Home»Débats»مداغ البودشيشية :مدينة الحب والسياحة الروحية

مداغ البودشيشية :مدينة الحب والسياحة الروحية

0
Shares
PinterestGoogle+
 

 » مداغ البودشيشية: مدينة الحب والسياحة الروحية« 

أهل المحبة قالوا لي         إذا ابـْـلاكْ الله بــهــا

رَا مْقامْها عالي غالي       أهلْ الكْتُبْ حَاروا فيها

الدكتور محمد بنيعيش

جامعة محمد الأول

كلية الآداب والعلوم الإنسانية وجدة

Benyaich.maroc@gmail.com

أولا:  طفرة مداغ من القرية الفلاحية إلى المدينة العرفانية

  في كثير من الأحيان وشتى البلدان لم يكن التاريخ يأبه بما يحدث من صغائر الأمور عبر الزمان ولا بالتغيرات التي تطرأ على المكان.وذلك  لأن التاريخ في أغلب تدويناته ومراصده ربما كان أرستقراطيا إلى أبعد الحدود ومتعاليا بغير قيود،ولا يلتفت إلا إلى الوجهاء من القوم ولا إلا إلى المناطق ذات النفوذ والجهات المرتفعة القيمة والسومة .

   لكن وبينما الناس مشغولون بالصفقات وهات وآت فقد يحدث ما لم يكن في الحسبان ويتغير الموقف نحو هذا أو ذاك الشأن.ليس لأن بئرا من البترول أو معدنا من الذهب والياقوت الخالص قد ظهر ،ولكن لشيء دقيق وعميق لا يمكن تلمسه بالأيدي ورصده بالأعين والسماع المجرد قد بزغ وانتشر !.

  هذا  النوع من التحول الطفري قد حدث مرارا وتكرارا في التاريخ واعتبر خرقا للعادة وكيمياء غريبة وعجيبة بحسب مستوى المغير والمحلل،فانقلبت القرية إلى مدينة ،والمدينة المهمشة إلى منورة تضيء بإشعاعها الكون كله وتجذب إليها المستثمرين من كل حدب وصوب،مستثمري القلوب والأرواح والمبادئ والقيم قبل الدراهم والدنانير والمواد والرزم ،ومؤسسي الرأسمال اللامادي الذي لا ينضب معينه ولا تبلى معالمه وتتراجع أثمانه.

  هذا فعلا ما حدث بيثرب فصارت هي المدينة المنورة بمقدم الرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.منورة بالقادم إليها ومنورة بالمستقبلين له ومن معه ،فكان في هذا الاستقبال والتمركز الفضل في تأليف القلوب وتشييد الجسور بين القبائل والشعوب والأمم حتى كانت خير أمة أخرجت للناس : »لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ».

   وبحسب المعايير النفسية والاجتماعية والاقتصادية العادية بل حتى السياسية فقد يتساءل كثير ممن حول المدينة أو القرية عن سبب هذا الاستقطاب والاستجلاب المفاجئ فلا يكادون يجدون له جوابا شافيا ومحددا لأن المسألة قد تتجاوز كل التوقعات وتختلط عندها الحسابات فلا يوظف عندها سوى التخمين والرمي في عماية إما أن يصيب أو يخطئ .

  هذه المقدمة الفكر-اجتماعية كان لا بد من طرحها للإجابة عن التساؤلات الملازمة لهذا الموضوع وامتداداته وهو:ما قيمة الحديث عن قرية مثل مداغ بإقليم بركان جهة وجدة من المملكة المغربية وهي التي كانت بالأمس القريب مغمورة ومهمشة لا تكاد تظهر في الخريطة والإرشاد السياحي والمخططات التنموية والاقتصادية والتربوية،بل هي قرية فلاحية بدوية قحة لا تكاد تختلف عن باقي القرى المجاورة لها شكلا ومضمونا؟.

  لكن وما بين عشية وضحاها حتى أصبحت ذات صيت عالمي ومركز تحليل ودراسة واستعراض عبر القنوات والمجلات وهي تستقطب إليها مختلف الأجناس من الناس وخاصة من العالم المتحضر والمتطور ورواد الذكاء الإلكتروني وأجهزة الرصد والتواصل على أرقى مستوى وأعقده؟

  كيف أمكن لهذه القرية وبواسطة مؤسسة  بسيطة ومتواضعة الشكل والبناء وهي الزاوية أو الطريقة القادرية البودشيشية أن تصبح مطلبا عالميا يوفر السلم المطلق والاطمئنان الأوفق لضمان تناسق الداخل الإنساني وتحقيق سعادته على أوسع نطاق وأجمل طباق بكل ما تحمل كلمة سعادة من معنى قد حار في تعريفها الفلاسفة وكبار العلماء؟ بينما هناك الكثير ممن يجاورونها ومن نفس القرية حتى أو الإقليم والجهة قد لا يعيرونها أي اهتمام ،ولربما قد يناصبونها العداء والمعارضة الصلفة جهلا منهم أو حسدا لا يمكن محوه بسهولة مهما استقبلوا به من حب واحتضان وسلام !!!.

ثانيا:التوصيف الموضوعي والذوقي الميداني لجمالية مداغ البودشيشية

   فلقد عرفنا هذه الطريقة المباركة وزاويتها في منتصف السبعينات من القرن الماضي ،وفي عهد الشيخ حمزة القادري بودشيش رحمه الله تعالى،وبواسطته تعرفنا على قرية مداغ ومعها مدينة بركان ثم ارتبطنا بوجدة ،بل بالمنطقة كلها من تطوان حتى أقصى حدود المملكة المغربية من الجهة الشرقية،ولم يكن يخطر ببالنا يوما أننا سنصبح متيمين بهذه القرية لحد الجنون والهوس،خاصة وأنها ليست قرية لهو ومجون وترف مما يجلب الشباب من أعمارنا إليها ،حتى قد كنا نتجشم المشاق الطوال والمشي على الأرجل كيلومترات بين الضيعات وأشجار السدر لكي نصل إلى الزاوية، لا نأبه بما ينتابنا ولا نسعد حتى نحل بمدينة الحب الفياض ونقارع كأس المحبة والوجد بحضرة شيخنا وأستاذنا الذي لم يكن يأل جهدا في إكرامنا واستضافتنا من غير مقابل أو استغلال بشري، بالرغم من أن إمكانيات الزاوية في تلك الفترة قد كانت جد ضعيفة والمريدون ما زالوا في طور التجميع والتكثير والتهييء.

وحينما كنا نطل على مشارف الزاوية ونحن شباب ومراهقون كانت تهتف قلوبنا قبل ألسنتنا بحب مداغ ،ليس كقرية محضة وإنما كزاوية هي عين مداغ ومركزها وجمالها وذلك في قصيدة جماعية مطلعها:

        « مداغ مداغ مداغ   عنها  قلبي ما زاغ »

وما حب الديار شغفن قلبي   ولكن حب من سكن الديارا

  هذا الحب قد يتحول إلى عطر نفاذ لا يمكن إنكاره وتجاهله ،بحيث كانت تهب علينا روائح من العود الزكي لا يكاد يشبه عودا أرضيا أو صناعيا ،حتى قد كنا نتشكك في بعضنا البعض هل فينا من يريد أن يلعب بمشاعرنا ويحاول خداعنا بهذه الروائح لإيهامنا بأنها من كرامات الطريقة ؟ولو كان فعلا إيهاما فقد يدخل في حكم :من خدعنا في الله انخدعنا له .كما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

   لكن وبعد التمحيص والتدقيق تبين أن الأمر فوق الشكوك وأن النسائم صادرة من معدن القلوب والأرواح من حيث لا ندري ولا نريد،صدق أو لا تصدق،حتى قد أوّلنا الأمر من خلال قول الخطيب يوم الجمعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:وملأت الكون مسكا وطيبا.

  ولقد كنا نمر عبر مدينة بركان فنرى الناس ينظرون إلينا بعين الريبة والتعجب أو باستغراب واستنكار، يحسبوننا كالمجانين أو المضللين ونعتبرهم مساكين ومحرومين، لأن العين أقرب إليهم منا ولكنهم لا يبصرونها ولا يردونها بل هم عنها في الغالب مصرفون ومن معينها متباعدون.

   فترانا ونحن جلوس متربعون نستمتع بنسائم القرب ونفحات الطريقة مستعذبين للذكر ومسترسلين في ميدان الفكر سيولة وسهولة ،وإذا بنا نشرف من مقر الزاوية على فضاء واسع حد البصر نحو جبل بني يزناسن ،كله خضرة وندى وصوت البلابل وشذاها ،وخرير المياه بساقية وادي ملوية وصبيبه كأجمل منظر متكامل وممتد حتى الحدود المغربية الجزائرية.وكأن الزاوية البودشيشية هنا تمثل مرصدا ومركز مراقبة مستمرة .مراقبة الله تعالى في الباطن والانتقال من حال إلى حال ومن مقام إلى مقام ،وبالموازاة مراقبة حدود الوطن بالتوجه والدعوات لحمايته من الدخيل والعميل !.

  وحينما كان يجن الليل ترى الكواكب ومعها العجائب ،حتى قد يخيل إليك أن النجوم كلها قد تقاربت وتجمعت في كتلة مركزة فوق الزاوية تشارك أهلها الذكر والوجد والأنوار.حتى إن باحثا مغربيا في الحضارة الإسبانية ،وكان حديث عهد بالطريقة ،قال لي يوما ونحن مقيمون بالزاوية:إني أرى وكأن النجوم كلها قد تجمعت فوق زاوية مداغ !.فرأيت حينذاك أن هذا ذوق خاص منه وغلبة محبة عليه ،لأن المحبة بطبيعتها مغناطيسية جالبة لكل شيء محبوب فلا يرى صاحبها إلا القرب والتجاذب حيث يتقارب أهل السماء مع أهل الأرض ،كما يستروح من قول النبي صلى الله عليه وسلم: »والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي و في الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن ياحنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات« .

ثالثا: مداغ الثوابت والتطور بين الروحي والملتقى العالمي الرسمي

   وتمضي السنون والحال يتكرر ويزداد ظهورا وتفننا في الاستقطاب وجلب المحبين من شتى الجنسيات والتخصصات في العلوم والفنون،قد كان وما يزال وستبقى أبرز محطة في هذا هي ذكرى مولد النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ،والتي قد دعمت وازدادت تألقا واستدعاء وانتظاما بترسيخ « الملتقى العالمي للتصوف » الذي كان وما يزال يديره الحفيد مولاي منير ابن الشيخ الحالي سيدي جمال الدين .وذلك تحت الرعاية السامية لأمير المؤمنين الملك محمد السادس .بحيث قد تواصل البرنامج الروحي للطريقة مع الرغبة الرسمية للدولة في هذا الملتقى من غير تعارض أو ذوبان أو تداخل، ولكن لكل دوره وغايته.

  فعمل هذا الشاب الطاهر المستنير على تنويع المواضيع ومواكبة الأحداث واستشراف التطلعات بالرغم من العوارض وكثرة الانتقادات ،كل عام يأتي بجديد ،جديد الوجوه والتخصصات والجنسيات،فترى في الملتقى وجوها مشرقة قد يشبه بعضها البعض في المحبة والتمجيد ،مع اختلاف اللغات والألوان والألسنة والتقاليد والعادات في لوحة تشكيلية إنسانية ربانية،يفترشون فيها جميعا بساطا المحبة اللامتناهية وليس بساط الريح والطيران فوق السحب الوهمية.

  وهم مع هذا التفاني والتمازج في حب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وأوليائه الكرام يلهجون بالذكر والمديح والشكر في كل لحظة وحين ولا تسمع منهم إلا الصياح اللذيذ والشذي: »يا ألله »و »يا رسول الله » ولا ينادي بعضهم بعضا إلا ب: »ياسيدي ويا مولاي »إذ الكل هنا قد أصبح سيدا ،وهل السيادة لا تكون إلا عند المحبين،والمحبة ليست سوى عبودية،والعبودية عين الخدمة وخادم القوم سيدهم؟.

   وفي بحر هذه الأجواء الربانية التي تجعل من العبيد أسيادا ومن الأسياد عبيدا بالحال والمقال والسلوك ،من غير تصنع ولا تلكع ،تسود ثقافة أو عقيدة السلام الممزوج بهذه المحبة ،والمشخص في نوع التحية باليد مقابل اليد والفم مقابل اليد والاحتضان صدرا لصدر في صفاء وطهارة وإخلاص ووفاء وابتسام سليم ودائم،حتى قد يتسابق الواحد من القوم لكي يكون هو الأسبق في تقبيل يد أخيه أو رأسه وكتفه بل ذيل ثوبه من غير استعباد أو تكبر أو إجبار وإنما هي المحبة وليس ثمة إلا خالصها.

 ولا تقتصر هذه المحبة على الأحياء فقط وإنما ستشمل حتى الأموات ممن هم دفيني الضريح ضريح سيدي المختار حيث تعدد الشيوخ والأولياء والصاحين في هذه البقعة كل واحد منهم يذكر بالله تعالى وبسيرة رسوله صلى الله عليه  وسلم وبالأعمال الصالحات وبالأذكار وحسن التذكار »ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء »وهؤلاء سكان الضريح هم شهداء الحب الإلهي وفرسان الذكر والعشق والإقتداء برسول الله صلى عليه وسلم ،قولا وحالا وسلوكا، سيكون متوجه مجلسهم وعلى رأس قائمتهم شيخنا سيدي حمزة القادري بودشيش رحمه الله تعالى وأكرم مثواه.والذي كان قد أوصل الطريقة بحق ويقين وجدارة إلى مستوى العالمية وأفاض كأس المحبة على مريديه ومحبيه فيضا لا يخشى بعده عطش أو عي،فكان أعلى وأغلى من تسلم أصل الكأس والفائض ابنه البار الشيخ سيدي جمال الدين أطال الله عمره ثم حفيده مولاي منير حفظه الله ورعاه.

رابعا:الشيخ جمال الدين رئيسا روحيا وعلميا للجامعة الصيفية بمداغ

وجاءت مرحلة الشيخ جمال الدين فزاد مداغ تألقا وأعاد إليها مركزيتها وروحانيتها التي هي مرتبطة أساسا بحال الشيخ ومدده وتوجهه ومنهجه،في حين قد كان الكثير من المريدين وغيرهم يتوهمون أن مداغ لم تعد مدينة العرفان وإنما تحولت إلى قرية بسيطة البنيان وذلك بعد انتقال الشيخ حمزة فيما قبل إلى زاوية النعيمة ،ولكن هيهات هيهات ! فلقد كان رحمه الله دائما وبعد كل زيارة هناك يحث المريدين على الإسراع مباشرة للالتحاق بمداغ الأم حتى تكتمل شروط الزيادة ويتحقق فيها المطلوب،وذلك باعتبارها أبرز بقعة تظهر فيها همة الشيخ ويسري سره ويفيض مدده كما أنها تمثل عمدة الاستمرارية والتمركز الروحي في الطريقة البودشيشية شيخا بعد شيخ.

   وفي هذه السنة 2018 وخاصة عند شهر غشت حضرنا هذا الملتقى بالجامعة الصيفية الصوفية بمداغ فكان حضورا متميزا وفياضا وسهرا غير عادي من طرف الشيخ جمال الدين بالرغم من حالته الصحية وآلامه ومعاناته .فكان في كل لحظاته متنورا ومتألقا ومتبسما ومستبشرا وكريما ومرحبا.كما قد خص العلماء والأساتذة والوافدين من الأجانب بعناية لم ولن يجدوها ولو في أكابر المؤتمرات وأفخم المنتجعات.حيث توفير الراحة والإقامة والطعام والترفيه الروحي بسماع يومي ممزوج بدروس علمية راقية المستوى كانت تنظم بعد صلاة العصر،وهي من ضمن برنامج مليء بتلاوة القرآن والأذكار والصلوات على الرسول صلى الله عليه وسلم .وفي هذه الدروس كان يفتح باب المناقشة الجادة تتلوها مداخلات قصيرة من طرف الشيخ نفسه ،ليس الهدف منها الاستعراض أو الانتقاد وإنما هي لفتة روحية جميلة لإنعاش الأرواح والتذكير بحضوره كمربي روحي له من الفضل والفيض ما لا تستطيع الكلمات أو المحاضرات توصيله إلى القلوب أو توصيفه !.

   وفي هذا الشهر ترافقنا مع بعض الإخوة الأجانب الذين جاؤوا من شتى البلدان الأوروبية وغيرها،منهم الفرنسي وغيرهم بحيث قد جرت بيننا أحاديث ومذاكرات حول التصوف والسلوك ووعي الفرنسيين بقيمته ومن كان له الفضل في التعريف به لديهم كروني جينو وغيره، فامتد بنا الحديث عن حوار الحضارات وكيف انتقلت الثقافات ومن تأثر ممن أثر…

  لكن قد كان من بين من التقيت بهم وأثار انتباهي وإعجابي بل إعجاب الكثير من الإخوان حتى الأجانب أنفسهم هو حضور أحد الأساتذة الباحثين المختصين في الأنثروبولوجيا من جامعة بوسطن الأمريكية اسمه :  Emilio Brahim Spadola قد تعرف على الطريقة من خلال الأخ الفاضل الدكتور سيدي خالد ميارة ،مختص في العلوم السياسية والاجتماعية وقضايا الحداثة والتواصل…

   هذا الباحث الأمريكي كان قد أسلم بمدينة فاس العتيقة ،والعاصمة العلمية، على يد أحد أصدقائه المغاربة فاختار لنفسه اسم إبراهيم  لكنه لم تهدأ نفسه وروحه ولم تجد ريا لعطشها إلا بالبحث عن التصوف أو الشيخ الصوفي تحديدا،حتى إذا جاء إلى الزاوية البودشيشية بمداغ وجد مراده وتحقق له أمله فألح على أن يأخذ الورد ويدخل في سلك الصوفية من غير تردد ثم صافحه الشيخ جمال الدين وأثنى عليه خيرا وقربه من ضمن المريدين الصادقين حتى كأنه قد كان قديم العهد بالطريقة ،ولكنه عهد المحبة التي تختزل الزمان والمكان والمقامات حينما يكون هناك صدق وجدية في الطلب.وهكذا حصل له الاندماج مع الذاكرين في لحظة قصيرة جدا فكان من المقبولين وأصبح مداغيا بودشيشيا يفتخر بذلك ويهيم بانتمائه هياما،وهو مع كل هذا لا يفارقه حاسوبه يدون فيه كل ما رأى وسمع من غير أن يمنع أو يضايق ،لأنه في مدينة العرفان والمحبة بلا حواجز ولا مصادرة للنويا والمقاصد.

   فلقد جاء ذات صباح بعد المصافحة ووجهه متهلل سرورا ودموعه تغرورق في عينيه عليها آثار السعادة والغبطة والفرح وهو يصرح بلغة عربية جميلة وبلكنة مستساغة: »إني أشعر بانشراح صدري وبسعادة ما بعدها من سعادة « ثم أضاف مكررا ومقررا: »إني أحمد الله على أن أصبح عندي شيخ !!! « .بل ذهب إلى أبعد من هذا إذ استأذن الشيخ جمال الدين بأن يأتي في المرة القادمة ومعه زوجته وأولاده متسائلا :هل من الممكن ذلك، بالرغم من أن أهله بعد لم يعتنقوا الإسلام  .فكان جواب الشيخ بالإيجاب والترحاب محققا لقول الله تعالى عن الشمولية المحمدية للرحمة: »وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين« .

  فالزاوية القادرية البودشيشية بمداغ وبإشراف وتوجيه شيخها جمال الدين ،وبنيه ومريديه، تقدم نموذجا سياحيا راقيا وجميلا .وتمنح عسلا وذوقا على أعلى درجة من الحلاوة و السمو والإشباع الروحي والنفسي ،بديلا عن السياحة الرديئة والدنيئة والمبتذلة والمسيئة التي طغت على منتجعات العالم ومصطافاته .كما أنها تدحض مزاعم واختزال المغرضين الذين يريدون أن يجعلوا من المغرب الحبيب ويحصروه ويلزقوا به صفة رديئة كأنه مجرد مستنقع ومستثمر لسياحة مرضى الشهوات والنزوات .

  كلا وألف كلا !فالبديل الأصيل موجود وحاضر ومتجدر،قد يقوم مقام صمام أمن ورفعة لهذا الوطن بكل قواه وأنماطه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ولكن في صورة رأسمال لا مادي غير قابل للنفاد أو البيع  على العلن في المزاد.

  هذه هي الطريقة القادرية البودشيشية وزاويتها،وهذه هي قرية بل مدينة مداغ العرفانية المغربية التي فاقت بوسطن الأمريكية وباريس الفرنسية ولندن البريطانية ودبي الإماراتية وجاكرتا الإندونيسية والقاهرة المصرية وباماكو المالية ،حيث استقطبت علماءها ومفكريها وأدبائها وأطبائها ومهندسيها وسياسييها واقتصادييها،وحققت نسبة عالية في نوع السياح ومقاصدهم ومطالبهم وغاياتهم .فهل من مستثمر جاد وصادق لدعم هذا المشروع الرباني الثابت والمشرق والفياض أنوارا وأسرارا وذوقا وجمالا،والذي ليس له من عملة سوى عملة الحب والسلام؟ وهنا انتهى الكلام.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.