حكايا استاد متقاعد ـ الحلقة1 ـ : تحية الى روح عزيزنا الأستاد الميلود بوزرزايت
بعد تخرجي من مركز تكوين الأساتذة بمدينة ،،فاس،،عينت بثانوية ولي العهد آنئذ بسوق السبت أولاد النمة ،نيابة بني ملال.
تزامن وصولي الى مدينة ،،عين أسردون،،مع مرور رعود تلاعبت برونق المدينة.وهكذا،وبمجرد أن نزلت بأحد الفنادق لقضاء أول ليلة بهذه الربوع،حتى جاءني النادل يحمل لترا من الماء موضحا بأنني مدعو لأتدبر أمري مع هذه المادة،لان الشبكة قد تعرضت لتخريب يتطلب أياما لاصلاح الأعطاب.
نزل علي الخبر كالصاعقة،لأن الميزانية التي كانت تحت تصرفي،لم تكن بها خانة للطوارئ!
لقد كان علي أن أتعسف على ماء،،سيدي حرازم،،فأستعمله لغير ما أنتج له!
في الصباح الباكر،أيقظني ألم ضرس انضاف الى قائمة الطوارئ.
كان اليوم أحدا،مما أجبرني على ايجاد حل أخر غير المراكز الصحية المغلقة.
نصحني النادل بالتوجه نحو حلاق غير بعيد عن الفندق يتقن كذلك عملية قلع الأسنان،وكانت خمسة دراهم كافية للتخلص من الألم!
في الغد،توجهت الى مقر العمل على بعدثلاثين كلمترا وسط جنة حقيقية من الحقول البديعة.
عندما قابلت مدير المؤسسة،أخبرني بأن تعييني لم يصله بعد،وعلي أن أنتظر.
توجهت نحو سيارات غريبة للأجرة،اذ كانت سيارات أمريكية ضخمة،وغير المغاربة ،،بطونها،،لتستوعب محركات على المقاس! وقد علمت فيما بعد أن هذه السيارات كانت تجلب من القاعدة الأمريكية بالقنيطرة،ثم تخضع ،،لتعديل،،مغربي!
عندما أخذت مكاني الى جانب امرأتين تلتحفان لباسا مزركشا يعرف هناك بالحايك، كان السائق منهمكا في تدخين مادة الكيف بواسطة،،سبسي،،طويل،فلما شرع يستعد للانطلاق،عزمت على النزول حفاظا على سلامتي،لكن الركاب الذين عرفوا بأنني غريب عن المنطقة،طمأنوني،موضحين بأن استهلاك هذه المادة أمر عادي جدا،وشائع!
خلال الطريق، كانت الهواجس قد استولت على تفكيري:ليس لي مبيت قار،ولا زاد مادي يعفيني من التفكير.
وبينما أنا شارد البال،اذا بالمرأة الجالسة الى جانبي تقطع عني حبل التفكير،حيث تجاذبت معي أطراف الحديث،وخمنت بأني من شرق المغرب من خلال كلامي،وماهو الا وقت قصير حتى شرعت تراودني عن نفسي!
كانت وضعيتانا متناقضتين تماما وهي لا تدري.
هذه السيدة التي تستعد للالتحاق بزوجها في الخارج كما أسرت لي، لم تكن تعاني الا الفراغ العاطفي،أما أنا الذي ساقني اللهاث وراء لقمة العيش،فانني كنت غارقا في هموم أبعد ما تكون عن رغبات هذه المخلوقة!
عندما وجدتني أتلقى هذا العرض السخي في غير وقته المناسب،تذكرت الرد الذي وجهه المرحوم،،موسى نعلي،،في ظروف مشابهة حينما ناشدته معجبة أن يتذكر نهديها وهو فار من معركة،حيث قال لها:،،أگيثن ذي،،،،،
عدت الى مدينة بني ملال لأقضي ما تبقى من النهار متسكعا،الى أن ساق القدر شخصا عزيزا الى طريقي.
لقد وجدتني صدفة وجها لوجه مع صديقي العزيز،،الميلود بوزرزايت،،رحمه الله!
كان الرجل قد سبقني الى التدريس ببني ملال سنة من قبل.كانت فرحة متبادلة لا توصف،خاصة وأن الرجل قد درس معي بكل من جرادة ووجدة،وكنت أعرف والده رحمه الله.
كانت ليلة مشهودة،استعدت خلالها هدوئي النفسي،لأني أحسست بالدفء العمراوي الذي لا مثيل له.
لم يترك أخي الميلود مجالا للتفكير في السكن،حيث أوضح لزميله في المنزل بأنني سأقاسمهما السكن كيفما كان الحال!
انه العمراوي الشهم الذي ينتصر لأخيه خاصة في الشدة!
رحب بي زميله الثالث في الصورة،وهو سوسي الأصل وافد من مراكش.
قضيت مع الميلود سنة عمراوية بامتياز،وكانت لغة الأجداد التي نتقنها معا،هي وسيلة تواصلنا!
أسأل الله عز وجل أن يرحم هذا الرجل الذي ضحى من أجل اخوانه وكافة أسرته تضحية لا مثيل لها حتى أوجد لكل واحد منهم مكانا يناسبه.
لقد كان عمراويا حتى النخاع، وامتاز بأسلوبه الفكاهي وبذكائه.
في نهاية السنة،استجيب لرغبته فغادر بني ملال،ثم شاءت الظروف أن نلتقي من جديد بوجدة،حيث كان مديرا باحدى الاعداديات.
في أخر لقاء معه،لاحظت أن الرجل قد أصبح نحيفا،كما امتقع لون وجهه،لكن روح الدعابة لم تفارقه.
عندما كان يستعد لمغادرة مقر عمله بعد أن استنفذ سنوات العمل،كان القضاء قد نزل،فغادرنا السي الميلود بوزرزايت تاركا في قلوب محبيه حرقة أبدية.
لله ما أعطى ولله ما أخذ!رحم الله هذا الرجل، وأسكنه فسيح الجنان،امين.
Aucun commentaire