Home»Débats»عندما لا يبقى للتحدي والإصرار معنى !!

عندما لا يبقى للتحدي والإصرار معنى !!

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

عندما لا يبقى للتحدي والإصرار معنى !!

وأنا أتصفح إحدى الجرائد الإلكترونية المغربية، استرعى انتباهي صدور مقالين الأول تحت عنوان: « تقرير حقوقي يكشف معطيات صادمة عن « مظاهر التمييز » في مدونة الأسرة » والثاني تحت عنوان: « دليل يربط إدماج التربية الجنسية في التعليم بتغيير العقليات بالمغرب ». وبعد اطلاعي على مضمونهما تبين لي أن الأمر يتعلق بعملية الترويج للأفكار والممارسات التي يدعو لها ما سمي ب »تحالف إصرار للتمكين والمساواة »، ذلك أنه في المقال الأول تم التركيز على ما سمي ب »الثغرات » التي تضمنتها مدونة الأسرة، والتي ليست في الحقيقة سوى تلك البنود التي لا تتماشى مع ما يُطلق عليه « الالتزامات الدولية لبلادنا في هذا المجال » مع العلم أن ما يُطالِبُ به هذا « التحالف »  يتنافى كليا مع مقتضيات الشريعة الإسلامية في شقها المعلوم بالضرورة من الدين، كمسألة الإرث، ومسألة الأبناء غير الشرعيين، ومسألة زواج المُسلِمة بالكافر…أما المقال الثاني فَيُورِد مضمون تقرير تم تقديمه في ندوة نظمها « تحالف إصرار للتمكين والمساواة » نفسه في موضوع التربية الجنسية، حيث تم الإقرار فيه برفض المستهدَفين للحملات التحسيسية التي يقومون بها، لأنهم يُقْرِنونَها بالتشجيع على ممارسة الجنس، وباصطدام تفعيل القوانين المتعلقة بالصحة الجنسية بعقليات غير متقبّلة، الأمر الذي أدى ب »التحالف » إلى تقديم مجموعة من التوصيات لِتبَنِّي مفهوم التربية الجنسية باعتباره حقا كونيا!!!، وذلك من خلال الدعوة إلى مراجعة المصطلحات المستخدمة في التربية الجنسية، بالإضافة إلى إضفاء الطابع الرسمي على التربية الجنسية بالمناهج والمقررات التعليمية، وبرمجة مادة خاصة بالتربية الجنسية مع تحديد محتوى وعناوينها وفقا للسياقات والثقافة الوطنية حسب التعبير الوارد في المقال.

صدر المقالان بتاريخ 18 دجنبر 2022 بفارق زمني مدته ساعتان. وبتاريخ 21 دجنبر2022 أوردت نفس الجريدة الإلكترونية فيديو تحت عنوان « زواج القاصرات يواجه الرفض » وهو عنوان يوحي لِأَوَّل وهلة بقيام مظاهرات تُطالِب بمنع هذا النوع من الزواج في جل أنحاء المملكة، بينما الحقيقة التي تتجلى من خلال مشاهدة مضمونه عبارة عن تصريحين لعُضْوَتَيْن تنتميان لما أُطلق عليه « جمعية التحدي للمساواة والمواطنة »، بحيث اعتمدت الأولى خطابا خَلَطت فيه مجموعة من الأوراق والمعطيات الغير متناسقة فيما بينها، والتي لا تستند على أساس علمي، وهو نفس الخطاب الذي أدلت به المتدخلة الأخرى مع الفرق أنها اتخذت من « تصريحات » النساء اللواتي يَفِدْن على مركز الاستماع المتواجد بالجمعية واللواتي « تزوجن قبل 18 سنة » مرجعية لها.. والخلاصة التي يمكن استنتاجها من كل ذلك اللغو، الذي يبدو التأثير الخارجي فيه واضحا، هو أن كل البلاوي الحاصلة في المجتمع مَرَدُّها إلى تزويج القاصرات، مما يتعين معه القطع النهائي مع تزويج الفتيات قبل بلوغهن 18 سنة بالتمام والكمال طبقا لما تفرضه القوانين « الكونية ».

 إذا أخذنا بعين الاعتبار عدد عقود الزواج الذي تم إدراجه ضمن هذه الفئة سنة 2020 والذي بلغ 12 ألف و600 عقد، وهو ما يشكل 6.48 بالمئة من مجموع عقود الزواج المبرمة، وإذا علمنا أن جزءا من هذه النسبة لا تختلف مشاكله، بل ربما تقل، عن باقي المشاكل المرتبطة بالزواج، تبين لنا أن مشكل القاصرات لا يستحق كل هذه الهالة أمام مشكل الطلاق إذا علمنا أنه تم تسجيل 300000 حالة طلاق سنة 2022 حسب ما ورد في موقع جريدة العمق المغربي. بالإضافة إلى أن زواج الفتيات قبل هذا السن مسموح به في عدد من الدول التي أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الدول التالية: الأرجنتين: 16 سنة، بنين 15 سنة، قطر 16 سنة، غينيا 17 سنة، مالي 15 سنة، النيجر 15 سنة، رومانيا 16 سنة، المملكة المتحدة 16 سنة، فينزويلا 14 سنة، النمسا 16 سنة…وللإشارة فإن مجموعة من الولايات الأمريكية لا تحدد حدا أدنى للزواج.

إن مما يلفت الانتباه لدى هذه الجمعيات والمروجين لخطابها، هو الإصرار على مواصلة السباحة ضد التيار، وتحدي كل القيم النبيلة التي تَمُتُّ للدين الإسلامي والفطرة السليمة بِصِلة، وهو ما يبدو جليا حتى في الأسماء التي تتسمى بها، ذلك أن الجمعية الأولى أطلق عليها اسم « تحالف إصرار للتمكين والمساواة »، والثانية اسم « جمعية التحدي للمساواة والمواطنة »، والسؤال لماذا كل هذا الإصرار؟ هل هذه الجمعيات تحس فعلا بنبض المجتمع فيما يتعلق بالمشاكل والمعاناة الحقيقية للمغاربة، أم أنها عبارة عن « نائحة مستأجرة » كما يقول المثل العربي، وهو أمر لا يخلو من صحة، خاصة إذا علمنا أنه خلال سنة 2021 استفادت 255 جمعية من دعم مالي خارجي يقدر ب 310 مليون درهم من بينها 30 جمعية معترف لها بصفة المنفعة العامة فقط.

إن ما يدعو للاستغراب لدى هذه الجمعيات، هو عدم اتِّعاظِها واستفادتها بالمتغيرات التي يعج بها الواقع، فهل المغرب أقل استقلالية من تلك الدول التي اختارت لنفسها قوانين انطلاقا من ثقافتها وقيمها؟ وهل يمكن للمغاربة أن يتشبعوا يوما ما بالثقافة الغربية التي وَضَعتْها هذه الجمعيات نُصْبَ أعينها؟ أكثر مما تَشبَّع بها المغاربة الذين وُلدوا بالغرب وتَرَعْرَعوا فيه حتى أن عددا منهم لا يكاد ينطق جملة صحية باللغة العربية، ومع ذلك لم يكن أمامهم سوى الانقياد للفطرة السليمة، والتشبث بالأخلاق الإسلامية الرفيعة التي جَسَّدوها بكل افتخار واعتزاز أمام مرأى ومسمع من العالم كله خلال مونديال قطر، مع العلم أنه على الرغم من سياسة العصا والجزر التي يعتمدها الغرب تجاه الدول العربية والإسلامية، فإن عددا كبيرا من مفكري الغرب من بينهم الفيلسوف Michel Onfray اعترفوا بتفوق الثقافة العربية الإسلامية حتى قبل المونديال، أما انبهار عامتهم بما عايشوه خلال فترة المونديال فلن أستطيع التعبير عنه أكثر مما عبرت عنه مختلف وسائل الإعلام العالمية.

مع كل هذه المعطيات وغيرها كثير، أتساءل إن بقي معنى لإصرار وتحدي هذه الجمعيات والذين يحركونها من خلف الستار، أم أنهم سيستمرون في النواح حتى يتوقف مُستأجِرهم عن دفع أجرة النواح، ولا شك أن الموعد أقرب مما يتصورن، لأن المستأجر ذكي ولا يرغب في الإنفاق على صفقة خاسرة.

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *