Home»Débats»المطالبون بإلغاء الإعدام والمدافعون عن عدم تجريم الزنا وجهان لعملة واحدة

المطالبون بإلغاء الإعدام والمدافعون عن عدم تجريم الزنا وجهان لعملة واحدة

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

المطالبون بإلغاء الإعدام والمدافعون عن عدم تجريم الزنا وجهان لعملة واحدة

بتاريخ 30 نونبر 2022 صدر في إحدى الجرائد الإلكترونية الأكثر انتشارا مقالان، أحدهما يتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام والآخر بإلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي.

المقال الأول يدور موضوعه حول مطلب إلغاء عقوبة الإعدام الذي تبناه « الائتلاف المغربي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام »، و »شبكة البرلمانيات والبرلمانيين ضد عقوبة الإعدام »، بتنسيق مع شبكة المحاميات والمحامين، وشبكة الصحافيات والصحافيين، وشبكة نساء ورجال التربية والتعليم، وشبكة المقاولات والمقاولين ضد الإعدام، أما المقال الثاني فيتمحور حول مطالبة  ما سمي بمبادرة « ائتلاف » التي آلت على نفسها حشد التوقيعات على عريضة حذف الفصل 490 من مجموعة القانون الجنائي المغربي، من خلال مراهنتها على حشد 4000 توقيع لمباشرة التنسيقات وبعث العريضة إلى مجلس النواب، في أفق نَقْلها إلى المؤسسات وبحث إمكانية تنفيذ المطلب.

إن ما يلاحظ في كلا المقالين هو الإصرار على تلك المطالب على الرغم مِن توفُّر أصحابها على ما يكفي من  المعطيات التي  تُسفِّهها، شأنهم في ذلك شأن الذي يُصر على السباحة ضد التيار، وهو يعلم أن ذلك لن يوصله إلى بر الأمان، وإلا كيف نفسر إصرار أصحاب المطلب الأول، وهم على بينة  من المعطى المتمثل في الامتناع الأخير للمغرب عن التصويت على قرار أممي يخص إيقاف تنفيذ الإعدامات عبر العالم، الذي يجد مرجعيته في الإسلام الذي هو دين الدولة حسب الدستور الذي يلجأون إلى التستر خلفه كلما وجدوا سبيلا إلى ذلك، من خلال قراءات خاصة لبعض بنوده التي يكتنفها شيء من الغموض، كما هو الشأن بالنسبة للفصلين 20 و21 اللذين ينصان على الحق في الحياة والسلامة الشخصية، بحيث يقفون عند ويل للمصلين، ذلك أن عقوبة الإعدام شُرعت لهذا الغرض وتطبق خاصة في حالة الأشخاص الذين يَسلبون الحياة من غيرهم بغير وجه حق، أو في حالة الخيانة العظمى، مع العلم أن جريمة قتل النفس الواحدة لا تضاهيها في الإسلام أية جريمة أخرى، من حيث شناعتها وقبحُها، مصداقا لقوله تعالى في الآية 32 من سورة المائدة: « مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا »

وبنفس الإصرار، يحاول أصحاب المطلب الثاني الالتفاف على المرجعية الإسلامية بخصوص حرية الزنا الذي يسمونه رضائية بغير وجه حق، على الرغم من الحسم في الموضوع من قبل جلالة المك عندما صرح بأنه لن يحلل حراما ولن يحرم حلالا. وعوض استسلامهم وإعادة النظر في توجهاتهم الفكرية، تراهم يتمسكون بعِنادهم باللجوء إلى تقنية الظهور بمظهر الأغلبية في تبنى هذا المطلب، ذلك أن عدد الشبكات المتبناة لهذا المطلب يوحي بأن كل شرائح المجتمع معنية به، في الوقت الذي لا يتجاوز العدد المنتمين لها أصابع اليد الواحدة، ويتجلى ذلك من خلال طموحها الذي لا يتجاوز سقف 4000 توقيع الذي لا يمثل شيئا بالنسبة لأربعين مليون مغربي. وللتمويه على تهافت مشروعهم يبررون ذلك بكون « شرائح واسعة من المستهدفين  لا تثق في المؤسسات »، والغريب في الأمر أنهم يُنصِّبون أنفسهم مدافعين على مصلحة المستضعفين بتصريحهم بأن العريضة تهدف إلى « توفير الحماية للمواطنين في وضعية الهشاشة بدلا من عقابهم »، وأن مُنطلقها « الدوافع الدستورية والقانونية والتاريخية والدينية والاجتماعية والاقتصادية التي تتطلب الحفاظ على الحياة الخاصة للمغاربة »، وبدون أدنى ذرة من الحياء تَعتبر مبادرة « ائتلاف » الفصل 490 من مجموعة القانون الجنائي فصلا تمييزيا بين شباب المجتمع؛ إذ يستطيع شباب الطبقات الميسورة استعمال شقق خاصة، أو اكتراء غرفتين في فندق، أو السفر خارج الوطن لإقامة علاقاتهم الجنسية، في حين يعيش شباب الفئات الهشة في الإحباط والقهر..

لا يمكن للمرء إلا أن يبقى مشدوها أمام هذا النوع من المنطق الذي يُحسب أصحابه على الطبقة المثقفة. لنفترض جدلا أنه تم حذف الفصل 490 وتساوى الفقراء والأغنياء في حرية ممارسة الجنس، فأين سيمارس الفقراء جنسهم، هل ستحجز لهم مبادرة « ائتلاف » غرفا بالفنادق أم ستمكنهم من تذاكر السفر إلى الخارج لإقامة علاقاتهم الجنسية، أم تريد منهم أن يأتوا شهوتهم في الحدائق العمومية وعلى قارعة الطرق كما تفعل الكلاب؟ إن اهتمامات الفئات الهشة أكبر من أن تُحصر في إقامة علاقات جنسية عابرة محرمة شرعا وهم على علم بأنهم أول من يُكتوي بنتائجها. إن اهتماماتهم تنصبُّ حول الحصول على مسكن لائق، ومصدر عيش كريم، ومدرسة تسهر على تربية أبنائهم على القيم النبيلة بالإضافة فتحها لهم أفاق نحو المستقبل، ومستشفى يلجأ إليه دون الاضطرار إلى الاستدانة لإجراء فحص أو تحليل…، ثم بعد هذا تأتي الرغبة الجنسية التي لا يمكن إشباعها إلا في إطارها الطبيعي والشرعي الذي هو الزواج وليس غير الزواج.

في الأخير أقول لكلا الفريقين الذين يمثلان وجهان لعملة واحدة تتمثل في إفساد المجتمعات العربية وعزلها عن قيمها النبيلة التي عملت قطر على إبرازها للعالم بالشكل الذي تقزمت أمامها « القيم » الغربية وما هي بقيم، ولعل دخول العدد الهائل من غير المسلمين إلى الإسلام لخير دليل على تفوق الأخلاق الإسلامية على غيرها من باقي النحل والملل، قلت أقول لهؤلاء كَفاكم خدمة لأجندات غربية مقابل فتات سيزول حتما باستكمالكم للدور الذي أُنيطَ بكم، وذلك قبل فوات الأوان، ولكم أن تعتبروا بما فُعِل بمن سبقوكم عندما استنفذوا المهام التي أوصلتهم إلى أعلى مراتب السلطة، ولتعلموا علم اليقين بأنه لا يصح إلا الصحيح مصداقا لقوله تعالى في الآية 17 من سورة الرعد: « كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ » صدق الله العظيم.

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *