التعليم عن بعد إجراء استثنائي فرضه ظرف الجائحة وإمكانيات بلادنا فيه جد متواضعة لهذا لا يعقل أن يكون موضوع انتقاد العدميين
التعليم عن بعد إجراء استثنائي فرضه ظرف الجائحة وإمكانيات بلادنا فيه جد متواضعة لهذا لا يعقل أن يكون موضوع انتقاد العدميين
محمد شركي
بعيدا عن المعنى الفلسفي لكلمة » عدمية » التي تعني رفض جميع المبادىء الدينية والأخلاقية لأن الحياة بالنسبة لمن له هذا التصور لا معنى لها ، تطلق أيضا بالمعنى العامي على الذين يرفضون كل شيء ، ويبخسونه .
ومع انطلاق التعليم عن بعد الذي فرضه ظرف جائحة كورونا، انبرت له طائفة ممن ينسحب عليهم وصف العدميين بالنقد المجاني ، وقد طلع علينا موقع هسبريس بمقال للمدعو محمد الراجي تحت عنوان :
» التعليم عن بعد مردودية هزيلة وتوجس من فرز تفاوت طبقي »
وقد استعرض فيه صاحبه انتقادات موجهة إلى هذه التجربة التعليمية التي فرضها ظرف طارىء، و نسبها إلى ما سماه إفادات أساتذة حاورهم موقع هسبريس . ومن ضمن تلك الإفادات إفراز التعليم عن بعد تفاوتا طبقيا بين المتعلمين الذين يتوفرون على الإمكانات التي يتطلبها هذا النوع من التعليم وبين الذين لا يتوفرون عليها ممن يسكنون في القرى والبوادي ، وحتى بعض الذين يقطنون في المدن منهم .ومن ضمن تلك الإفادات أيضا القول بضعف مردودية هذه التجربة . ومما ورد في المقال أيضا أن الأساتذة الذين خاضوا هذه التجربة إنما خاضوها بإمكاناتهم الخاصة من هواتف خلوية وحواسيب . ونظرا لهذه الإفادات قرر بعض الأساتذة مواصلة دروسهم حيث انتهوا قبل العطلة الاضطرارية حينما تنطلق الدراسة من جديد على حد قول صاحب المقال .
وتعليقا على ما جاء في هذا المقال، نقول إنه لا أحد ينكر عدم توفر الإمكانات من أجل تعليم عن بعد، لكن من السابق لأوانه الحكم على ما أنجز منه بضعف المردودية ،لأن في ذلك بخس لمجهودات الممارسين لهذه التجربة، خصوصا وأنهم سخروا لذلك إمكاناتهم الشخصية الخاصة كما شهد على ذلك ما جاء في المقال نفسه . ولا أحد ينكر أن أعدادا كبيرة من المتعلمين في البوادي والحواضر على حد سواء لا يمكنهم الاستفادة من تقنية التعليم عن بعد بسبب غياب الإمكانات ، ولكن لا مبرر لاستعمال عبارة » التفاوت الطبقي » مع وجود بديل عنها وهو » التفاوت في الإمكانات » لأن التفاوت في الإمكانات يعني وجود إمكانات أفضل من أخرى بينما التفاوت الطبقي يعني وجود طبقة اجتماعية أفضل من أخرى . وعبارة التفاوت الطبقي من موروثات العصور البائدة التي كانت فيها طبقات الأسياد وطبقات العبيد أو الأقنان . أما التفاوت في الإمكانات ،فقد كان منذ وجد الإنسان، وهو ما يجعل الناس أغناء وفقراء باعتبار الإمكانات لا غير ، دون أن يكون الأغنياء أسياد والفقراء عبيد أو أقنان .
وكان بإمكان صاحب هذا المقال أن يتوجه بالنقد إلى القنوات الإعلام الرسمية المسموعة والمرئية بسبب استمرارها في بث برامجها العادية خصوصا الترفيهية منها عوض أن تسخر لتقنية التعليم عن بعد، خصوصا وأن تلك القنوات والمحطات الإذاعية تكاد تغطي كامل التراب الوطني مع بعض الاستثناءات بطبيعة الحال . ولا يمكن لقناة واحدة كالقناة الرابعة أن تغطي جميع الحاجيات الخاصة بتجربة التعليم عن بعد .
وكان من المفروض أن يسخر أيضا الإعلام الرقمي للمساهمة في تقنية التعليم عن بعد كما تفضلت بذلك بعض المواقع مشكورة منذ مدة ليست بالقصيرة عوض اشتغالها بالنقد المجاني، والمواقف العدمية .
ومهما كانت نتائج هذه التجربة ، فإنها لا تخلو من فائدة ، وأنها تجربة قد ينبثق عنها مشروع واعد إذا ما توفرت النوايا الحسنة ، والإرادات الصلبة ، والانخراط الإيجابي ، والقطيعة مع العدمية ، والنقد المجاني .
وفي الأخير نأمل أن تكون أولوية التعليم عن بعد مركزة على المتعلمين في المستويات الإشهادية قبل غيرهم من المستويات الأخرى التي يمكن تدارك ما فاتها من دروس بعد عودة الحياة الطبيعية إلى ما كانت عليه قبل حلول الجائحة التي نرجو الله عز وجل أن يرفعها عنا ، ويعجل للناس جميعا بفرج من عنده ،لأنه سبحانه وتعالى ما كان ليعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. والحمد لله أن الناشئة المتعلمة وأساتذتها قد نجوا من عدوى الوباء القاتل ، والخسائر في الأرواح أفدح من كل خسائر .
Aucun commentaire