نعم للمدينة الذكية ولا لقطع الأرزاق.
بسم الله الرحمن الرحيم
نعم للمدينة الذكية ولا لقطع الأرزاق.
الحسن جرودي
من بين المفاهيم التي برزت مع الثورة الرقمية مفهوم المدينة الذكية، وهو مفهوم تم تجسيده فعليا في عديد من دول العالم، فيما لا زال في إطار التداول والعمل على استيعابه قصد تنزيله على أرض الواقع بالنسبة لدول أخرى من بينها المغرب، وفي هذا الصدد أثار انتباهي بعض ما يُتداول في وسائل الإعلام من بينها ما ورد في شأن شُروع مجلس الدار البيضاء في تفعيل قرار منع العربات المجرورة بالدواب.
بالمناسبة فإن مشكل العربات المجرورة بالدواب لا ينحصر في الدار البيضاء وحدها، بل يمتد إلى جل إن لم أقل جميع المدن والقرى المغربية مع تفاوت في حدته، ومُعالجتُه ينبغي أن تكون في إطار خصوصيات كل مدينة أو قرية على حذة، لكن الذي يميز الدار البيضاء عن باقي المدن هو كونها مقتَرَحةٌ لأن تكون مدينة ذكية، لذلك فإننا سنناقش قرار المنع على هذا الأساس، وهو ما يتطلب منا التعريف بمفهوم المدينة الذكية.
حسب موسوعة ويكيبيديا يوجد أكثر من 100 تعريف للمدينة الذكية، لذلك سأكتفي بالإشارة إلى أن أحد ملامحها الرئيسية يتمثل في الاعتماد على البنية التحتية لتقنية المعلومات والاتصالات، وأن أكثر ما يميزها هو التركيز على الإنسان في المقام الأول، وذلك بالاستجابة للظروف الاقتصادية والثقافية والبيئية والاجتماعية المتغيرة بهدف تحسسين نوعية الحياة. وبشكل موجز يمكن القول بأن المدينة الذكية هي التي تتوفر فيها البنية التحتية لاستعمال تقنيات المعلومات والاتصالات في تجميع المعطيات والمعلومات المتعلقة بمختلف مكونات المدينة بمن فيها سكانها « لتيسير ظروف حياتهم ». فعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن استعمال المعلومات المرصودة بواسطة كامرات رقمية بخصوص حركة السير داخل المدينة من التعرف الآني على الشوارع والأزقة المكتظة وتحويل حركة السير إلى وجهات أخرى أقل اكتظاظا، ونفس الشيء يقال بالنسبة للتعرف الآني على الأحياء أو النقط التي ينقطع فيها التيار الكهربائي أو الماء والإسراع إلى معالجة المشكل…يضاف إلى هذا إمكانية تقريب الإدارة من المواطن بالمفهوم العام للإدارة دون أن ننسى مراقبة حركة الأشخاص المشتبه فيهم…!
وعندما نصف مدينة بأنها ذكية، يتبادر إلى الذهن سؤال قد يبدو غبيا، لكنه ذو أهمية في تحديد المسؤوليات. ويتعلق الأمر بالمعني بصفة الذكاء؟ هل نعني به المدينة بصفتها بنايات وبنية تحتية، أم يتعلق الأمر بالعنصر البشري؟ ذلك أنه في حالة عدم توفر البنية التحتية لاستعمال تقنيات المعلومات والاتصالات، سَتَنْتَفِي صفة الذكاء عن المدينة لا محالة، وتحل محلها بالضرورة صفة الغباء، مما يترتب عنه إعادة صياغة السؤال بخصوص صفة الغباء هذه، أهي مرتبطة بالعنصر البشري أم بالعنصر المادي المحض من جدران وطرقات وغيرها؟ وإذا كان من غير المنطقي وصف الجدران وما تَوَفَّر من البنية التحتية بالغباء، فإن صِفَتَيِ الذكاء والغباء تنطبقان في المقام الأول على الذين يُدبِّرون شؤون مدينة من المدن، ومن ثم فغباء المدينة أو ذكاؤها من غباء أو ذكاء القرارات التي يتخذها هؤلاء المسؤولون.
ومن بين القرارات التي تم اتخاذها على مستوى مدينة الدار البيضاء لتصبح مدينة ذكية، ذلك القرار المتعلق بمنع أنشطة العربات المجرورة بالدواب. ولا شك أن ذكاء أو غباء هذا القرار وأمثاله سيكون له أثر على ذكاء أو غباء المدينة ككل، والحكم عليه لا يمكن أن يتم بمعزل عن النتائج التي ستتجسَّد على أرض الواقع بخصوص الهدف الأهم الذي تتوخاه المدينة الذكية والمتمثل في تحسين نوعية الحياة للمواطنين.
من خلال تصريح السيد نائب عمدة مدينة الدار البيضاء الذي أوضح فيه بأنهم لا زالوا ينتظرون اقتراحات المعنيين لحل المشكل (أصحاب العربات وممثليهم) دون جدوى، وأنه على إثر ذلك تَقَرَّر تطبيق القرار في نهاية هذا الشهر، مشيرا إلى أن بعض السلطات شرعت في حجز بعض العربات المجرورة في بعض الأحياء. من خلال هذا التصريح يبدو بأن تحسين نوعية حياة المعنيين بَعيدُ المنال خاصة وأنه يُستشف من كلام السيد نائب العمدة عدم وجود حلول لهاته الشريحة من المواطنين، علما أن عددا منهم يتوفرون على تراخيص لمزاولة هذه المهنة.
وقد يُفهم من كلام السيد نائب العمدة أنه لن يتبقى سوى منع العربات المجرورة لتستوفي المدينة شروط المدينة الذكية، وهذا في الوقت الذي لا زال يُطرح فيه مشكل النفايات الهامدة ومخلفات أوراش البناء بحدة، وهو المشكل الذي صرح في شأنه باستحالة حله لعدم وجود ميزانية خاصة به من جهة، وعدم وجود قانون يسمح بجلب الموارد المالية الضرورية من جهة ثانية، يضاف إلى هذا انتشار النفايات المنزلية على الرغم من وجود شركات متعاقد معها في شأنها، وكذا الحالة السيئة لعدد من قنوات الصرف الصحي وعدد كبير من الشوارع والأزقة التي تتركز في أحياء بعينها.
من هنا يبدو أن قرار منع العربات المجرورة قبل إيجاد الحلول الملائمة لأصحابها، لا يمكن إلا أن يكون غبيا إذا كانت المدينة الذكية تعني تحسين ظروف عيش أبنائها، أما إذا كانت تعني غير ذلك كأن تعطي انطباعا جيدا لدى السواح كما ورد على لسان السيد نائب العمدة، وفيما عدا ذلك فليذهب أصحاب العربات المجرورة ومن هم في شاكلتهم من أبناء الطبقات المعوزة إلى الجحيم، مع العلم أنه حتى في حالة منع العربات المجرورة واستبدالها بالدراجات النارية ذات العجلات الثلاث (Triporteur)، فذلك شيء آخر لا يمكن بأي حال من الأحوال وصفه بالذكاء لأن المشكل ليس في الوسيلة في حد ذاتها بقدر ما هو في صيانتها و في طريقة استعمالها، ولعل عربات مراكش خير مثال يمكن الاقتداء به.
في الأخير أقول بأن ذكاء وغباء مدينة الدار البيضاء أوأية مدينة أخرى، مرهون بذكاء أو غباء القائمين على شؤونها الذين يتعين عليهم أن يتحملوا مسؤوليتهم كاملة في حل مشاكل سكانها، الذين لهم من الذكاء ما يسمح لهم بالتأقلم مع مختلف الوضعيات المعيشية التي يتواجدون فيها لتأمين القوت اليومي لأسرهم، علما أن ذكاء المسؤولين مسنود بمكاتب الدراسات والوسائل التكنلوجية مما يمكنهم من اقتراح حلول مدروسة تأخذ بعين الاعتبار مختلف المعطيات المتعلقة بالموضوع، عوض رمي الكرة في شباكهم والتسرع في قطع أرزاقهم التي استأنسوا بمصدرها رغم كل العراقيل والمتاعب اليومية التي تواجههم للحفاظ عليه.
الحسن جرودي
Aucun commentaire