Home»Débats»إياكم وسرقة النعال البلاستيكية !

إياكم وسرقة النعال البلاستيكية !

0
Shares
PinterestGoogle+
 

غريبة هي بعض الأحكام التي تصدر عن محاكمنا في مختلف ربوع الوطن ضد بعض المتهمين، والتي تصلنا من حين لآخر أصداؤها المدوية عبر صحفنا الوطنية والمواقع الإلكترونية. وتكمن غرابتها في عدم قدرة الكثير من المواطنين على استيعابها، مقارنة مع أنوع الجرائم المرتكبة، وخاصة منها تلك القاسية ضد وقائع تبدو لهم تافهة، حتى وإن جاءت مطابقة لأحكام القانون، الذي لا يعذر أحد بجهله.
وتأتي ورقتنا المتواضعة هذه عن الأحكام والقانون، بمناسبة ما تم تناقله بنوع من الاستغراب الشديد قبل أيام قليلة ماضية في منصات التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام الأخرى، حول العقوبة السجنية التي لحقت بمواطن مغربي متهم بسرقة « نعل بلاستيكي »، حيث أن المحكمة الابتدائية بمدينة أسفي أصدرت في حقه يوم الإثنين 2 شتنبر 2019 حكما يقضي بموجبه سنة من الحبس النافذ وغرامة نافذة قدرها 500 درهم، على إثر متابعته من طرف النيابة العامة بتهمة إخفاء شيء متحصل عليه من جنحة السرقة، فيما قضت بإدانة شريكه بستة شهور حبسا موقوفة التنفيذ وغرامة نافذة حددت في 2000 درهم، مع الصائر والإجبار في الأدنى ومصادرة المبلغ المالي وإرجاع « المسروق » لمن له الحق فيه !
وبصرف النظر عن ملابسات الحكم وحيثياته ومدى ملاءمته للقانون وحجم الجنحة المرتكبة، وعن الموجة العارمة من الاستهجان والاستهزاء التي خلفها في الأوساط الشعبية، وتضارب الآراء حوله. حيث هناك من اعتبره حكما جائرا ومبالغا فيه وغير متناسب مع طبيعة السرقة، التي ليست سوى « صندلة ميكة »، والتي لن تصمد طويلا في قدمي « السارق » إن كان يعتزم انتعالها، كما أنها لن تعود عليه بأكثر من دريهمات معدودة إذا كان يهدف إلى بيعها…
وكيفما كان الدافع إلى السرقة، فإننا نرى من جانبنا أنها فعل مدان وغير مبرر مهما كان الأمر، باعتبارها اعتداء على حقوق الأخرين، وهي محرمة شرعا وقانونا، إذ نهت عن ممارستها كل الشرائع والأديان، وتمجها الأخلاق والأعراف. وهي أيضا آفة اجتماعية خطيرة، رافقت الإنسان خلال العصور دون أن تستطيع البشرية اجتثات جذورها، بل ازدادت أساليبها تطورا، بتقدم العلوم والثقافات والمجتمعات. والسرقة سرقات متعددة ومتنوعة… وهي في جميع الحالات جريمة يعاقب عليها القانون، وعادة سيئة تستوجب معالجتها مضاعفة الجهود الأمنية والتربوية.
من هنا لا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا أن المشكل لا ينحصر في إقدام السارق على سرقة صندلة رخيصة أو قسوة الحكم، بل في من أوصل الجاني إلى ارتكاب تلك الجريمة؟ أليس الأولى بالمحاكمات القضائية هم من استولوا على خيرات البلاد دون موجب حق، وهم من سرقوا أحلام العباد عبر الوعود الانتخابية الكاذبة والشعارات البراقة، الذين تعاقبوا على تدبير الشأن العام؟ فسرقة « صندلة » يعكس بوضوح إلى أي حد صار المواطن المغربي مستعدا للقيام بأي شيء مهما كان مخالفا للقانون من أجل ضمان قوت يومه، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع معدلات الفقر والأمية والبطالة واتساع الفوارق الاجتماعية والمجالية وتفشي الفساد والظلم والتهميش…
فقد كان من الممكن أن يبدو الحكم بسنة سجنا نافذا على سارق ال »صندلة » طبيعيا، دون أن يلفت إليه انتباه أي أحد لو أن بلادنا تطبق القانون على الجميع، وفق مبدأ يخضع بمقتضاه جميع أفراد المجتمع لقوانين العدالة ذاتها، وبناء على المادة السابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تنص على: « أن كل الناس سواسية أمام القانون، ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة عنه دون أي تفرقة، كما أن لهم جميعا الحق في حماية متساوية ضد أي تميز… »
بيد أنه والحالة كذلك، كيف للمواطن استساغة مثل هذا الحكم وغيره كثير وهو يرى كبار اللصوص طلقاء يرفلون في بحبوحة العيش دون حسيب ولا رقيب؟ فأين نحن من تلك الجرائم الاقتصادية التي وقفت عليها تقارير المجلس الأعلى للحسابات، التي تعتبر صكوك اتهامات خطيرة ضد العديد من المؤسسات والإدارات والجماعات الترابية، لاسيما أنها من إنجاز خبراء ماليين وقضاة مشهود لهم بالكفاءة والحياد والنزاهة في المراقبة المالية، وتخصص لهم مقابل تلك الافتحاصات رواتب مالية ضخمة وتعويضات مزجية من أموال الشعب؟ فلماذا يتم التكتم عن نتائج الأبحاث المعلن عن فتحها في عديد التجاوزات المالية كفضيحة أرضية مركب الأمير مولاي عبد الله بالرباط خلال كأس العالم للأندية وغيرها من الفضائح الكبرى. وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة في حق كبار المسؤولين المتهمين باختلاس المال العام والمبالغة في تبديده وسوء التدبير، ولنا أمثلة صارخة حول نهب الملايير من الصناديق العمومية: كالصندوق المغربي للتقاعد، القرض العقاري والسياحي، القرض الفلاحي والضمان الاجتماعي وغيرها، والاستحواذ على الأراضي العمومية والثروات الطبيعية والصفقات العمومية واستغلال النفوذ…؟
إن سرقة نعل بلاستيكي والحكم بسنة نافذة على الجاني، الذي ليس في واقع الأمر سوى نتاج السياسات العمومية الفاشلة، يسائلان أولئك الذين وضع ملك البلاد محمد السادس والمواطنون الثقة فيهم على أمل تخليق الحياة العامة والحد من التفاوتات الاجتماعية والمجالية وتقليص معدلات الفقر والأمية والبطالة وتوفير شروط العيش الكريم والعدالة الاجتماعية وتجويد الخدمات الاجتماعية في التعليم والصحة… لكنهم انشغلوا بالتهافت على المناصب والمكاسب، وأوصلوا البلاد والعباد إلى هذا المستوى من البؤس والاحتقان اللذين يهددان الأمن والاستقرار. فهل يتم تدارك الأمور مباشرة بعد التعديل الحكومي القادم ؟
اسماعيل الحلوتي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.