جائزة نوبل للآداب .. وهرولة المبدعين.. !
المختار أعويدي
أثار الإعلان عن اختيار المغني الشعبي بوب ديلان، فائزا بجائزة نوبل للآداب، من طرف لجنة نوبل، نقاشا ولغطاً كبيرين، وحتى احتجاجا واستهجانا، في صفوف بعض رجال الأدب عامة، والشعراء منهم على وجه الخصوص.
ومبعث كل ذلك، أن المحتجين لا يعتبرون ديلان أديبا ولا شاعرا، بل مُغن وراقص. وأن الغناء لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن يقاس بجدية الشعر، ورصانته، وإيقاعاته الموسيقية الراقية. بل ولا يمكن حتى لكلمات الأغنية، التي تتميز عادة بالبساطة والسهولة في التلقي، أن تسمو إلى محراب القصيدة الشعرية، التي تعج بألق أجراسها الموسيقية الممتعة والمميزة.
تعالت الأصوات وتنوعت الآراء بشأن هذا الأمر. فمن قائل بأن القصيدة في زمننا هذا قد هوت من عليائها، وفقدت بريقها وجاذبيتها، وبالتالي ريادتها الإبداعية. ومن قائل بأنها تـُكتب للخاصة، ولا تفهم من طرف العامة. ومن قائل بأن كلمات الأغنية رغم بساطتها، أقدر على النفاذ إلى القلوب، وأسرع في بلوغ المراد. مستدلين بقدرة ديلان، وأغانيه الملتزمة على تأطير أجيال كاملة من الشباب، طيلة مشواره الفني الطويل.
لقد انقسمت الآراء في نهاية المطاف بشأن استحقاق ديلان للجائزة من عدمه، واستقرت في فريقين، هم دعاة الثقافة الأدبية، وأنصار الثقافة الشعبية. واستقر الإشكال حول أيهما الأجدر بتمثيل الأدب، والتأثير في الناس. وبالتالي الأجدر بالتكريم واستحقاق الجوائز.
في ظل هذا الجدل واللغط العارم، يبدو بوب ديلان غير مكترث تماما، لا بهذا الجدل المثار حوله، ولا حتى بالجائزة التي منحت له، والتي يسيل لها لعاب الكثيرين. ما جعله لم يظهر ظهورا إعلاميا، منذ الإعلان عن إسمه فائزا بالجائزة. وهو ما يقرأه كثيرون باحتمال رفضه تسلم الجائزة، تناغما مع قناعاته وتوجهاته، التي دافع عنها وتغنى بها، طيلة مساره الفني. والمتمثلة في رفض المظالم والحروب، والدعوة إلى السلام. علما أن الجهة المانحة للجائزة هي شركة إنتاج أسلحة. مع ما يعنيه ذلك، من مسؤولية أخلاقية لها، فيما تحصده تلك الأسلحة وتزهقه من أرواح. وهو، إن حصل، أي رفض تسلم الجائزة، فإنه سيضع لجنة نوبل في حرج كبير، وموقف لا تحسد عليه، يوم العاشر من هذا الشهر، وهو موعد تسليم الجائزة.
هذا الموقف يُذكِر بفائزين، رفضوا سابقا استلام هذه الجائزة، تناغما مع مبادئهم وقناعاتهم المختلفة. لعل من أشهرهم الفيلسوف جون بول سارتر. متحججا برفض استلام الجوائز الرسمية.
كما يُذكِر بصنف آخر من الأدباء المتكسبين المهرولين نحو هذه الجائزة. وعلى الخصوص منهم بعض الأدباء العرب. ويتذكر الجميع كيف أن أدونيس، ظل يشرئب بعنقه لسنوات طوال إلى هذه الجائزة، ولم يبق له في النهاية، غير تسولها تسولا. حتى وإن كان لا يكف أبدا، متى ما تيسرت له الفرصة لفعل ذلك، عن الحديث عن أحقيته وجدارته بها. بل وحتى أديبنا المفرنس الطاهر بن جلون، بعد حصوله على جائزة الغونكور، ظل يغازل هذه الجائزة عن بعد، طامعا في الظفر بها.
إن مثل هذه الهرولة من أدباء مبدعين، يدَعون مزاولة حرفة الكتابة الإبداعية الراقية، تدعو في الحقيقة إلى الإستخفاف والتقزز والشفقة، بشأن مثل هذه المواقف السخيفة، التي يضع المبدع نفسه فيها، علما بأن المفترض في المبدع، أن يبقى شامخا في عليائه بتواضعه وكبريائه، وتأففه وترفعه، عن مثل هذه المواقف المخزية.
لقد أصبحت موضة مطاردة الجوائز، والركض خلف مانحيها، هواية كثير ممن يصنفون أنفسهم مبدعين أو أدباء. وأصبحت الهرولة نحو الخليج ومنتدياته الأدبية، وبلاطاته، مطلبا عزيزا لدى كثير من أدبائنا ومبدعينا المغاربة المتكسبين. حتى قد تخصص في ذلك وسطاء وسماسرة « الإبداع مقابل الجوائز »، وتشكلت لوبيات متحالفة متواطئة على « إذلال » الإبداع في « سوق الدلالة »، وجدت تربتها الخصبة، وضالتها في حضن مؤسسات محسوبة على الثقافة والكتابة والإبداع. تنخرط بشكل سافر في إطار « ثقافة الإبداع مقابل الجوائز »، أو بالأحرى مقايضة الإبداع بالدولار.. !!
إنها قمة الرداءة الأدبية، ومنتهى الحضيض الإبداعي.. !!
1 Comment
الدكتور اﻹدريسي مولاي أحمد و اﻷستاذ محمد السهلاوي و سي اسماعيل الحلوتي من جربدة وجدة سيتي هم أولى بجائزة نوبل للآداب من غيرهم.