Home»Débats»« نظافة كورونا » وطهارة الإسلام

« نظافة كورونا » وطهارة الإسلام

2
Shares
PinterestGoogle+

 

« نظافة كورونا » وطهارة الإسلام

من بين المفاهيم التي أعيد لها الاعتبار مع ظهور وباء كورونا، مفهوم النظافة الذي تنبهت له منظمة الصحة العالمية متأخرة، واعتبرته من أهم الإجراءات الوقائية ضد الوباء، وعلى الرغم من أن ما أسمته بقواعد النظافة والسلامة الصحية لا تعدو أن تكون جزءا يسيرا مما يمكن إدراجه في باب فقه الطهارة عند المسلمين، فإن عددا من العلمانيين المحسوبين على الإسلام مع الأسف الشديد، انبهروا بهذا الإجراء واعتبروه أمرا مُستحدثا لثلاثة أسباب أساسية، يتمثل الأول في كونهم يجهلون أبسط قواعد الطهارة في الإسلام، بينما يكمن الثاني في ازدرائهم للفقهاء واعتبارهم متخلفين لكونهم يمتحون من ثقافة الماضي حتى اخترعوا لهم مصطلح الماضويين، فيما يلاحظ الثالث في تقليدهم الأعمى للغرب باعتباره مصدرُ الفكر التنويري وحاضنُ العلم الحديث. والفرق بيننا وبين هؤلاء هو أنهم يعتبرون أن الاهتمام بالعلم الشرعي، بما فيه فقه العبادات الذي يتصدره فقه الطهارة، يتنافى مع العلم الحديث، بينما نؤمن بتكامل العلمين.

وإذا تأملنا في الإرشادات التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية بخصوص النظافة، نجدها لا تتجاوز الجانب الحسي الذي يبقى في حد ذاته ناقصا إذا ما تم حصره في تلك الإرشادات، بينما الطهارة في الإسلام تجمع بين النظافة الحسية والنظافة المعنوية كما تدل على ذلك كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، سأقتصر منها على سبيل المثال لا الحصر على الآتي: قوله تعالى في سورة المدثر : « وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ » وقوله تعالى في الآية 222 من سورة البقرة « إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ » وقوله تعالى في الآية 108 من سورة التوبة: « فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ » وقوله تعالى في الآية 6 من سورة المائدة: « وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا »،  ومن الأحاديث أذكر ما يلي: قوله صلى الله عليه وسلم « الطَّهُوُر شَطْرُ الإيمان » وقوله صلى الله عليه وسلم « لا تُقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غُلول » مع العلم أن الطهارة كما ورد في كتاب « فقه الطهارة والصلاة في المذهب المالكي » للدكتورة سعاد سطحي تعني لغة: « النظافة والنقاوة والتخلص من الأوساخ والأدناس الحسية والمعنوية » وورد في نفس المرجع أنها « تستعمل مجازا في التنزيه عن العيوب » حسب تعريف الشيخ الدردير. وهذا التعريف تسنده مجموعة من التفاسير المتعلقة بالآيات السالفة الذكر منْ أَنَّ المقصود بالطهارة يشمل طهارة البدن والجوارح والقلب والنفس معا. أما شرعا فالطهارة شرط أساسي في ممارسة بعض العبادات وعلى رأسها عبادة الصلاة حسب التعريف الآتي : »الطهارة صفة حكيمة يستباح بها ما منعه الحدث أو حكم الخبث »  الذي ورد في المرجع المشار إليه أعلاه.

ومما يميز الطهارة بمفهومها الشرعي عن النظافة بصفة عامة، ارتباطها بالنية شأنها في ذلك شأن كل العبادات والأعمال على اعتبار أنها المُحدِّدُ الأساس لطبيعة الجَزَاء المُترتِّب على مختلف الأعمال التي يقوم بها الإنسان، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى » لذلك نجد أن النية فرض في كل العبادات، بما فيها الطهارة التي لا تصح بعض العبادات إلا بها.

وإذا اقتصرنا في الطهارة على الوضوء والغسل نجد أن من بين ما تتميز به عن النظافة، كونها لا تصح إلا إذا توفرت خصائص محددة في الماء المستعمل فيهما، ذلك أنه إذا كانت النظافة ممكنة باستعمال سوائل معينة، فإن الطهارة لا تصح إلا باستعمال الماء المطلق الطاهر لنفسه والمطهر لغيره الذي لم يتغير لا لونه ولا طعمه ولا رائحته. ومعلوم أن الطهارة يُكتفى فيها بالوضوء أو يُتجاوز إلى الغُسل حسب طبيعة الحدث أو الخبث، وكلاهما يتم وفق فرائض وسنن ومندوبات يُستدل عليها من القرآن والسنة، وهذا أمر يعلمه كل المصلين لذا لا مجال للتفصيل فيه، إنما الذي يهمنا في هذا السياق هو الإشارة إلى بعض الممارسات الصحية المرتبطة بالمفهوم الشرعي للطهارة والتي قد لا تتوفر بالضرورة في النظافة بمفهومها العام، نذكر منها:

  • الاستنجاء الذي يعتبر أحسن طريقة على الإطلاق لإزالة الخبث بعد قضاء الحاجة.
  • غسل الجنابة عند الزوج والزوجة والذي بدونه أو تأخيره تزداد فرص وجود الالتهابات والفطريات التي قد تتسبب في أمراض جنسية خطيرة.
  • غسل الحيض عند المرأة، ويكفي هنا الاستدلال بقول الله تعالى في الآية 222 من سورة البقرة: » وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ».

ومما ينبغي التأكيد عليه كذلك هو موافقة الطهارة للفطرة، ذلك أن غسل اليدين بعد الاستنجاء وقبل تناول الأكل، والمضمضة والاستنشاق والاستنثار… كلها أمور لا تحتاج إلى أن تُذكِّر بها منظمة الصحة العالمية أصحاب الفطرة السوية.

 ومما تجدر الإشارة إليه كذلك هو أن الإسلام يولي أهمية كبرى لمصلحة الجماعة من خلال ترغيب الرسول صلى الله عليه وسلم في التطهر لمجموعة من العبادات الجماعية، حيث نهى صلى الله عليه وسلم كل من كانت به رائحة تؤذي المصلين بحضور صلاة الجماعة انطلاقا من قوله صلى الله عليه وسلم « مَنْ أَكَلَ الثُّومَ أَوِ البَصَلَ مِنَ الجُوعِ أَوْ غَيْرِهِ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا » ورغَّب في الاغتسال يوم الجمعة، وصلاة العيدين وقبل الإحرام وقبل الطواف… ، لأن من شأن الطهارة بمفهومها الشرعي في هذه المناسبات التي يختلط فيها الناس أن تجنبهم كل المخاطر والأمراض التي يمكن أن تتسبب فيها تلك الروائح الكريهة المنبعثة من الأبدان غير الطاهرة على العموم، وحتى من الأفواه الغير معتنى بها  حيث خصها الرسول الكريم بأحاديث كثيرة أذكر منها : » لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ». و »السواك مطهرة للفم ومراضاة للرب ».

  إذا كان هذا هو حال الشريعة الإسلامية مع الطهارة، فأي عذر يمكن إيجاده لأولئك الذين يُسبِّحون بثقافة الغرب وهم يُحسبون على الإسلام، أيعقل أن يتم الاستغناء عن الماء واستبداله بالورق، مع العلم أن هناك تبعات صحية لاستعماله، ناهيك عن المشاجرات التي نتجت عن فقدانه في عدد من البلدان التي تَعتبر نفسها نموذجا للتأسي. ومما يؤسف له هو عمل بعض الجهات على فرض هذه الثقافة على شعب مسلم ولا تأخذ طريقته في التَّطَهُّر بعين الاعتبار، ذلك أنه يكاد ينعدم فندق، أو مطار أو محطة قطار أو حتى باحات الاستراحة في الطرق السيارة تتوفر فيها أماكن صالحة  للاستنجاء بعد قضاء الحاجة أو أماكن صالحة  للوضوء في الوقت الذي تخصص فيه أماكن جماعية للتبول لا تحترم أدنى شروط  الحميمية بل الآدمية.

لا شك أن التزام المؤمن بدينه يعفيه من تلقي الدروس من أي كان، ذلك أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنة النظافة التي توصي بها منظمة الصحة العالمية بالطهارة الشرعية حتى وإن حصرناها في شقها المتعلق بالوضوء فقط، بحيث لا يَكتفي فيه بإزالة أوساخه وأدرانه وإنما يطمح من خلاله إلى التطهر من الذنوب والخطايا والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى عملا بالأحاديث الكثيرة التيأكتفي منها بالآتي: » إذَا تَوضَّأَ الْعبْدُ الْمُسْلِم، أَو الْمُؤْمِنُ فغَسلَ وجْههُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خطِيئةٍ نظر إِلَيْهَا بعينهِ مَعَ الْماءِ، أوْ مَعَ آخِر قَطْرِ الْماءِ، فَإِذَا غَسَل يديهِ خَرج مِنْ يديْهِ كُلُّ خَطِيْئَةٍ كانَ بطشتْهَا يداهُ مَعَ الْمَاءِ أَو مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْماءِ، فَإِذَا غسلَ رِجليْهِ خَرجَتْ كُلُّ خَطِيْئَةٍ مشَتْها رِجْلاُه مَعَ الْماءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يخْرُج نقِياً مِنَ الذُّنُوب « ِ رواه مسلم. إنَّ أُمَّتي يَأْتُونَ يَومَ القِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِن أَثَرِ الوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنكُم أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ. ما مِنكُم مِن أحَدٍ يَتَوَضَّأُ فيُبْلِغُ، أوْ فيُسْبِغُ، الوَضُوءَ ثُمَّ يقولُ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا عبدُ اللهِ ورَسولُهُ؛ إلَّا فُتِحَتْ له أبْوابُ الجَنَّةِ الثَّمانِيَةُ يَدْخُلُ مِن أيِّها شاءَ…

ختاما أقول إذا كانت منظمة الصحة العالمية تهتم فعلا بصحة الإنسان في شموليتها، فعليها أن تتبنى مفهوم الطهارة الشرعي، وأن لا تنتظر ظهور أمراض أخرى جديدة لتعلن بالتقسيط عن إجراءات مستمدة من الشريعة الإسلامية السمحة. والله من وراء القصد، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *