المجيد تبون ورئيس أركان الجيش السعيد شنقريحة وأزلامهما، سعيا إلى محاولة توريط المغرب وصرف الأنظار عن المشاكل الداخلية، التي أدت إلى تزايد طوابير الحليب والزيت والدقيق والبطاطس وغيرها كثير. فالأزمة القائمة بين المغرب والجزائر ليست أزمة بين دولتين جارتين أو بين شعبين شقيقين، بل هي أزمة بين نظام عسكري فاسد ومستبد وشعبه، وإلا فمن غيره يكشر عن أنيابه ويزداد شراسة كلما ارتفعت أسعار النفط في السوق العالمية، ويصر على تبديد ثروات البلاد في قضية خاسرة لم يتم استفتاء الشعب الجزائري حولها، فضلا عن قطع العلاقات مع المغرب من جانب واحد، والتمسك بإغلاق الحدود البرية والمجال الجوي؟
إن أفظع ما يمكن أن يصاب به بلد ما خارج الكوارث الطبيعية، هو أن يبتليه الله ببلد جار تحكمه طغمة عسكرية فاسدة وحاقدة، تكن له الكراهية والعداء ومستعدة لتنفق كل ما تملك في سبيل زعزعة استقراره وتفتيت أرضه، وبتر تلك اليد البيضاء الممدودة لها باستمرار دون رحمة. ناسية أنه سيأتي عليها يوم ولعله بات وشيكا يجد فيه كل أعضائها أنفسهم خلف أسوار السجون، ويحل مكانهم نساء ورجال أحرار وشرفاء، يؤمنون بالعمل المشترك ووحدة المصير ويبادرون إلى تصحيح العلاقات الجزائرية المغربية، وإعادتها إلى سكتها الصحيحة من منطلق المشترك الإنساني والاجتماعي…
Aucun commentaire