العشاء مع تبون في شيراتون!
اسماعيل الحلوتي
بكل الصدق الممكن لن أفشي سرا إذا ما قلت بأن مغاربة كثر من ذوي النيات الحسنة، كانوا يعلقون آمالا عريضة على أن تمهد القمة العربية في دورتها الواحدة والثلاثين بالجزائر يومي فاتح وثاني نونبر 2022 التي تأجلت لما يقرب من ثلاث سنوات بفعل تفشي جائحة « كوفيد -19 » الطريق للمصالحة بين البلدين الشقيقين الجزائر والمغرب، وعودة العلاقات الدبلوماسية إلى سابق عهدها وأحسن، اعتقادا منهم أنها ستكون فرصة ذهبية لتحقيق حلم الشعوب العربية عامة والمغاربية خاصة، ولاسيما أن النظام العسكري الجزائري اختار لها من العناوين عنوان « لم الشمل العربي ».
بيد أنه سرعان ما خاب ظن أولئك الطيبين ليس فقط في المغرب وحده، بل حتى في دولة الجزائر، وبدا واضحا منذ الإعدادات الأولى بأن السلطات الجزائرية لم تتخلص بعد من عقدتها العميقة تجاه المغرب، حيث أنها لم تبد للأسف الشديد أبسط ما يمكن من إشارة عن حسن نيتها في التقارب وطي صفحة الماضي، وبداية عهد جديد مع المغرب، قوامه الوئام والتعاون من أجل بناء المستقبل المشترك. إذ أصرت على تماديها في الحقد والكراهية والسير بالاستفزاز إلى أقصى الحدود الممكنة.
ولا أدل على ذلك أكثر مما تعرض له وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة والوفد المرافق له، من خروقات بروتوكولية وتنظيمية منافية للأعراف الدبلوماسية والممارسات الرصينة المعمول بها في مثل هذه اللقاءات والاجتماعات الهامة، خاصة أن الأمور تمت بشكل متعمد من قبل المسؤولين الجزائريين، الذين خططوا لتهميشه منذ أن وطئت قدماه مدخل قاعة الاجتماع، وأثناء الأنشطة الموازية بما فيها مأدبة العشاء، التي أقامها وزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة على شرف الوفود المشاركة في القمة، متجاهلين بذلك تطبيق العرف الدبلوماسي أو الترتيب الأبجدي. فهل بهكذا سلوك استفزازي يكون حسن الضيافة لدى العرب؟
فاستخفاف السلطات الجزائرية بالأعراف الدبلوماسية منذ الاستعدادات الأولى سواء على مستوى الجهة المنظمة التي أمعنت في تهميش رئيس الوفد المغربي، أو على مستوى « فضيحة » إرغام الوفد الإعلامي الرسمي المغربي على مغادرة التراب الجزائري عشية انعقاد القمة العربية، من خلال ما لقيه من معاملة سيئة من قبل الأجهزة الأمنية بمختلف أنواعها رغم إدلاء أعضائه بما يثبت هوياتهم، من وثائق وبيانات وبطاقات، متمثلة في الضغوطات والتحرشات والتحقيقات التي استمرت لأزيد من ست ساعات في مطار بومدين بالجزائر، فضلا عما عمدت إليه القناة الجزائرية من بتر لخريطة المغرب عن صحرائه وعودتها للاعتذار بعد احتجاج رئيس الوفد المغربي على هذا الفعل الدنيء، الذي كان من جملة الأسباب التي ترتب عنها إقدام العاهل المغربي محمد السادس على إلغاء مشاركته في هذه القمة قبل انطلاق أشغالها، لينضاف إلى غياب عدد من ملوك وقادة الدول العربية، كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين…
وهو ما جعل مجموعة من الملاحظين يعتبرون أن قمة الجزائر فشلت قبل حتى أن تبدأ، وأنها أضاعت فعلا فرصة « لم الشمل العربي »، عندما ظل نظامها العسكري مصرا على مواقفه العدائية والتحريضية إزاء المغرب، وفرضه مقاربة إقليمية انفرادية تروم من خلالها نقل المخطط الإيراني المكشوف من الخليج إلى المغرب العربي. بالإضافة إلى أن الترتيبات الإعدادية اتسمت في شموليتها بنوع من الارتجال والعشوائية ومحاولة التحكم في مسار القمة، وإخفاق النظام العسكري الجزائري فيما كان ينبغي له توجيهه من إشارات إيجابية، تبشر بالرغبة في تذويب الخلافات، إذ أرسل بدلها إشارات سلبية لم تقتصر على المغرب وحده، بل اتسعت رقعة تداعياتها لتشمل أغلب الدول العربية بسبب الانتصار لمخططات إقليمية، تشكل تهديدا صريحا وواضحا لأمن واستقرار عدد من الدول العربية.
من هنا ودون الاستمرار في تعداد الخروقات والسقطات التنظيمية الفادحة، ومنها تحول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في ختام الجلسة الافتتاحية يوم الثلاثاء فاتح نونبر 2022 إلى أضحوكة بين القادة العرب والمدعوين للقمة، حينما صاح بأعلى صوته « العشاء في شيراتون »، يتضح جليا أن جزائر الكابرانات أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أنها أبعد ما تكون عن احتضان القمم العربية، ولاسيما في ظل ما يحيط بالقمة الحالية من تحديات إقليمية ودولية شديدة التعقيد، لعل أبرزها تواصل النزاعات في عدد من الدول العربية واستمرار تداعيات الجائحة وتأثيرات الحرب الروسية/الأوكرانية على الأمن الغذائي والطاقي، علاوة على تحديات أخرى في مقدمتها القضية الفلسطينية.
إن المغرب رغم ما يتعرض له من مضايقات واستفزازات وغدر، سيظل شامخا بنبل أخلاق أبنائه وصفاء سريرتهم وحسن نواياهم، ولا أدل على ذلك أكثر من أن عاهله المفدى محمد السادس أبى إلا أن يتسامى عن كل الممارسات الدنيئة التي سبقت الإشارة إليها أعلاه، ويدعو الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى زيارة المغرب من أجل الحوار، الذي لم يكن ممكنا إجراؤه خلال القمة العربية، وفق ما صرح به وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة.
Aucun commentaire