Home»Débats»بعد القضاء على المراحيض العمومية وتحويل مكانها إلى دكاكين، انتشار ثقافة « ممنوع البول » و »ممنوع رمي الأزبال » بوجدة

بعد القضاء على المراحيض العمومية وتحويل مكانها إلى دكاكين، انتشار ثقافة « ممنوع البول » و »ممنوع رمي الأزبال » بوجدة

0
Shares
PinterestGoogle+

عبدالقادر كتـــرة

كان يسرع في خطاه ويهرول في مشيته وهو يلتفت يُمنة ويُسرة كأن شخصا ما يطارده أو يراقبه ويتتبع خطاه…عرج نحو زقاق ضيق غير بعيد عن شارع محمد الخامس، وتوقف وسط الزقاق مستقبلا الحائط المهترئ والمتسخ، ثم ألقى نظرات خاطفة عن يمينه وشماله…وشرع في إفراغ متانته بقوة حتى كان يسمع صوت احتكاك السائل بصخرات الحائط العارية، ولم ينتبه إلى المارة بالقرب منه إلا عندما أقفل فتحة سرواله وانسحب في صمت وخجل مردّدا، « ما وجدنا حتى مرحاض…حتى القهاوي ولى فيهم الفيسي بالفلوس…كاين الشيباني وكان المرأة الحاملة والكبيرة وكاين المريض…بكري فرنسا كانت دايرة الطواليطات العمومية واليوم كولشي هدموه وباعوه حوانيت… ».

« ممنوع البول » و »ممنوع رمي الأزبال » و »ممنوع رمي الأتربة » وفي بعض الأحيان تضاف إليها بعض العبارات اللبقة تذهب حتى الاستعطاف ك »من فضلكم » و »شكرا » و »هذا مسجد » و »مدرسة » و »اجمعوا الأزبال أيها المؤمنون » وغيرها من السلوكات والممارسات التي أصبحت ثقافة المواطن الوجدي بل مواطن مدن الجهة الشرقية …، عبارات وجمل أصبحت تلاحظ بكثرة على جدران العديد من البنايات بمدينة وجدة تكتب بحروف بارزة وغليظة وبصباغة مثيرة للانتباه، وألف أن يشاهدها المواطن الوجدي بل لم يعد يتنبه إليها بعد أن أصبحت تؤثث مشاهده اليومية.

« لم يعد الناس يحترمون الأمكنة المقدّسة من المساجد والمدارس والمقابر، فيتبولون على جدرانها أو يتخذون من ركن من أركانها مرحاضا، أو مطرحا للأزبال… »يصرح مدير أحد المؤسسات التعليمية، قبل أن يضيف قائلا « الكل مسؤول عن هذه الظاهرة التي بدأت تنتشر وتستفحل في مجتمعنا حيث لا ضمير ولا أخلاق ولا مواطنة لدى البعض الذي يريد أن يتخلص من وسخه وزبله برميه للجهة الأخرى، كما أن المجالس الجماعية لم توفر مراحيض عمومية، ولم تستطع شركات النظافة تغطية جميع أحياء المدينة أو تتأخر في أداء واجبها…، والنتيجة هي هذه المشاهد المقززة التي تشوه بلدنا ».

بالفعل، من الناس من يتبول أو يتغوط في أي مكان داخل المدينة أو ببعض الأحياء عند جدار أو ركن من أركان بناية أو شجرة أو بقعة أرض خلاء أو وسط طريق أو زقاق خال من المارة دون حياء أو خجل إذ لا يحكم وعيه بواقعه إلا المغص الذي يحرك أحشاءه أو آلام الانتفاخ التي تكاد تفجر متانته، ولا يفكر إلا في التخلص منها بحثا عن راحة بدنية ونفسية.

كما أن العديد من المواطنين يعمد إلى التخلص من أكياس أزباله برميها في مكان ما بعيدا عن عتبة منزله، على جنبات الطرقات أو عند ركن بناية من البنايات أو حتى عند جدار منزل جاره في لحظة غفلة منه دون أي احترام للبيئة أو للجار أو لجمالية حيّه ومدينته. ويتحين سائقو بعض شاحنات نقل الأتربة أو بقايا بعض المواد المتخلص منها من طرف بعض المشتغلين في البناء، بإلقائها، بالمقابل، في بعض الأمكنة بعيدا عن الأعْيُن، لتتراكم وتتحول إلى مطرح للازبال وجبال من الأتربة…

كانت مدينة وجدة تتوفر إلى عهد قريب على عدد من المراحيض العمومية، بُنيت في عهد الاستعمار الفرنسي، خاصة بالشوارع الكبرى للمدينة التي يرتادها المواطنون وبعض الطرقات التي تؤدي إلى الأحياء الآهلة بالسكان وتعرف حركة نشيطة للمارة ، كما كانت هناك مراحيض بالقرب من المساجد داخل المدينة القديمة وكانت هذه المراحيض تستقبل المواطنين من المارة أو المتجولين والمتنزهين من ومنهم الأطفال والعجزة والنساء الحوامل والمرضى الذين يفاجؤهم قضاء حاجاتهم الضرورية والطبيعية في وقت من الأوقات غير المناسبة خارج بيوتهم لسبب من الأسباب لا يستطيعون التحكم فيها…، دون مقابل مادي بحيث كانت تلك المراحيض العمومية تدخل تحت مسؤولية المصالح البلدية في إطار الخدمات العامة التي تقدمها للمواطن كإنجاز الواد الحار أو تامين الإنارة أو صيانة شبكات الماء الصالح للشرب جمع الأزبال أو إصلاح الطرقات أو تنظيم الأسواق وغيرها.

أما اليوم فمقابل قضاء الحاجة الطبيعية ببعض المراحيض الخاصة، يُرغَم المواطن المسكين الذي يقع رهينة حاجته الطبيعية يتحول رهينة المسؤول على نظافة المرحاض بتأدية على الأقل درهم واحد وإن كان ذلك طلبا مشروعا لفائدة القائم عليه الذي يسهر على نظافة المكان والذي يعدّ ذلك موردا لرزقه…

لم تعد المجالس الجماعية تؤمن العديد من الخدمات للمواطن كما كان من قبل بل عملت على القضاء على المراحيض التي كانت منتشرة هنا وهناك وحازت فضاءها وحولت بعضها إلى مقرات أو دكاكين، وكان من واجبها أن تضاعف عددها مقارنة مع ارتفاع عدد سكان المدن بشكل كبير وبحكم تغير العادات الاستهلاكية للمواطن الذي يأكل ويشرب بشراهة خارج البيت إضافة إلى عدد استقبال المدينة لعدد من الزوار والسياح الذين يحتاجون إلى قضاء حاجاتهم خلال تجوالهم…

في أغلب مدن الدول الأوروبية، توفر المجالس البلدية مراحيض متنقلة في بعض الأماكن أو الساحات التي تعرف حركة دؤوبة، إضافة إلى تلك الموجودة بالفضاءات المكتظة بمواطنيها، كما تعمل على إقامة مراحيض بالفضاءات التي تستقبل المواطنين بمناسبة الحفلات أو التجمعات، لما في ذلك من أهمية للسهر على راحة المواطنين واحتراما لهم والحفاظ على البيئة ونظافة المدينة .

نتمنى أن يفكر مستشارو مجلس هذه المدينة في مشروع إنجاز عدد من المراحيض العمومية في بعض نقط المدينة التي تعرف توافدا مكثفا لجماهير خاصة وأنها عاصمة الجهة الشرقية ويتجاوز عدد سكانه النصف مليون نسمة ، بعد أن تم الإجهاز على المراحيض البلدية التي تركها الاستعمار، والتي يجب فتح تحقيق في مآلها وكيف تم إعدامها وبأي طريقة قانونية تم ذلك ومن المسؤول عن ذلك ومن استفاد منها…

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

2 Comments

  1. مواطن وجدي
    17/02/2020 at 22:10

    إن الشغل الشاغل بالنسبة للمجالس البلدية و الجماعات الحضرية و القروية هو رخصة البناء والمصلحة الخاصة للمتخبين بفتح الخاء و هنا يجب على الدولة في شخص وزارتي الداخلية و العدل أن تتدخلا لوضع حد لهذه التجاوزات التي تقع في هذا الإطار أما عن المراحيض العمومية أو رياض الأطفال أو دور الشباب … فهذا آخر ما تفكر فيه المجلس البلدية التي تعتبر السبب الرئيسي في فشل كل النماذج التنموية التي ينتظرها الملك و الشعب لذا يجب حل هذه المجالس و تعويضات بشيئ آخر يخدم مصالح الشعب و الساكنة بالدرجة الأولى.

  2. مهتم بالشأن المحلي .
    19/02/2020 at 00:45

    أشكر الصحافي المتألق السيد عبد القادر كترة على اهتمامه بكل ما يتعلق بالإنسان المغربي عامة والوجدي على وجه الخصوص فتحية لقلمه وآلة تصويره …
    أعود للموضوع وأقول أن هناك المرضى بالسكري المحتاجون إلى المراحيض أكثر من غيرهم وهناك أصحاب المقاهي الذين لا يسمحون لهؤلاء بقضاء حاجتهم رغم ضغط المرض. لا بد من الاشارة الى ذلك عند الترخيص من طرف مصلحة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للجماعة . وكإضافة لمقال الأستاذ عبد القادر أشير إلى أن هناك العديد من المراحيض العمومية التي شطبت من على وجه خريطة وجدة مع تعاقب المجالس أو التي تحولت إلى دكاكين استفاد منها البعض – بلاحيا وبلا حشمة – . من بين المراحيض التي تحولت إلى دكاكين المراحيض التي كانت متواجدة بسوق الذهب داخل المدينة القديمة . والمرحاض الكبير الذي كان يتواجد بساحة جدة أمام – البحر – كما هو شائع . مرحاض سوق مليلية . المرحاض المتواجد بجانب جامع الجردة شارع المغرب العربي ، الذي أغلق و تحول الى أطلال ولم يتم التفكير في تجديده رغم تواجده بقلب المدينة النابض . أما المراحيض المتواجدة بالمساجد فلا تفتح الا باقتراب أوقات الصلاة ثم تغلق بعد الانتهاء . .
    المجلس البلدي بجميع مكوناته لا ينتبه الى أهمية تواجد المراحيض بالشارع العام وكأنهم لا يزورون البلدان الأوربية وكيف تنتشر المراحيض في الشوارع العامة و في مختلف الأركان . لا ننكر تواجد بعض المراحيض في الفساريات التجارية ومع ذلك تبقى قليلة اذا ما نظرنا الى التزايد في عدد السكان و الوافدون من خارج المدينة .
    الحديث يطول في هذا الباب . أقف هنا والسلام عليكم .

    *-* مهتم بالشأن المحلي .

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *